الدليل إلى خسارة الحرب التجارية
اعلان دونالد ترامب أن «الحروب التجارية خيرة، ومن اليسير الفوز بها» دخل على الفور سجل الأقوال الكلاسيكية الأثيرة على القلوب جنباً الى جنب اعلان الرئيس الأميركي هربرت هوفر (1929-1933) في ذروة الأزمة الاقتصادية الكبرى أن «الازدهار (ينتظرنا) على مفترق (الطرق)».
ولا ريب في أن ترامب يرى أن التجارة هي لعبة الفائز فيها هو من يحرز أكبر فائض تجاري، وأن أميركا تستورد أكثر مما تصدر. وعليه، كفتها ترجح في أي نزاع. وتوقع بيتر نافارو، خبير اقتصادي ومساعد الرئيس ترامب في شؤون التجارة، أن رسوم ترامب لن تواجه رداً أو مقاومة. ولكن التجارة ليست على هذه الصورة وعجلتها لا تدور على هذا المنوال، لذا تواجه أميركا منذ اليوم سلسلة ردود واحتمال التصعيد كبير. ورسوم ترامب سيئة التصميم وهذا ما لا يخفى حتى أكثر مؤيدي رؤاه المركنتيلية في التجارة (تغليب كفة تشريعات الدولة على كفة منطق السوق). ففي الواقع، بنى الروسم صيغت صياغة تلحق أكبر قدر من الأذى بالاقتصاد الأميركي لقاء أو مقابل الحد الأدنى من المكاسب. وعلى خلاف الرسوم الترامبية، الردود عليها أكثر دقة. ويبدو أن الصينيين وغيرهم ممن أصابتهم سهام غضبه التجاري في جعبتهم فكرة واضحة عما يرمون إلى بلوغه، على خلاف الرئيس الأميركي.
ويبدو أن رؤية نافارو/ ترامب، إلى انشغالها المرضي بالتوازن التجاري، تحسب أن العالم اليوم لا يزال على صورته في الستينات حين كانت التجارة مدارها على السلع النهائية [سلع منتجة للاستهلاك وليس للمساهمة في إنتاج سلع أخرى] مثل القمح أو السيارات. وفي ذلك العالم، كان فرض الرسوم على السيارات المستوردة ليحمل المستهلكين على الإقبال على السيارات المحلية، ويوفر فرص عمل في صناعة السيارات (وتنهي الأمور عند هذا الحد، في ما خلا الرد الأجنبي). ولكن في عالم الاقتصاد الحديث، شطر كبير من التجارة مداره على سلع وسيطة- قطع السيارات وليس السيارة الكاملة. فإذا فرضت رسوم على قطع السيارات، النتائج الأولية على الوظائف مبهمة: ربما قد يوفر المنتجون فرص عمل أكبر للعمال، ولكن الرسوم تزيد الكلفة وتقوض تنافسية منتجي المرحلة الاخيرة أو الحلقة الأخيرة من سلسلة المنتجين، فيقلص هؤلاء حجم عملياتهم.
وفي عالم اليوم، المحاربون الأذكياء في الدوائر التجارية -إن كان لأمثالهم وجود على وجه المعمورة- يسلطون الرسوم على السلع النهائية من أجل تفادي رفع الكلفة على منتجي المرحلة الاخيرة من السلع المحلية. وهذا أقرب إلى نوع من ضريبة على المستهلكين. ولكن إذا كنت تخشى إثقال كاهل المستهلكين بالضرائب، فحري بك ألا تخوض حرباً تجارية. ولكن رسوم ترامب لم تفرض على السلع الاستهلاكية. وبحسب جدول أعده باحثون كبار من أمثال شاد بوين وزملائه من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، 95 في المئة من رسوم ترامب فرضت على السلع الوسيطة او على سلع تستخدم في سلع أخرى مثل الآلات، وهذه تستخدم في الإنتاج المحلي.
ولكن لا تلوح ملامح استراتيجيا في ما تقدم. ولا مؤشرات إلى أن الغاية من الرسوم الترامبية هي حمل الصين على الصدوع بمطالب أميركا. ولا أحد يستطيع استخلاص أو معرفة ما يريده ترامب من الصين في المحل الأول. وشتان بين الرسوم الأميركية وبين الرد الصيني، فالصين لا تتجنب الرسوم على السلع الوسطية تجنباً شاملاً، ولكن الشطر الأكبر من رسومها هو على السلع النهائية (38 في المئة منها على الصادرات الأميركية الزراعية والسلع الغذائية، و24 في المئة من مجملها على معدات أو تجهيزات النقل). وجلي أن الرد الصيني يهتدي باستراتيجية سياسية واضحة ترمي إلى إنزال الأذى بناخبي ترامب. وأما الرد الكندي فهو معقد. فمن جهة يرد على الرسوم على الألومينيوم والصلب. غير أنه، من جهة أخرى، يسعى الى تجنب إخلال كندا بالتزاماتها في سلسلة الإمداد في شمال أميركا، فالرد الكندي ليس موجهاً إلى الواردات الأميركية من أجهزة تصنيع السلع أو السلع الوسيطة، بل إلى السلع النهائية [الناجزة]. وشأن الصين، ترمي كندا إلى إلحاق القدر الأضخم من الضرر بترامب. والحق يقال لا يرتجى خير من الحروب التجارية وخوضها ليس يسيراً، حتى لو كان المرء ينتهج استراتيجية واضحة ويدرك ما يسعى إليه. وأبرز ما في رسوم ترامب هو قدرتها على إلحاق الضرر الذاتي بأميركا. وهذا جلي في نتائجها الاقتصادية، فمذكرة أو ورقة الفيديرالي الأخيرة تفيد بأن مقاطعات كثيرة أبدت قلقها من النتائج السلبية الناجمة عن القيود التجارية على حركة الاستثمار الداخلية والخارجية. وعلى رغم أن أصحاب المصالح في صناعات الألومنيوم والفولاذ توقعوا ارتفاع الأسعار جراء الرسوم على هذين المنتجين، إلا أنهم عزفوا عن استثمارات جديدة لرفع مستوى القدرات الصناعية.
ولا شك في أن الرئيس الأميركي وأصحابه لا يملكون خطة للفوز بالحرب التجارية. ولكن الأرجح أنهم وقعوا على استراتيجية تضمن لهم الخسارة.
بول كروغمن – معلق، حائز جائزة نوبل الاقتصاد في 2008، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 8/7/2018، إعداد منال نحاس- عن جريدة الحياة