في أبوظبي.. «شارع نواكشوط» / محمد المنى
قد لا يعلم كثير من أبناء جاليتنا في مدينة أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أن أحد شوارع هذه المدينة العامرة الزاهرة يحمل اسم عاصمتنا الحبيبة نواكشوط، ليس فقط لأن سوابق الحياة في هذه الأخيرة عوّدتهم على عدم الاكتراث كثيراً بالتسميات الرسمية للشوارع، أو لأن بعضهم قد يفتقر للفضول والتطلع المعرفي خارج مجال عمله أو حقل اختصاصه.. ولكن أيضاً لأنه ليس مما اعتادته دولة الإمارات أو درجت عليه أن تبرِز وتشهر معروفها تجاه الأشقاء أو أن تمن على أحد منهم ما تبذله خدمةً لعلاقات الأخوّة وأواصر التاريخ والثقافة والدم.
بعد عشر سنوات فقط على قيام الجمهورية الإسلامية الموريتانية برئاسة المختار ولد داداه عند حافة الأطلسي، قام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على ضفاف الخليج العربي، لتنشأ علاقة صداقة قوية بين الزعيمين، تعززت عقب لقائهما عام 1973 خلال قمة الجزائر التي كانت أول قمة عربية يشارك فيها البلدان. وبعد ذلك بفترة وجيزة أوفد الرئيس المختار إلى الشيخ زايد وفداً برئاسة وزير الخارجية حمدي ولد مكناس. ثم سرعان ما لبّى الرئيس المختار دعوة الشيخ زايد وقام بزيارة تاريخية لدولة الإمارات في عام 1974، رد عليها الشيخ زايد بزيارة مماثلة لنواكشوط في العام ذاته، حيث ازداد إعجاباً بشخص الرئيس المختار وبالأصالة العربية البدوية للشخصية الموريتانية على العموم.
ومنذ ذلك الوقت ظلت العلاقات الموريتانية الإماراتية تتعزز وتترسخ، وهو ما تجلى في الإسهامات الكبيرة التي قدمتها أبوظبي لصالح المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية الموريتانية، وعلى رأسها مشروع «طريق الأمل» وتوسيع القاعدة الاستثمارية لشركة «سنيم»، ثم قيامها باستقدام عدد كبير من الأئمة والوعاظ والمفتين والقضاة والمستشارين الدينيين.. لتستكتب لاحقاً مئات الشباب الموريتانيين لصالح السلك الشرَطي في كل من أبوظبي والشارقة ودبي.
ويؤكد الدعم الإماراتي المتواصل منذ خمسة عقود، لصالح مجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا، ذلك الإعجاب الذي حدث على نحو متبادل وغير محدود بين المؤسِّسَين الشيخ زايد والرئيس المختار منذ لقائهما الأول؛ إذ يشترك الزعيمان في كونهما بنّاءين عظيمين خاض كل منهما مغامرة إنشاء دولة في مكان اعتبره الكثيرون غير قابل لاستزراع نظام الدولة العصرية المركزية على أرضية مجتمعية يحكمها نمط العيش البدوي ونظام التجزؤ القبلي. كما كانا يشتركان معاً في حيازتهما خصال «الزعيم التاريخي» وفضائل «رجل الدولة» وصفات «الأب المؤسس»، لما أظهراه من حكمة وحنكة وصبر وكياسة وبعد نظر وقدرة على تجاوز الذات وعلى استيعاب المشكلات وتخطي كل المعوقات والعراقيل والمثبِّطات.. وكم كانت جمة وعويصة في الحالتين الموريتانية والإماراتية معاً.
وبفضل هذا التشابه والتلاقي في كثير من الجوانب والأوجه، الشخصية والتاريخية، ظل حبل الود بين الزعيمين قائماً ومستمراً حتى انتقلا إلى دار البقاء بفارق أشهر فقط، وليستمر الأساس الذي بَنَيَا عليه علاقة البلدين وليتواصل نهج الأخوّة بين أبوظبي ونواكشوط، والذي يذكّرنا به اليوم اكتشاف شارع يحمل اسم نواكشوط في حي الزَّعابْ، أحد أقدم وأرقى أحياء العاصمة أبوظبي.