اليوم 10 حزيران.. ذكرى معركة السلطان يعقوب/على الجاروش
في مثل هذا اليوم، في 10 حزيران سنة 1982، وقعت معركة السلطان يعقوب، خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان. وكانت بين قوات عربية مشتركة (الجيش السوري، والمقاومة الفلسطينية، وميليشيات لبنانية) من جهة، والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى…
فأثناء ذلك الإجتياح، تدخلت الوساطات الدولية، وأعلن يوم الإربعاء في 9 حزيران، عن إتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، على أن يبدأ تنفيذه ظهر يوم الخميس 10حزيران…
لكن العدو الإسرائيلي حاول مباغتتنا في ضربة أخيرة… حيث عمد إلى محاولة إحتلال قريتي السلطان يعقوب، ذات الموقع الإستراتيجي الهام والكاشف، والمشرف على سهل البقاع، والمطل على قمم سلاسل جبال لبنان الشرقية والغربية.
بعد ظهر ذلك الإربعاء، أمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (رافائيل ايتان) إحدى كتائب دباباته بقيادة الضابط (عيرا) ، بالتقدم إلى مثلث الفالوج… استعدادا لدفعها للصعود إلى قرية السلطان يعقوب والسيطرة عليها… وذلك قبل أن يبدأ سريان تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار…
وفي حوالي الساعة 8 ليلاً، بدأت الكتيبة فعلا بالتحرك نحو أهدافها على ذلك المحور… وبدأت المعركة، بعد أن قطع رتل الدبابات مثلث الفالوج، وعند الساعة 11 ليلا وصلت إلى مثلث بيادر العدس، ثم أكملت طريقها إلى مثلث السلطان يعقوب… لكن المفجأة كانت أن دبابتين أصيبتا، بينما تابع رتل الدبابات تقدمه عبثا، وان المثلث الذي وصلت إليه طلائع تلك الكتيبة، كانت منطقة تتمركز فيها قوات كوماندوس سورية، وقوات فلسطينية ولبنانية، الذين صبوا نيران مختلف أسلحتهم على الدبابات الإسرائيلية المتقدمة، وبكثافة عالية جدا…
لم يخطر في بال قائد الكتيبة (عيرا) أنه أصبح موجود داخل منطقة سورية وقوات لبنانية فلسطينية مشتركة… فأمر دباباته بالمزيد من التقدم نحو الشمال، للخروج من مجال النيران، فوصلوا إلى مثلث بلدة المنارة، لكنهم وجدوا أنفسهم مطوقين من كل جانب، وعشرات الصواريخ والقذائف تتساقط عليهم من كل الاتجاهات، ومن مسافات قريبة جداً، حتى أنّ بعض جنود سلاح المشاة السوريين كانوا على مسافة ثلاثة أو أربعة أمتار من الدبابات الإسرائيلية…
لقد عمّت الفوضى والارباك في صفوف الجيش الإسرائيلي، وانفصلت السرايا عن قيادة الكتيبة، وكذلك عن قادة الفصائل… وأغلق الطريق أمامهم بسبب الدبابات المصابة، وأسهم الظلام في اختلاط السرايا بعضها ببعض، ولم يعرف القادة أين يوجد جنودهم…. وظلّت حالة الارتباك سائدة طوال الليل، حيث حاول الإسرائيليون تخليص كتيبتهم المحاصرة، ولكنهم اصطدموا بنيران القوات العربية الكثيفة.. ولم يفلحوا…
مع بزوغ فجر اليوم التالي، أدركت الكتيبة أنها أصبحت محاصرة تماما… وحاول الضابط (عيرا) تهدئة جنوده الذين واجهوا ظروفاً صعبة للغاية، بالإضافة إلى أشعة الشمس التي بدأت تطل من خلف تلك التلال المجاورة وتخترق أبصار طواقم الدبابات… بينما كانت القوات السورية والفلسطينية واللبنانية تتمركز على التلال وبين السلاسل الصخرية، وتطلق صواريخها ونيران مدفعيتها وقذائفها على الدبابات الإسرائيلية، التي كانت مقدمتها قد تجاوزت مثلث السلطان يعقوب بحوالي كيلومتر…
ومع تقدّم النهار، اشتدت وطأة نيران القوات السورية، وتيقن الضابط (عيرا) قائد الكتيبة أن التعزيزات لن تصل إليه، وأن الذخيرة بدأت بالنفاد، وبدأ الجنود يشعرون بالتعب والإرهاق والاستنـزاف بعد ليلة قاسية جدا…
أدركت قيادة الفرقة صعوبة الموقف، وعندها وضعت خطة للإنقاذ وانسحاب كتيبة الدبابات… إذ بدأت المدفعية الإسرائيلية بإسقاط نيران كثيفة وثقيلة على المنطقة السورية، وامرت الكتيبة بالإنسحاب باتجاه الجنوب، على متن دباباتهم التي تحرّكت بسرعة جنونية، وتحت غطاء من النيران الكثيفة…
وبعد هذه المعاناة القاسية، تمكنت فلول الكتيبة المنسحبة من الوصول إلى الفرقة المتمركزة جنوب مثلث الفالوج، وهم في حالة ذعر وارباك… وفجأة بدأ الجنود الناجون يرقصون لخروجهم من تلك المعركة سالمين وهم على قيد الحياة…
معركة السلطان يعقوب، أعتبرت أهم معركة دبابات في التاريخ… وآخر معركة عربية مع إسرائيل… حيث تكبد جيش العدو الإسرائيلي خلالها خسائر فادحة : 30 جندي قتيل، و 5 جنود مفقودين، و8 دبابات مدمرة، و3 دبابات صالحة إغتنمها الجيش السوري…
وقد أعيد إثنان من الجنود المفقودين سنة 1984، في إطار عملية تبادل أسرى، ولا يزال هناك 3 مفقودين حتى يومنا هذا…
أما الدبابات، فقد عرضت واحدة منها في متحف (بانوراما حرب تشرين) في دمشق.. ثم أهداها النظام السوري إلى روسيا… لكن بتاريخ 8 حزيران 2016، قامت روسيا بإعادة تلك الدبابة إلى إسرائيل..
تعليق واحد