اللغة العربيّة بشقّيها الأساسيّين، المعياريّة (MSA) وهي اللغة القوميّة، والعامّية وهي لغة الأمّ، مثلها مثل لغات العالم الطبيعيّة الأُخرى، تقترض بطرق متنوّعة كلماتٍ وألفاظًا من لغات أخرى قريبة أو بعيدة عنها جغرافيًّا أو لغويّا. في العصر الحديث تقترض معظم لغات شعوب العالم مثل هذه المادّة اللغويّة، ممّا يُدعى بـ”المعيار الأوروبيّ المتوسّط“ (Standard Average European)، وهو يشمل الإنچليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة. في هذه العُجالة نتطرّق إلى اقتراض كلمات منضوية في خانة المحسوسات (ريآليا) مثل: أوطومبيل، تراكتور، تاكسي، ترين، راديو، تلفزيون، تلفون، كومبيوتر، فاكس، فيس بوك، وهنالك محاولات لا بأس بها لتعريب مثل هذه الكلمات الدخيلة أو إيجاد بديل عربيّ فصيح. وهذا البديل يُستعمل عادة عند الكتابة بالعربيّة المعياريّة في حين أنّ العامّيّة قد تستخدم اللفظة الأجنبيّة مرّة واللفظة المعياريّة في أحيان أخرى، وذلك وَفق المناسبة ومستوى الناطق التعليميّ والثقافيّ. يقول العربيّ في البلاد عادة ”تَكْسي“ ويكتب عادة ”سيّارة أُجرة“.
هنا أطرح عبارة ”كعّابة الحِذاء“ لتحلّ محلّ المرادفات التالية في الكتابة على الأقلّ، أمّا على المستوى العامّيّ فلكلّ شخص بالطبع خِياره في استخدام ما اعتاد عليه من كلمات. يبدو لي، بناءً على ما قمت به في بحث أوّليّ، أن لفظة ”كعّابة“ بمعنى تلك الأداة الخشبيّة أو المعدنيّة أو البلاستيكيّة المقوّاة المستخدمة لتسهيل انتعال الحذاء لدى المسنّين والمسنّات بخاصّة، مستعملة في بعض القرى والبلدات في البلاد مثل الجشّ وكفر سميع وحرفيش. من الواضح أنّ الكلمة الشائعة لاسم هذه الأداة هي كَرَتَه/ا (مثلا في: عبلين، الناصرة، كفر كنّا، القدس (لبّاسة/لبّيسة الكندره أيضا)، بيت لحم، بيت جالا، بيت ساحور، نابلس، الزبابدة – قضاء جنين، المغار، اللد، سخنين، باقة الغربيّة، دير حنا، الخليل، جيّوس، العراق، لبنان، صَدَد في محافظة حمص. وفي بعض الأماكن نجد ”كَرْتِه“ كما في بيت صفافا وجت المثلّث أو ”كَرَتِه“ في دبورية والمشيرفة ومنطقة أمّ الفحم و”كرَتايه“ في حلب. ويعود أصل هذه الكلمة الدخيلة إلى اللغة التركيّة kerata وهي مستمدّة من اللغة اليونانيّة kérato/χερατο.
هناك أسماء أخرى للأداة ذاتها مثل ”كفّ الإجِر“ في البقيعة، ”مِلْعَكَه“ في طوباس بالقرب من جنين، ومثلها في محافظة حمص؛ “إلْسان الكُنْدَره“ في لبنان و”لسان البوط“ في قرية مخّول في البلاد. هذا ما عثرت عليه على الصعيد العامّيّ المستعمل (ويطيب لي هنا أنّ أشكر كلّ منِ ٱستجاب وأجاب على سؤالي بخصوص اللفظة المستعملة في لهجته)، أمّا كتابيًّا فلا أذكر أنّني صادفت مثل هذه الكلمات في أيّ نصّ عربيّ عاديّ حتّى الآن. المتصفّح في الشابكة سيجد صُورًا شتّى بألوان ومقاسات متباينة للكعّابة وكذلك أسماء جديدة مترجمة، على ما يبدو، من لغات أجنبيّة كالإنكليزيّة والألمانيّة كما ترى في القواميس المذكورة أدناه. من هذه الأسماء نذكر: قرن/قرون، بوق/أبواق الحذاء، ملعقة سحب، لبيسة حذاء.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التسمية ”قرن، بوق“ موجودة في هذه اللغات: الإنجليزيّة والآيسلنديّة والإيدش والكرديّة واللاتڤيّة والليتوانيّة والمالايام والمالطيّة والباشتو والسويديّة والصوماليّة والسواحيليّة والدانمركيّة. وتسمية الأداة بـ”ملعقة الحذاء“ موجودة في هذه اللغات: الألمانيّة (فيها أيضًا ما معناه: جاذب الحذاء) والهولنديّة والفنلنديّة والعبريّة.
وأخيرًا أقترح على الكتّاب استخدام اللفظة ”كعّابة“ ووزنها فَعّالة يدلّ على الأدوات، أمّا في العامّيّات فلكلّ واحد منّا لهجته الخاصّة وهي جزء من هُويّته وكيانه، في عامّيّتي الكفرساويّة أستخدم في الأساس لفظة ”إمْزَكِّه، إمْزَكّات“ ولم أعثر عليها في لهجات أخرى حتى الآن والكلمة ”كَرَتَه“ مستخدمة أيضا.
رفائيل نخلة اليسوعي، غرائب اللهجة اللبنانيّة السوريّة. بيروت: المكتبة الكاثوليكيّة، ١٩٥٩، ص. ١٧١ (كرَتايه، لهجة حلب: قرن للاحتذاء).
عبد اللطيف البرغوثي، القاموس العربي الشعبيّ الفلسطينيّ. اللهجة الفلسطينيّة الدارجة. رام الله: جمعيّة إنعاش الأسرة البيرة، مركز التراث الشعبيّ الفلسطينيّ، ١٩٩٨، ج. ٣، ص. ١٠٧.
محمود مهدي عبد الله، قاموس فنلندي – عربي. همينلنا، ٢٠٠٧، ص. ٣٨٤، قَرن (لتسهيل لُبس الأحذيّة) عم لَبّيسه.
Leonhard Bauer, Deusch-Aranisches Wörterbuch der Umgangssprache in Palästina und im Libanon. Otto Harrassowitz-Wiesbaden, 1957, S. 266.
Omar Othman & Thomas Neu, Qaamuus Il-Quds. A Dictionary of the Spoken Arabic of Jerusalem (English-Arabic). Jerusalem: B.O. Box 340, 2008, p. 215.
Socrates Spiro, An Arabic -English Dictionary of the Colloquial Arabic of Egypt. Beirut: Libraraire du Liban, 1973, p. 514.