يكبر قبل أوانه.. عن الطفل الفلسطيني ومعجمه
يعرض محرّك البحث “غوغل” عند إدخال جملة “الطفل الفلسطيني” أو “يوم الطفل الفلسطيني” أو كلّ ما يتعلّق به، مجموعة من التقارير أو الإحصائيات والعناوين، منها:
- تحوّل لـ “هيكل عظمي”.. طفل فلسطيني يصبح “وجهاً للمجاعة في غزة”. (اسم هذا الطفل يزن كفارنة، وعمره 10 سنوات، واسمه فادي الزنط، وعشرات الآلاف من أطفال غزة).
- طفل من غزة يعرض ألعابه للبيع: “لم أعد أجد مكاناً للعب”، (واسم هذا الطفل نور الدين).
- طفلة تبيع الكركديه لمساعدة عائلتها، (واسم هذه الطفلة صفاء).
- طفل يبيع الشاي والقهوة بين خيم النازحين، (واسمه فراس).
استشهد، منذ بداية المجازر الإسرائيلية على قطاع غزة، حتى اليوم، أي “يوم الطفل الفلسطيني” أكثر من 20 ألف طفل فلسطيني في القطاع، والأطفال في القطاع يشكّلون نسبة 47% من السكان البالغ عددهم أكثر من 2 مليون نسمة، أي أنّ نصف سكان القطاع من الأطفال، ويشكّلون في فلسطين كلها نسبة 43.9% بحسب تقرير نشر أواخر سنة 2022.
ثمة نتائج أخرى يعرضها “غوغل” تحمل عناوين مثل:
- عام 2023 الأكثر دموية على الأطفال الفلسطينيين.
- يوم الطفل الفلسطيني: موت معلن بيد “إسرائيل”.
- الحركة العالمية: 2023 عام الإبادة الجماعية بحق الأطفال الفلسطينيين.
قال المتحدث الإقليمي باسم “اليونيسيف” منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2023، إنّ 50% من أطفال غزة بحاجة للرعاية النفسية. وكان في وقتها، أي نوفمبر، وفقاً لمنظمة “أنقذوا الأطفال” ثمة 10 أطفال في المتوسط يفقدون إحدى ساقيهم أو كلتيهما منذ 7 أكتوبر، وأجريت مئات عمليات البتر للأطفال من دون تخدير.
وتقول الأمم المتحدة أيضاً إنّ غزة هي أخطر مكان في العالم لعيش الأطفال، حيث هُجِّر نحو مليون طفل من منازلهم قسراً وتشتت عائلاتهم. وهناك إحصاءات أخرى وضعها “جهاز الإحصاء الفلسطيني” تشير إلى هول ما يعانيه الأطفال الفلسطينيون في مختلف البقاع الفلسطينية.
سنة الاعتقال والإبادة
أكدت “الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال” أنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل اعتقال وتعذيب ومحاكمة الأطفال في المعتقلات العسكرية بشكل تعسفي، وتعتقل ما معدله 165 طفلاً كل شهر خلال سنة 2023. وكلّ عام يتمّ اعتقال ما بين 500 إلى 700 طفل فلسطيني، تتمّ محاكمتهم في محاكم عسكرية.
وأشارت بيانات “نادي الأسير” الفلسطيني حتى نهاية شهر شباط/فبراير عام 2022، إلى أن هناك 4400 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، منهم 160 طفلاً يعيشون ظروفاً تخالف قواعد القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل وفي حالة حرمان من طفولتهم بما فيها مواصلة دراستهم.
وقال إنّ 75 طفلاً فلسطينياً اعتقلتهم قوات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، لم يتم إخبارهم كلهم تقريباً بسبب اعتقالهم، وتعرّض معظمهم للعنف الجسدي وحرموا من الماء والغذاء الكافيين. ثم بعد 7 أكتوبر اعتقل الاحتلال أكثر من 200 طفل فلسطيني في الضفة وحدها، وقتل خلال سنة 2023 ما لا يقل عن 8000 طفل في غزة (ازداد العدد إلى أكثر من الضعف اليوم).
ووفق “الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال”، فإنّ معدل قتل الأطفال الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال غير مسبوق، والأطفال هم أهداف رئيسية، ولا يزال الآلاف منهم في عداد المفقودين في غزة، هذا إذا استثنينا الموت جوعاً بعد نزوح أكثر من نصف سكان القطاع من منازلهم.
إنّ نظرة على الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948، وحملات التطهير العرقي، تؤكد أنّ الأطفال كانوا منذ بداية المشروع الصهيوني هدفاً رئيسياً، ولا سيما خلال الانتفاضة.
معجم الطفل الفلسطيني
يولد الطفل الفلسطيني كبيراً، يولد وهو فاقدٌ طفولته. يلخّص داوود كتّاب جزءاً من ذلك عن أطفال المخيمات بالقول:
“يشرب الأطفال المولودون في مخيمات اللجوء الفلسطينية التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي حليب أمهاتهم أثناء فرض حظر التجوال على المخيم؛ يستيقظون في منتصف الليل على صوت الرصاص المطاطي وشائعات عن هجوم محتمل للمستوطنين. عندما يكبرون، يتعلّمون بسرعة الدرس السياسي للاحتلال. الجنود، والهراوات، والغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، والاعتقالات، والتعذيب، وحظر التجوال، وإغلاق مداخل المخيمات، والاعتقال الإداري، واعتقالات البلدة، كلها مداخل بارزة في القاموس اليومي لمخيمات اللاجئين”.
لا تسير دورة الحياة الفلسطينية كما يجب أن تكون عند بقية البشر. ثمة قفزة افتراضية تحدث في حياة الطفل. بسبب المجازر التي ارتكبها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، فقد أطفالٌ كثيرون أسرهم، وبقي لهم أخٌ أو أختٌ صغيرة. يصبح الطفل وهو في العاشرة، مثلاً، أباً وأماً لأخيه أو أخته. يصبح مسؤولاً عن أسرة، وتصبح مفردات الطفولة بعيدة عنه، إذ لم تكن حاضرة في معجم الطفل في الأصل.
إنّ مفردات الطفولة غائبة، وانعكاساتها على السلوك غائبة. عوضاً عنها ثمة معجم ومفردات أخرى: النكبة، التطهير العرقي، النكسة، الاحتلال، الاعتقال، المستوطنون، الخيمة، لاجئون، نازحون، هيئة الأمم المتحدة، كارت إعاشة، أرض، قصف، نزوح، تهجير، معبر، حاجز، جدار فصل، حظر تجوّل، غاز، ضرب، هدم، إبعاد، حرمان من التعليم، جوع، موت، استشهاد، اقتحام، مجزرة. وقد قتلت المجزرة الطفولة، مثلما قتلت محمد الدرة المحتمي بحضن أبيه وهدى غالية وإيمان حجو، وآلافاً غيرهم.
ذلك ينطبق على نصف المجتمع الفلسطيني تماماً، فنصفه من الأطفال. ومن الواضح أنّ مفردة “حقوق” غير واردة في المعجم، ولا ما شابهها.
الحقّ في الحياة والأمان
في العام 2004، أعلن ضابط إسرائيلي أنه غير نادم على قتل الطفلة إيمان الهمص (13 عاماً)، بإطلاق 20 رصاصة على جسدها. وقال في مقابلة مع صحيفة “معاريف” إنّ الزمن لو عاد به إلى الوراء، لما تردّد في قتلها مرة أخرى ولو كان عمرها 3 سنوات فحسب. خلصت المحكمة إلى توقيف الضابط شهرين عن العمل، لكن الاستئناف برّأه ومنحه تعويضاً بقيمة 80 ألف شيكل.
الحقّ في التعليم، يحظر تشغيل الأطفال
كتب غسان كنفاني في قصته “كعك على الرصيف” من مجموعته “موت سرير رقم 12” عن الطفل حميد (11 سنة)، والذي ربّما درّسه فعلاً في إحدى مدارس اللاجئين الفلسطينيين في دمشق. وحميد يسكن في المخيم مع أمه، اشتغل ماسح أحذية ثم صار يبيع الكعك أمام دور السينما في الليل، ودار بينه وبين كنفاني حوار:
- أنت الذي تصرف على عائلتك إذاً؟
- نعم، لأن أمي تكسب قليلاً من تنظيف مخازن وكالة الغوث. إنني أشتري كل 3 كعكات بــ 10 قروش وأبيع الكعكة الواحدة بـ 5 .
ويتضح بعد ذلك أنه يعيش مع أبيه، ويكذب إذ يقول إنه يعيش مع أمه بناءً على أوامر أبيه (وقد جن) الذي لم يكن يملك أجرة دفنها.
الحق في اللعب
في المدخل الذي وضعه كنفاني لكتابه “عن الرجال والبنادق”، كتب: “عام 1949 قالوا لنا يومئذ: الصليب الأحمر سيوزّع عليكم هدايا العيد. كنت طفلاً. كان أقسى شتاء شهدته المنطقة في عمرها. جلست على الرصيف وأخذت أبكي. ثم أكملت مشواري إلى مركز الصليب الأحمر راكضاً، ووقفت مع مئات الأطفال ننتظر دورنا، وبعد مليون سنة جاء دوري. الآن، بعد 19 سنة، لست أذكر على الإطلاق ما كان يوجد في تلك العلبة الحلم، إلا شيئاً واحداً، شيئاً واحداً فقط: علبة حساء من مسحوق العدس. تمسّكت بعلبة الحساء بكلتا يدي المحمرتين من البرد، وضممتها إلى صدري أمام 10 أطفال، أخذوا ينظرون إليها بعشرين عين مفتوحة على سعتها”.
وقد لخّص كنفاني المسألة كلها في كتابه الذي أهداه إلى “فايز، لميس، إلى كل الصغار الذين نطمح بعالم لهم”، وذلك في كتابه “عالم ليس لنا”، وقد استشهدت لميس معه في انفجار سيارته التي فخختها “إسرائيل”.
الحقّ في الصحة والغذاء
تقول التقارير: تحوّل يزن كفارنة إلى هيكل عظمي بسبب الجوع ومات. الموت يخطف أطفالاً من شمال غزة بعد تضورهم جوعاً. حتى 6 آذار/مارس مات ما لا يقل عن 20 طفلاً فلسطينياً بسبب الجوع والهزال في غزة.
يواجه 90% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 23 شهراً فقراً غذائياً حاداً، ونحو 90% من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية.