ولد هيداله يقود حملته الانتخابية بين إبله في البادية الموريتانية
نواكشوط- من الشيخ بكاي -(أرشيف)–يهدر الجمل على الكثيب الاملد الذي يتخذ منه “الرئيس” مقرا له .. يستقبل فيه الأنصار، يلوذ به من حر المدينة ليلاً، ويبيع منه الحليب.
يضيع صوت الجمل وسط “هدير” السيارات العابرة للصحراء، يهرب بعض أصحابها من مساءات نواكشوط الرطبة الحارة ليفترشوا الرمل الأبيض الصقيل، وينشد البعض لقاءات مع المرشح محمد خونه ولد هيدالة في مقره الواقع في الأطراف على نحو عشرين كيلومتراً إلى الشرق من مركز المدينة.
حكم المقدم ولد هيدالة موريتانيا خمس سنوات تحولت فيها سجناً كبيراً. ولم يكن الجلاد أكثر حظاً من ضحاياه خلال سنوات حكمه. إذ تحول هو الآخر سجين “القصر”، كما قال ذات مرة.
كان وصوله إلى الحكم العام 1981 رغماً عنه، كما قال. إذ أتى به صغار الضباط في إطار صراعات اللجنة العسكرية التي كانت تحكم آنذاك وسط المؤامرات والمؤامرات المضادة، وانقلابات جلسات الشاي التي لا يراق فيها دم، لكن يسجن الرؤساء ومساعدوهم لبعض الوقت ثم يفرج عنهم. ونقل الرئيس الحالي معاوية ولد الطايع سلفه ولد هيدالة من “سجن القصر” العام 1984 إلى سجن “الجريدة” العسكري، حيث قضى أعواماً، قبل أن يفرج عنه. وعاد الرئيس السابق في هدوء إلى مناجاة الصحراع وانتجاع المرعى مع رعاة إبله لاعناً الحكم وقصور الحكم ونفاق المتزلفين.
ولكن لماذا يحمل هيدالة الآن على الرجوع إلى “سجن الحكم” بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسة المقررة في السابع من الشهر المقبل؟ .. “هو الخوف على البلاد بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة في 8 حزيران/ يونيو الماضي… وأخشى من تأنيب الضمير، أو أن يقول لي أحدهم كان يمكن أن تتدخل ولم تفعل”.
ويعترف هيدالة بأنه ارتكب أخطاء خلال فترة حكمه:
“لو عاد التاريخ إلى الوراء وعدت إلى الحكم، لما ارتكبت أخطاء وقعت فيها حينما كنت رئيساً”. يقول هيدالة لـ”الحياة” في حديث أمام بيته البسيط الواقع بين الأحياء الشعبية على ظهر كثيب، موضحاً أن “البطانة إذا صلحت صلح الحاكم، وإذا هي فسدت فسد”.
وأقض هيدالة مضاجع كثيرين. ونُتِف في عهده ريش السياسيين، وحينما رحل بعد جلسة شاي عقدها ولد الطايع مع زملائه في “لجنة الخلاص” العسكرية، لم يأسف عليه معظم الموريتانيين.
وتفاجأ مراقبون موريتانيون بعودة الرئيس السابق الآن إلى الواجهة في شكل قوي، خصوصاً استقطابه أعداداً كبيرة من الشبان.
ولعل أبرز نقاط القوة لدى الديكتاتور السابق صرامته في محاسبة المسؤولين، وكونه خرج من الحكم فقيراً لا يملك إلا بيتاً متواضعاً. ويعتمد – في ما يبدو- على دخل من بيع حليب نوقه مثل أي بدوي يملك قطيعاً من الإبل. كما يبدو معظم القريبين إليه من العسكريين في تلك الفترة أقل جمعاً للمال من غيرهم. هذا في حين يلاحظ الموريتانيون انتشار الثراء الفاحش والسريع لدى بعض كبار موظفي الدولة الآن.
ويرفض بعضهم تبرئة القريبين إلى ولد هيدالة من الفساد ويشيرون إلى أن رجال أعمال نهبوا الثروة السمكية للبلاد وفتحوها أمام النهب الأوروبي والدولي الذي لا يزال قائماً. ويشيرون الى ان انتشار الثراء الآن يعود الى نجاح ولد الطايع في اجتذاب الاستثمارات والمساعدات والقروض الدولية، بفضل الاستقرار، والديبلوماسية الهادئة. وقد وعد ولد الطايع في خطاب له، لمناسبة الحملة الانتخابية، بمحاربة الفساد الإداري والرشوة، وبمراجعة قانون الوظيفة العمومية في شكل يسمح بتحسين أجور الموظفين.
ويركز المرشحون الذين ينافسون ولد الطايع في الانتخابات الحالية على فساد الادارة وسرقة المال العام، في حين يركز الرئيس المرشح على ما تحقق في عهده من “انجازات اقتصادية وتطور ملحوظ في البنى التحتية”.
وينال ولد هيدالة دعماً قوياً في بعض أوساط الفقراء، وفي بعض الأحياء البدوية التي لم ينسها خلال قحط سنوات القحط في عهده.. وهو في الواقع رجل بدوي، يلاحظ الزائر لبيته في “تنويش” شرقي العاصمة ذلك. ويقول القريبون اليه انه خلال فترة حكمه لم يكن يرتاح إلا تحت خيمة، غير بعيد من قطعان الابل. ولا تخص هذه الظاهرة ولد هيدالة وحده، فالموريتاني عموماً يحب البادية التي ليست في الواقع “هنا” مرادفاً للتخلف، لكنها نمط حياة يتفنن الموريتانيون الآن في اخضاع حياة المدينة له، أو على الأصح تهذيبه بحيث يجمع بين ليونة العيش في الحضر، وحرية الصحراء.
ويبدو أن ولد الطايع لا يشترك مع ولد هيدالة، وغيره من كبار القوم، في هذا الوله بالبادية. فلم يشتهر معاوية بامتلاك قطعان من الابل، ولا باستعذاب الخيم. فاهتماماته، كما يبدو هي “الانترنت”، والعصرنة، واعطاء المدن وجهاً جميلاً.
ولعل اقتراحاً وضعه أحدهم لحل مشكل التنافس بين الرجلين الآن علي كرسي الحكم أفضل تعبير عن هذا الواقع. ويتمثل الاقتراح في انتخاب رئيسين، احدهما معاوية للمدينة، والثاني هيدالة للبادية.
تفاصيل النشر:
المصدر: الحياة
الكاتب: الشيخ بكاي
تاريخ النشر(م): 26/10/2003
تاريخ النشر (هـ): 30/8/1424
منشأ: نواكشوط
رقم العدد: 14825
الباب/ الصفحة: 7 – السياسي
تعليق واحد