آراءموضوعات رئيسية
الجهل المقدس في موريتانيا .. / قاسم صالح

لجهل المقدس في موريتانيا: قراءة في أطروحة أوليفييه روا وربطها بالتحولات الدينية والاجتماعية
نهدف بهذا إلى مقاربة أطروحة الفيلسوف والمفكر الفرنسي أوليفييه روا في كتابه الجهل المقدس زمن الدين بلا ثقافة، من خلال إسقاطها على الواقع الموريتاني المعاصر.حيث ننطلق من فرضية أن ظاهرة (الدين بلا ثقافة) التي وصفها روا تنطبق بجلاء على التحولات الدينية في موريتانيا، حيث أدى صعود الإسلام السياسي والتيارات السلفية الوافدة إلى قطيعة بين الدين وثقافته المحلية التاريخية المتمثلة في المحظرة، الفقه المالكي، والتصوف الشنقيطي.
نحلل أبعاد هذه القطيعة، ونقترح سبلا لتجاوزها عبر إعادة وصل الدين بالثقافة الوطنية وتوظيفها في مشروع تحرري ونهضوي.
1. يشكل الدين في موريتانيا أحد أعمدة الهوية الوطنية، حيث ارتبط تاريخيا بالمحظرة الشنقيطية التي مثلت منارة لنشر الفقه المالكي والتصوف في إفريقيا والمشرق. غير أن تحولات العقود الأخيرة أبرزت أنماطا جديدة من التدين تتسم بالسطحية والانفصال عن الحاضنة الثقافية التقليدية، وهو ما يقترب كثيرا مما يسميه أوليفييه روا بـ(الجهل المقدس). فهل يمكن قراءة الواقع الديني الموريتاني اليوم من منظور هذه الأطروحة؟ وما حدود صلاحيتها لفهم التحولات في مجتمع يعيش بين التراث والعولمة؟
2. أطروحة أوليفييه روا (الدين بلا ثقافة)
في كتابه La Sainte Ignorance (2008)، يذهب روا إلى أن العولمة أنتجت تدينا جديدا مفصولا عن الثقافة.
هذا التدين يتسم بالانتشار السريع والبساطة، لكنه يفتقر إلى العمق التاريخي والمعرفي.
النتيجة مؤمنون بلا ثقافة، أي تدين عاطفي أو سياسي، منفصل عن السياقات الاجتماعية التي صاغت الأديان تاريخيا.
يسري ذلك على البروتستانتية الإنجيلية في الغرب، كما يسري على الإسلام الحركي أو السلفي في العالم الإسلامي.
3. موريتانيا التدين التقليدي والحاضنة الثقافية
المحظرة الشنقيطية: مؤسسة تعليمية شكلت عبر قرون أداة لإنتاج علماء وفقهاء أثروا في العالم الإسلامي.
الفقه المالكي وفر إطارا فقهيا متماسكا للتدين المحلي، يربط بين النص والواقع الاجتماعي.
التصوف جسد البعد الروحي والثقافي للدين، وارتبط بالشعر والأدب والكرم الاجتماعي.
هذه العناصر كونت ثقافة دينية موريتانية متجذرة، يصعب اختزالها في شعارات أو نصوص سطحية.
4. التحولات الحديثة مظاهر الجهل المقدس في موريتانيا
1. تراجع المحظرة لم تعد المحظرة قادرة على احتضان كل الأجيال، فحلت محلها وسائط رقمية سطحية تنقل الدين بقطع عن عمقه.
2. صعود الإسلام السياسي الحركات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، استوردت خطابا معولبا لا ينسجم مع الخصوصية الموريتانية، فاختزلت الدين في شعار سياسي.
3. السلفية الوافدة حملت معها تصورا عدائيا للتصوف والفقه المالكي، مما أدى إلى إضعاف الرابط بين الدين والثقافة المحلية.
4. التدين الافتراضي شباب موريتانيون يتلقون الدين عبر الإنترنت، متأثرين بخطابات مشرقية أو خليجية، ما يكرس دينا بلا جذور.
5. بين الدين والسياسة إشكالية القطيعة
التحالف بين الإسلام السياسي والسلطة أنتج تدينا وظيفيا يخدم المصالح، لا الثقافة.
الخطاب الحقوقي والديني في قضايا مثل لحراطين والاسترقاق كثيرا ما يستعمل الدين كأداة سياسية منفصلة عن جذورها الفقهية والتاريخية.
هذا يشبه ما وصفه روا انفصال الدين عن الثقافة يحوله إلى سلعة أيديولوجية قابلة للتوظيف.
6. قراءة نقدية حدود أطروحة روا في السياق الموريتاني
نقاط القوة أطروحة روا تساعدنا على تفسير السطحية والقطيعة بين الدين والثقافة في التدين الجديد بموريتانيا.
القصور روا ينطلق من سياق غربي ويعمم على الإسلام، بينما في موريتانيا ما زالت الثقافة الدينية التقليدية حية (المحظرة، الشعر، التصوف). أي أن (الجهل المقدس) ليس شاملا، بل ظاهرة متنامية.
الإضافة الممكنة يمكن تطوير نظرية روا لتشمل البعد الاستعماري/ما بعد الاستعماري، حيث لعبت القوى الاستعمارية ثم العولمة الاقتصادية دورا في تفكيك الثقافة الدينية الموريتانية.
7. نحو بديل حضاري
لتجاوز الجهل المقدس نقترح
1. إحياء المحظرة كفضاء لإنتاج معرفة دينية وثقافية متجذرة.
2. دمج التراث المالكي والصوفي في مشروع وطني يربط الدين بالثقافة.
3. مواجهة الإسلام المستورد بخطاب قومي نقدي، يستعيد الأصالة دون انغلاق.
4. تجديد الفكر الديني ليتحول إلى أداة للتحرر الوطني والاجتماعي، لا مجرد شعارات سياسية
وهنا يكشف الواقع الموريتاني أن أطروحة أوليفييه روا حول (الجهل المقدس)قابلة للتطبيق، وإن بخصوصيات محلية. فالدين في موريتانيا يعيش اليوم مفترق طرق إما أن يتحول إلى -دين بلا ثقافة- كما وصف روا، أو أن يستعيد عمقه الحضاري عبر وصل التدين بالثقافة الوطنية. التحدي الأكبر هو أن يظل الدين عنصرا نهضويا يعزز العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، لا أداة للتفرقة أو التبعية.
قاسم صالح.
نهدف بهذا إلى مقاربة أطروحة الفيلسوف والمفكر الفرنسي أوليفييه روا في كتابه الجهل المقدس زمن الدين بلا ثقافة، من خلال إسقاطها على الواقع الموريتاني المعاصر.حيث ننطلق من فرضية أن ظاهرة (الدين بلا ثقافة) التي وصفها روا تنطبق بجلاء على التحولات الدينية في موريتانيا، حيث أدى صعود الإسلام السياسي والتيارات السلفية الوافدة إلى قطيعة بين الدين وثقافته المحلية التاريخية المتمثلة في المحظرة، الفقه المالكي، والتصوف الشنقيطي.
نحلل أبعاد هذه القطيعة، ونقترح سبلا لتجاوزها عبر إعادة وصل الدين بالثقافة الوطنية وتوظيفها في مشروع تحرري ونهضوي.
1. يشكل الدين في موريتانيا أحد أعمدة الهوية الوطنية، حيث ارتبط تاريخيا بالمحظرة الشنقيطية التي مثلت منارة لنشر الفقه المالكي والتصوف في إفريقيا والمشرق. غير أن تحولات العقود الأخيرة أبرزت أنماطا جديدة من التدين تتسم بالسطحية والانفصال عن الحاضنة الثقافية التقليدية، وهو ما يقترب كثيرا مما يسميه أوليفييه روا بـ(الجهل المقدس). فهل يمكن قراءة الواقع الديني الموريتاني اليوم من منظور هذه الأطروحة؟ وما حدود صلاحيتها لفهم التحولات في مجتمع يعيش بين التراث والعولمة؟
2. أطروحة أوليفييه روا (الدين بلا ثقافة)
في كتابه La Sainte Ignorance (2008)، يذهب روا إلى أن العولمة أنتجت تدينا جديدا مفصولا عن الثقافة.
هذا التدين يتسم بالانتشار السريع والبساطة، لكنه يفتقر إلى العمق التاريخي والمعرفي.
النتيجة مؤمنون بلا ثقافة، أي تدين عاطفي أو سياسي، منفصل عن السياقات الاجتماعية التي صاغت الأديان تاريخيا.
يسري ذلك على البروتستانتية الإنجيلية في الغرب، كما يسري على الإسلام الحركي أو السلفي في العالم الإسلامي.
3. موريتانيا التدين التقليدي والحاضنة الثقافية
المحظرة الشنقيطية: مؤسسة تعليمية شكلت عبر قرون أداة لإنتاج علماء وفقهاء أثروا في العالم الإسلامي.
الفقه المالكي وفر إطارا فقهيا متماسكا للتدين المحلي، يربط بين النص والواقع الاجتماعي.
التصوف جسد البعد الروحي والثقافي للدين، وارتبط بالشعر والأدب والكرم الاجتماعي.
هذه العناصر كونت ثقافة دينية موريتانية متجذرة، يصعب اختزالها في شعارات أو نصوص سطحية.
4. التحولات الحديثة مظاهر الجهل المقدس في موريتانيا
1. تراجع المحظرة لم تعد المحظرة قادرة على احتضان كل الأجيال، فحلت محلها وسائط رقمية سطحية تنقل الدين بقطع عن عمقه.
2. صعود الإسلام السياسي الحركات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، استوردت خطابا معولبا لا ينسجم مع الخصوصية الموريتانية، فاختزلت الدين في شعار سياسي.
3. السلفية الوافدة حملت معها تصورا عدائيا للتصوف والفقه المالكي، مما أدى إلى إضعاف الرابط بين الدين والثقافة المحلية.
4. التدين الافتراضي شباب موريتانيون يتلقون الدين عبر الإنترنت، متأثرين بخطابات مشرقية أو خليجية، ما يكرس دينا بلا جذور.
5. بين الدين والسياسة إشكالية القطيعة
التحالف بين الإسلام السياسي والسلطة أنتج تدينا وظيفيا يخدم المصالح، لا الثقافة.
الخطاب الحقوقي والديني في قضايا مثل لحراطين والاسترقاق كثيرا ما يستعمل الدين كأداة سياسية منفصلة عن جذورها الفقهية والتاريخية.
هذا يشبه ما وصفه روا انفصال الدين عن الثقافة يحوله إلى سلعة أيديولوجية قابلة للتوظيف.
6. قراءة نقدية حدود أطروحة روا في السياق الموريتاني
نقاط القوة أطروحة روا تساعدنا على تفسير السطحية والقطيعة بين الدين والثقافة في التدين الجديد بموريتانيا.
القصور روا ينطلق من سياق غربي ويعمم على الإسلام، بينما في موريتانيا ما زالت الثقافة الدينية التقليدية حية (المحظرة، الشعر، التصوف). أي أن (الجهل المقدس) ليس شاملا، بل ظاهرة متنامية.
الإضافة الممكنة يمكن تطوير نظرية روا لتشمل البعد الاستعماري/ما بعد الاستعماري، حيث لعبت القوى الاستعمارية ثم العولمة الاقتصادية دورا في تفكيك الثقافة الدينية الموريتانية.
7. نحو بديل حضاري
لتجاوز الجهل المقدس نقترح
1. إحياء المحظرة كفضاء لإنتاج معرفة دينية وثقافية متجذرة.
2. دمج التراث المالكي والصوفي في مشروع وطني يربط الدين بالثقافة.
3. مواجهة الإسلام المستورد بخطاب قومي نقدي، يستعيد الأصالة دون انغلاق.
4. تجديد الفكر الديني ليتحول إلى أداة للتحرر الوطني والاجتماعي، لا مجرد شعارات سياسية
وهنا يكشف الواقع الموريتاني أن أطروحة أوليفييه روا حول (الجهل المقدس)قابلة للتطبيق، وإن بخصوصيات محلية. فالدين في موريتانيا يعيش اليوم مفترق طرق إما أن يتحول إلى -دين بلا ثقافة- كما وصف روا، أو أن يستعيد عمقه الحضاري عبر وصل التدين بالثقافة الوطنية. التحدي الأكبر هو أن يظل الدين عنصرا نهضويا يعزز العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، لا أداة للتفرقة أو التبعية.
قاسم صالح.



