بين التحديات والفرص
على مدى عقود عدة، ظلت الكتابات السياسية عن العالم العربي أسيرة خطابات الأزمة والتعثر والفشل، وسادت حال من الاكتئاب عند تناول الوضع العربي العام سواء من ناحية الوزن السياسي للعالم العربي في إطار الكتل الدولية أو من ناحية تماسك المجتمعات العربية ذاتها وما يرتبط بذلك من توقع احتمالات مستقبل المنطقة العربية. من الناحية المعرفية ظلت الأطر النظرية في عالمنا العربي محكومة بالأطر العالمية التي تحدد مسار الفكر وآليات التحديث وتوجهها، غير أن عملية التحديث ذاتها صادفتها عقبات كثيرة بسبب التراوح ما بين الاقتناع بصلاحية الأفكار التحديثية وما بين الاحتجاج بالقدرة الذاتية على وضع نموذج تحديثي مستقل يتلاءم مع ظروف العالم العربي حتى لو كان الثمن هو إتمام عملية التحديث والإصلاح بخطى بطيئة.
واستغرقت النقاشات النظرية حول أفضل الوسائل لتحقيق منظومة التحديث والإصلاح والتنمية عقوداً عدة انقسمت فيها التجارب العربية بين تجارب ذات صبغة اشتراكية وأخرى رأسمالية، وهو ما أدى إلى تحقيق بعض النتائج الإيجابية ونتائج سلبية كثيرة، ارتبطت بعدم تبلور إطار فكري تحديثي شامل ذي جدول زمني يتضمن معياراً واضحاً لتحقيق أهداف محددة.
لا شك في أن الظروف الـــسياسية التي أحاطت بالعالم العربي على مدار تاريخه الحديث قد أثّرت لحد كبير على قدرته على اعتماد خــطط التــحديث والتنمية، لكنه من الصحيح أيضاً القول إنه حتى في الفترات التي لم يشهد فيها العالم العربي أحداثاً ساخنة ظلت الخطـــط التنــموية تراوح مـــكانها، وهو ما يقـــودنا إلى أهمــية اعتماد مقاربة جــديدة للتــحديث تضع في اعتبارها أن عملية التنمية عملية شاملة لا تقتصر فقط على المؤشـــرات الكـــلية للنمو الاقتصادي، بل ينبغي التعامل معها على أنها سياق شامل يهتم بالتعليم والصحة والثقافة والاقتصاد والفكر والإعلام وغيرها من النواحي في آن واحد.
في الآونة الأخيرة يشهد العالم العربي العديد من محاولات التحديث الجادة التي ارتبطت بوضع أطر زمنية لتحقيق مشاريع تنموية ذات أثر مباشر على أوضاع المجتمعات التي تتم فيها هذه المشروعات، وكالعادة انبرت بعض الأقلام لتهاجم جدوى هذه المشاريع وتحذر من المآلات السلبية لها، والغريب هنا أن هذه الأقلام هي ذاتها التي دأبت على المناداة بضرورة اعتماد فكر جديد يخرج العالم العربي من أزمته الراهنة.
إن تحديث البنية التحتية في الدول يجب أن يرتبط بتحديث العقول والتخلص من الأفكار السلبية التي انطبعت طويلاً في الذاكرة الجمعية للشعوب، ولا شك في أن تحديث العقول هو مهمة شاقة غير أن الاستثمار فيه يستحق بذل الكثير من الجهد لأن نجاحه يعني تحول الفرد ذاته إلى أداة تنموية تحمل الكثير من الأفكار الإيجابية عن أهمية العمل وضرورة الإخلاص فيه، فضلاً عن التسليم بأهمية العمل الجماعي والتنفيذ الدقيق للمهام، وهي صفات تمثل سمة مشتركة في أي تجربة تنموية ناجحة.
خلاصة القول، إن الفكر الواقعي والعملي هو المفتاح الرئيس للتحديث والتقدم، وكل ما فيه مصلحة الشعوب لا يحتاج إلى مروجين له بقدر ما يحتاج إلى منفذين يعملون على تحقيقه وفق جدول زمني، وهو ما يبعث الأمل في إمكانية الاستفادة من الفرص المتاحة والتغلب على التحديات.
تعليق واحد