عن موريتانيا والسنغال و “الأسد الأحمر”/ يوحنا أنور داود- كاتب مصري
يقول الشاعر الهندي العظيم طاغور: “أحب الهند وأحب الحقيقة ولكني أحب الحقيقة أكثر مما أحب الهند”. أنا مصري أحب دولة موريتانيا، هذه الجمهورية الإسلامية. وأعتبرها وطني الثاني لاعتبارات كثيرة ليس آخرها عامل اللغة والثقافة والجغرافيا المشتركة. لكني بالطبع لا أكره دولة السنغال الواقعة جنوبها والتي لا تخلو علاقتهما من التوتر في كثير من الأحيان، كما أني معجب جداً بها. في رأيي الشخصي تعتبر دولة السنغال من أعرق ديمقراطيات أفريقيا، إن لم تكن أعرقها علي الإطلاق. وهذا منذ البدء، منذ استقلال السنغال من قبضة الاستعمار الفرنسي عام 1960 نفس العام الذي استقلت فيه موريتانيا من الاحتلال نفسه وتولى الشاعر والأديب والمثقف المسيحي سيدار سينجور رئاسة الجمهورية السنغالية، في بلد لا تتجاوز نسبة المسيحيين فيه 5%. وهو أيضاً مؤلف النشيد الوطني السنغالي “الأسد الأحمر”. ظل في الحكم عشرين عاماً على التّوالي. ربما لم تكن هذه الأعوام شديدة المثالية وشابها الكثير من التجاوزات. ولكن في النهاية ترك الحكم طواعية عام 1980 ليتفرغ للأدب ويخلفه عبدو ضيوف كأول مسلم يرأس الجمهورية السنغالية في بلد أكثر من 95% من سكانه من المسلمين. وذلك لثلاث دورات متتالية إلى أن أخفق في الإنتخابات عام 2000 أمام منافسه عبدالله واد، ليترك له الحكم طواعية. مما حدا بعبدالله واد أن يقول “إن عبدو ضيوف يستحق جائزة نوبل للسلام”. وظل واد في الحكم إلى أن أطاح به منافسه ورئيس وزرائه السابق ماكي سال عام 2012. وهكذا يستمر التداول السلمي والديمقراطي في السنغال لتثبت الديمقراطية أركانها في هذه الدولة الأفريقية. مشكلتنا الأبدية نحن الدول غير الديمقراطية أننا نظن أن الأمر يسير هناك مثلما يسير في دولنا. فعندنا الرئيس يتحكم تقريباً في كل شئ من الحكومة والقطاعات الإعلاميّة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية. وفي كثير من الأحيان يتحكم حتى في السلطة القضائية! وأجهزة الدولة تخدم وتحمي الرئيس وليس الوطن والمواطن. وهذا بالطبع عكس ما يسير عليه الحال في الدول الديمقراطية. فالرئيس هناك ليس له سلطان على الكثير من أجهزة الدولة . وهذا ما وضح جلياً في الأزمة الأخيرة التي نشبت بين البلدين الشهر الماضي. فنشرت وكالة صحافة سنغالية تقريراً لمنظمات غير حكومية حول وضع حقوق الإنسان والديمقراطية في موريتانيا، مؤكدة «أن موريتانيا التي تجتاز منذ سنوات عدة، أزمة سياسية واجتماعية خطيرة، توجد اليوم ضحية لعدة أوجاع بينها الرق والعنصرية والفقر والأمية كما تعاني من الرشوة المنظمة التي تعرقل أية تنمية اجتماعية داخلها». ليتحول الأمر إلى حرب إعلامية وملاسنة وتهديد ووعيد بين البلدين ومحاولات لتهييج الشعبين . لا أريد بالطبع أن أناقش هذا التقرير ومدى حياديته فهو كأي أمر إنساني، فيه بعض الصواب خاصة فيما يتعلق بالرشوة والفساد، وهو أمر يعرفه الموريتاني قبل السنغالي. وبعض الخطأ خاصة في تجاهله للوضع المتميز التي تتمتع به موريتانيا في حرية الصحافة حيث تتصدر موريتانيا الوطن العربي من حيث حرية الصحافة. لكني أريد أن أشير أن هذا التقرير صادر عن منظمة غير رسمية لا سلطة للحكومة السنغالية عليها وهو ما يجب أن نفهمه نحن الدول غير الديمقراطية. فالتوتر التاريخي بين البلدين الذي وصل في بعض الأحيان إلى حروب لا يحتمل كل هذه الهراءات!