رثاء الشهيدين (قراءة أدبية)/ ممو الخراش
انتشر مقطع مصور للفنان العبقري ولد شغالي يغني “كافا” هذا نصه: الدنيه ماهي مبنيه == للقرار ولاهي لو دار غير اتاليبت هنيه == والسنو.ار اتبكي لحجار
يسلم صاحب النص بأن الدنيا ليست دار قرار، وأنها لا تستحق أن نبكي فيها على ذاهب، لكن ما حدث فوق التحمل والمستطاع.. لغة النص فخمة، خالية من الغريب البعيد، ومن القريب المبتذل. جمله اسمية دالة على الثبات، ثبات الحزن، ثبات حقيقة الرحيل.. مع جملة فعلية واحدة جاءت خبرا للمبتدأ “اتاليبت”، أفادت التجدد، تجدد المصاب، تحدد الفجيعة.. والأسلوب خبري طلبي تراوح بين النفي، والاستثناء، والإثبات، فكان النظم محكما. أما البنية التصويرية فتخيلْها كما يلي: شاعر بكى، فلِيمَ في البكاء، فصدَّق العاذل، واعتذر بأن ما حدث لا يمكن تحمله.. جسد الدنيا على سبيل الاستعارة المكنية، واستحضر بكاء أبي الحسن التهامي لابنه في “للقرار ولاهي لو دار”: حكم المنية في البرية جارِ == ما هذه الدنيا بدار قرار ثم تخيل الشهيدين يسيران على لاحب واحد مفضٍ إلى العلياء، لكنه بالنسبة لنا فجيعة وأي فجيعة.. إنه يحمل الحجارة على البكاء، وفي ذلك استحضار للآية الكريمة، فقد شبه القرآن قسوة قلوب الكافرين بقسوة الحجارة “ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة”. ومن الأساليب الحسانية استعمال هذا النوع من الاستعارات للتعبير، كقولهم في خلاف هذا المعنى: “ايظحك لعجول – أو لغجول” وفي الإيقاع الخارجي للنص كان لبتيت التام زعيما – كعادته – ببث هذا البث، زيَّنه الشاعر بتكرار حروف الياء والتاء والراء، وبتقفية داخلية في التافلويتين الثانية والرابعة، “للقرار.. ولاهي لو دار – والسنوار.. اتبكي لحجار” تقفية بعد ثلاث حركات، وقبل التقفية الأخيرة، ويمكن وصفها بالميتة، لأن الإيقاع لا يتحمل غير ذلك.. وحصل التوازي بين أسلوبي النفي في التافلويتين الأولى والثانيه، والتناسب والتجنيس بين “الدنيه، مبنيه، هنيه”. كاف واحد من أربع تيفلواتن، حمل معاني كثيرة، وعبر عن لحظة فارقة، وحمل إلينا عاطفة حارة، وقدرة فائقة على النظم، لكننا – من وجهة نظر ثقافية – نقرأ فيه امتدادا للرثاء الحساني القديم، وربما نستخدمه في قراءات قادمة لنسف تصورات بعض دارسي الأدب الحساني حول وهم الحداثة فيه.