مالي لا أرى الحمار ..؟!/ أحمدفال امحمد آبه
تصفحت شعارات الأحزاب عندنا (الصورة المرفقة)، فرأيت فيها “تنوعا” نادرا.. السنبلة، والمفتاح، والمفاتيح، و”الظواية”، والصقر “والحمام واليمام والصرد الصوام”.. رأيت الغزال، والجمل، والحصان، والبقرة، والناقة، والفصيل ، لكنني لم أر الحمار ،، فأرجعت البصر كرتين ، فلم أره .. فقلت لنفسي: يا له من ظلم ، أن تحضر كل هذه الحيوانات في شعارات أحزابنا ويغيب الحمار ، مع أنه أهمها على الإطلاق، وأكثرها ارتباطا بحياتنا اليومية ..
“الحمار” في موريتانيا يستحق كل الاحترام والتقدير، وذلك للدور المهم الذي يقوم به في خدمة “المواطنين الأعزاء”، والمسؤولين أيضا، وسهره على مصالحهم، واسألوا إن شئتم سكان الأحياء الشعبية في نواكشوط، وأصحاب “اباتيگ السقط” والتيفاية ، وغيرهم.. هو وقود الحياة بالنسبة لأكثر من ثلث سكان العاصمة، ولا ينكر دوره في خدمة السكان إلا مكابر، لكنه دائما مظلوم، ويتعرض للاضطهاد على أيدي الأطفال، وحتى الكبار.. وخذوا إن شئتم جولة قصيرة في “شارع الرزق”، هناك يتعرض الحمار لكل أنواع الظلم، ومع ذلك لا تسمع له حسا، فهو لا ينهق في أوقات العمل، بل يبقى مجتهدا ومركزا في عمله، يأكل من علافته، ويتنهد إن شعر بالتعب.
أليس في “ملاك” الأحزاب “احمار رجالة” يتخذ من الحمار شعارا له ؟ ويعيد له الاعتبار دون خوف من أن “يردم” الناس فيه “احمير بالسوس” (احمير جدو في بعض المناطق ).. وأنا على ثقة بأن “الحمير” لن تخذله إن فعل..
لم يتعرض الحمار، طوال تاريخه، لظلم أشد مما يتعرض له الآن من العرب المعاصرين، وذلك لأنهم يصفون الفاشلين والبلداء من أبنائهم بأنهم “حمير”، وتلك لعمري مسبة الدهر (بالنسبة للحمار طبعا)، ولكن عزاء الحمار أنه لم يقارن بالحكام العرب.. الحمار ليس غبيا، ولقد أنصفه العرب الأوائل عندما كانوا يضربون به المثل في الصبر، وأنصفه الحزب الديمقراطي الأمريكي عندما جعله شعارا له، بينما اختار الجمهوريون الفيل شعارا لهم، الأول رمز الصبر والثاني عنوان القوة..
ومن طرائف الشاعر بشار بن برد أنه قال: كان لي حمار من أعقل بني جلدته، ليس له هفوة ولا زلة، فاعتل على حين غفلة، فمات، فرأيته في النوم، فقلت له: أَلمْ أُنقِّ لك الشعيرَ، و أُبرّد لك الماءَ ؟ فما سبب موتك ؟
قال: فقال الحمار: أنسيت أنك ركبتني يوم كذا وكذا وأنك مررت بي على باب الأصبهاني، فرأيت أتانـًا (حمارة) عند بابه فعشقتها حتى مت بها كمدًا ثم أنشدني:
سيدي مل بعناني == نحو باب الأصبهاني
إن بالبـاب أتـانًـا == فضلت كل أتانِ
تيمتني يوم رحــنا == بثناياها الحســانِ
وبـغـنـــج ودلالٍ == سلَّ جسمي وبراني
ولها خد اسيلٌ == مثل خدّ الشيفراني
فبها مت ولو عشت == .إذن طال هــواني
فقال رجل من القوم :
وما الشيفران يا أبا معاذ ؟
قال بشار: هذا من غريب لغة الحمير، فإذا لقيتم حمارا فاسألوه.
تذكر إحدى أساطيرنا الشعبية أن گرفاف ( يسمى گابون في بعض المناطق”، لم يكن يأكل الحمير ولا يتعرض لها خوفا منها، فقد كان يظن أن آذانها قرونا..وذات مخمصة وفي ليلة مقمرة مر بالقرب منه حمار فلم يهيجه، لكن الحمار المسكين وجه سؤالا إلى گرفاف قائلا : “أنت ما اتسلم اعلي امالك ؟ ، فقال له : خايفك لا تنطحني بگرونك، فقال الحمار : هذو ماهم اگرون ، هذو ألا اجليدات..فقال له گرفاف : حركهم شوف ؟ ..فهز الحمار أذنيه ، وما إن تأكد گرفاف من ضعفه حتى هاجمه وقضى عليه، ومن يومها أصبح “الحمار” الوجبة الشهية لگرفاف… ..
رجاء، أنصفوا “الحمير”.. أنصفوا “الحمير”، فأوضاعهم سيئة، رغم ما يظهرون من تجلد وصبر..
أنصفوا “الحمير”..
#أتوف عرض أقل