هناك الكثير والكثير من المحليين السياسيين والصحفيين المدافعين عن الجماعات المسلحة في سوريا يحاولون التقليل من خطوات التقارب السعودي السوري بشكل خاص والتقارب العربي السوري بشكل عام. منهم من يروجّ بأن الوفود العربية التي تزور سوريا جاءت بعد حادثة الزلزال وتحمل طابع إنساني ومنهم من يروّج بأن التطبيع مع الرئيس الأسد جاء للقضاء على النفوذ الإيراني ومنهم من يروّج لنظرية المؤامرة التي تقول بأن السعودية والإمارات منذ البداية عملتا على إعاقة ما يسمونه “الثورة السورية”.
كل هذه التحليلات هي تحليلات مغرضة وتحاول التغطية على الفشل الذريع الذي منيت به سياسات تحويل سوريا إلى دولة فاشلة وإخراجها من دول الطوق المحيطة بإسرائيل والقادرة على أن تلعب دوراً محورياً في أي حرب قادمة مع الكيان المحتل.
ad
وللإجابة على جميع التحليلات السابقة علينا تذكيرهم أولاً بأنّ الزيارات الرسمية إلى سوريا بدأت قبل الزلزال بسنوات عديدة ونذكر هنا التقارب الأردني-السوري والتنسيق المشترك لمراقبة الحدود. كما نذكرهم كذلك بالتعاون الأمني والسياسي بين سوريا والعراق للقضاء على داعش بين الحدود السورية العراقية. ولا يخفى على أحد التواصل الاستخباراتي السعودي-السوري منذ العام 2015 ضمن الوساطة الروسية.
وأما من يتحدث عن أن التطبيع هو لمحاولة تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، علينا القول كذلك بأنّ من يدّعون بأنه يرغب بتحجيم هذا النفوذ هو من جلس إلى طاولة المفاوضات مع الإيرانيين وتوصل إلى اتفاق مصالحة سوف يغير معادلة الشرق الأوسط بشكل كامل وبالطبع نقصد هنا السعودية. السعودية هي نفسها من حصلت على تفاهمات طويلة الأمد بالنسبة للعديد من الملفات السورية واللبنانية واليمنية. لعل أولى بوادر هذه المصالحة ظهرت على الساحة اليمنية من خلال اتفاقية تبادل الأسرى وزيارة الوفد السعودي والعماني إلى صنعاء ومن ثم العمل على هدنة مستدامة لأكثر من عام في اليمن. وأما على المستوى اللبناني فيبدو بأن بوادر حلحلة في الموضوع اللبناني بدأت تطفو على السطح. ويبدو بأن الرافضين لهذه المصالحة (من ضمنهم القوات اللبنانية) يرفضون قبول حقيقة بأن السعودية لا تنظر إلى لبنان من منظور بيت الحريري أو من منظور الأحزاب اللبنانية الموالية لها، إذ أن هذه المعادلة قد تغيرت إلى الأبد. السعودية بدأت تنظر إلى لبنان والشرق الأوسط من منظور نظام أمني في الشرق الأوسط يعتمد على التهدئة لتحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية. هذه السياسة الجديدة التي تقاوم الأطراف اللبنانية فهمها وتصر على ألا أنه لا توجد تحولات جذرية في الموقف السعودي. هذه التحولات إن فهمتهما جميع الأطراف اللبنانية يمكن الحديث عن حلول قادمة على المستوى الاقتصادي ومستوى انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة جديدة لقيادة المرحلة القادمة.
وأما من يتحدث عن نظرية المؤامرة فعلينا أن نذكره بمليارات الدولارات التي صرفتها الدول العربية للإطاحة بالرئيس السوري، حيث اُستثمرت هذه الأموال في تمويل مجموعات متطرفة تركت كل شيء وتفرغت لقتال بعضها البعض، كما عملت هذه المجموعات على تقويض المطالب المشروعة للشعب السوري. لقد فهم الأخوة والأشقاء العرب أن سوريا هي بوابة الأمن في المنطقة وبأن سوريا نفسها هي من قاتلت الإرهاب الذي كان من الممكن أن ينتقل إلى بلدانهم.
ما يحدث اليوم من عملية تقارب عربية-سورية هو مسار صحيح للأحداث وما حدث في الماضي من إخراج سوريا من الجامعة العربية ومن العزلة التي فرضها الأشقاء على أخوتهم السوريون هو المسار الاستثنائي الخاطئ الذي يجري اليوم تصحيحه. لا نظرية مؤامرة تقف خلف التطبيع مع الأشقاء في سوريا ولا أعمال إنسانية إنما هو استعادة دور تاريخي قديم ومحوري لسوريا في الواقع العربي المتأزم.