حان الوقت أن تستوعب واشنطن أن روسيا والقضية الفلسطينية لا يمكن إلا أن تنتصر / رامي الشاعر
قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق
الإغاثة في حالات الطوارئ مارت غريفيث إن العدد الكبير للقتلى في قطاع غزة خلال شهر يجعل العالم أمام تحد إنساني.
وقد أعلنت وزارة الصحة في غزة يوم أمس الاثنين ارتفاع عدد
القتلى جراء القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 31 يوما إلى أكثر من 10 آلاف قتيل، من بينهم 4104 طفل، فيما يرقد تحت الأنقاض ما يقترب من 1500 طفل آخرين، لتصبح حصيلة قتلى الأطفال في العدوان الإسرائيلي الغاشم على المدنيين في قطاع غزة زهاء 6 آلاف طفل على مرأى
ومسمع من “العالم الحر” و”الديمقراطي” في الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تفتح خزائنها ومخازنها لإسرائيل لارتكاب المجازر المروعة بحق شعبنا الفلسطيني.
بدوره، لم يستبعد وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو “استخدام
القنبلة النووية في غزة”، وهو ما أثار عائلات الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في غزة، حيث وصفت العائلات تصريح الوزير بأنه “بيان صادم يتعارض مع كل مبدأ من مبادئ الأخلاق والضمير اليهودي والإسرائيلي”، وتابعت أن “الوزير يجب أن يدفع الثمن اليوم”.
من جانبها علّقت عضو الكنيست الإسرائيلي يفعا تبيتون بأن الوزير
إلياهو هو “وزير غبي يقوم من خلال تصريحه هذا بتدمير جهود الدعاية الإسرائيلية حول العالم، وتوجد طريقة واحدة للرد على تصريحاته بإقالته فورا”.
وحول هذا الشأن قال الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية
مصطفى البرغوثي إن غباء الوزير الإسرائيلي ليس في فكرة إلقاء القنبلة النووية على غزة بحد ذاتها، حيث قامت إسرائيل بإلقاء ما هو أكثر من القنبلة النووية، بإلقائها 26 ألف طن من المتفجرات، والمجازر مستمرة، إلا أن غباء إلياهو في “كشفه حقيقة تفكير الحكومة الإسرائيلية”.
وتابع: “أولاً، لقد كشف تفكيرهم أمام العالم، واعترف بامتلاك
الدولة الإسرائيلية لأسلحة نووية، وهو أمر أخفته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مع أن الجميع يعرفون ذلك. ثانياً، كشف الوزير حقيقة تفكير الحكومة الإسرائيلية بشأن قطاع غزة، فهم لا يعتزمون الإتيان بحكومة فلسطينية، أو بالسلطة، أو بأي أحد. وإذا استطاعوا احتلال قطاع
غزة وضمه، وإعادة استيطان قطاع غزة مجددا، فسيفعلون ذلك”.
في الوقت نفسه، يحاول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن،
بجولاته المكوكية في الشرق الأوسط، التستر على الجرائم الإسرائيلية الفجة ضد البشرية، والترويج لما يسميه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” (علما بأن إسرائيل، وفقا لكل المعايير والقوانين الدولية، لا تملك حق الدفاع عن نفسها بصفتها دولة احتلال)، والدفاع عن رفض الولايات
المتحدة وإسرائيل لوقف إطلاق النار، بوصفه إجراءً يصب في مصلحة حماس، والدعاية لما يطلق عليه “هدنات إنسانية متفرقة”بديلاً عن وقف إطلاق النار.
إن ما جرى منذ شهر من الآن، في 7 أكتوبر الماضي، لم يكن سوى
بداية لمعركة التحرير الكبرى لفلسطين والقدس، وهي معركة لن تتوقف دون إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وكل من يحاول التشويش على هذا المسار، وتشويه تلك العملية الكبرى، المرتبطة بزلازل تكتونية أخرى للنظام العالمي الراهن، وكل من يحاول وصف
تلك العملية بكونها “إرهاب” فلسطيني، إنما يخدم معسكر المتشبثين بعالم الأحادية القطبية الذي تحاول الولايات المتحدة وأذنابها في أوروبا وإسرائيل الحفاظ عليه من الانهيار.
وما تسعى إليه إسرائيل بشكل واضح لا لبس فيه هو استغلال اللحظة
الأخيرة للولايات المتحدة، بينما لا زالت قادرة على التمويل والإمداد، دون أن تكون قادرة على الفعل. فما حدث في أوكرانيا أنهك قدرات الولايات المتحدة و”الناتو”، ولم تعد مخازن الأسلحة والذخيرة بذات القدرة على الإمداد كما كانت قبل العملية العسكرية الروسية الخاصة
بأوكرانيا، لا سيما أنه ومع كل هذا، لا زال زيلينسكي يشكو من “قلة الإمدادات”، وتحاول قيادات أوكرانيا العسكرية إلقاء مسؤولية الهزيمة على الغرب، فيما يحاول الغرب، على الجانب الآخر، إلقاء لوم الهزيمة على أوكرانيا.
إن معركة التحرير الكبرى في فلسطين ستحسم انتصار عالم التعددية
القطبية، وعودة دور الأمم المتحدة وتنفيذ قراراتها التي تجسّد الإجماع الدولي، وسيادة العدالة، وعودة العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، اللتان يقطنهما شعب واحد، فصل بين شقيه الروسي والأوكراني تلك الشرذمة النازية، التي لن تلبث أن تخرج من السلطة والتاريخ مكللة بالعار
والهزيمة.
إن انتصار عالم التعددية القطبية يعني كذلك أن تعود الأشياء
إلى أوضاعها التاريخية العادلة، بما في ذلك وضع تايوان، ورفع العقوبات عن سوريا وعن إيران، وعن كوبا، وعن فنزويلا وغيرها من مناطق العالم التي كانت ولا زالت الولايات المتحدة تستخدم سلاح العقوبات ضدها، وكأن الأمم المتحدة وكيلاً شخصياً لها، حتى أن المدعي العام للمحكمة
الجنائية الدولية كريم خان يقع تحت ضغوط أمريكية هائلة لا تسمح له بتحريك قضايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد إسرائيل، وهي جرائم متكاملة الأركان ترتكبها إسرائيل على مسمع ومرأى من العالم أجمع، لكنها تحتمي في الوقت نفسه بسطوة الولايات المتحدة للتستر عليها.
أقول إن كل الوثائق موجودة، ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية لديها كل ما يلزم لإثبات الجرائم الإسرائيلية.
إن العالم قطعاً يقف أمام تحدٍ إنسانيٍ كبير في غزة، وأعتقد
أننا بصدد أيام وربما أسابيع معدودة، لو لم تعد فيها واشنطن إلى رشدها، ستتدهور الأوضاع نحو توسيع جبهات القتال ليس فقط في فلسطين ولبنان، بل في أرجاء العالم كله، ضد المصالح الأمريكية وقواعدها أينما وجدت.
وعلى واشنطن أن تدرك أن كل محاولات زعزعة الأوضاع في روسيا،
وإضعافها، أو محاولات قلب الأوضاع في البلدان العربية من خلال التطبيع مع بعضها قد فشلت جميعاً، وأن روسيا وبعض البلدان العربية قد صبرت كثيراً، في محاولة منها، كي تتفهم واشنطن أنه لا يمكن الانتصار على الحق والمنطق السليم لحل القضايا بشكل عادل وشامل، إلا أن واشنطن
وتل أبيب لم تستجيبا لكل هذه المحاولات، واعتبرت الصبر ضعفاً، والسكوت رضاً.
ومرة أخرى، لمن يواصلون الحديث عن “إرهاب” حماس، ويواصلون
طرح السؤال الغربي الدعائي المكرر في جميع وسائل الإعلام المتصهينة “هل تدين حماس” Do you condemn Hamas، أقول إن السؤال في حد ذاته خاطئ. فما هي المعايير التي يستند إليها هؤلاء ولماذا يضعون هذه المعايير على حماس ولا يضعونها على الجيش الإسرائيلي على سبيل المثال،
ولماذا جاءوا بتلك “المسطرة” للقياس الآن، ولم يطبقوها خلال 75 عاماً، عمر القضية الفلسطينية؟
إن إعلان حرب التحرير هو إعلان حرب ضد الاحتلال، وإسرائيل
وفقاً لتعريف الأمم المتحدة هي دولة احتلال، ومقاومة الاحتلال حق شرعي في ظل كل القوانين والمعايير الدولية، وقد يقع من بين ضحايا المقاومة المسلحة مدنيين، تقع مسؤوليتهم على دولة الاحتلال وليس على الطرف المقاوم. أما قيام جيش الاحتلال بعملية تطهير عرقي وإبادة جماعية،
فهنا بيت القصيد، وهذا هو إرهاب دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاولون طمسه بدعاوى “إرهاب حماس”. إنها ازدواجية المعايير الغربية التي سئمنا منها وآن الأوان لفضح الغرب، والحصول على حقوقنا الشرعية بموجب القوانين الدولية.
يؤسفني أن يتجه بعض المعلقين السياسيين في روسيا مؤخراً، ومن
بينهم حتى الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية الروسية، إلى استخدام مصطلح “الإرهاب” ضد المدنيين الإسرائيليين، وهو المصطلح الذي يستخدمه الأمريكيون والإسرائيليون في وصفهم لما حدث في 7 أكتوبر الماضي، دون أن يدركوا أنهم بذلك يروجون للرواية الإسرائيلية ويتخذون
جانب إسرائيل (علما بأنه لا يوجد أي إثبات أن الفدائيين الفلسطينيين قاموا عمدا بإطلاق النار على مدنيين عزل بدون سلاح، مع وجود روايات شهود عيان أن المدنيين الإسرائيليين قتلوا بنيران صديقة من القوات الإسرائيلية أثناء المواجهات)، فيما تبذل إسرائيل قصارى جهدها للإبقاء
على النظام العالمي الراهن أحادي القطبية الذي نشهد اليوم انتهاءه، مقابل ما تسعى إليه سياسة الدولة الروسية من التحول إلى العالم متعدد الأقطاب. ترى هل يدرك هؤلاء أنهم يسيرون عكس التيار؟
إلا أن الأهم، من وجهة نظري، هو أن تستوعب واشنطن، قبل فوات
الأوان، أن روسيا ستنتصر على “الناتو” في أوكرانيا، وأن الشعب الفلسطيني سوف ينتصر في قضيته العادلة، وأن العالم متعدد الأقطاب سوف ينتصر، ولا يمكن أن يوجد ما يحول دون ذلك.
ختاماً، أكرر أن روسيا رسمياً لا تصنف حركة حماس كتنظيم إرهابي،
واليوم تقف روسيا وفلسطين وجميع أحرار العالم في خندق واحد يخوضون معركة واحدة ضد الفاشية الصهيونية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر