عاد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مجددًا إلى الواجهة بعد طول صمت إثر عاصفة جمال خاشقجي الإعلامية.
وجاء المؤتمر الصحفي للجبير والذي عقد بعد مؤتمر النيابة العامة السعودية ليؤكد على ثبات الموقف السعودي ورفضه التدخل الخارجي واعتبار القضية قضية سعودية من اختصاص القضاء السعودي معترفًا أن مقتل خاشقجي جريمة وخطًأ كبير.
وحاول الجبير المعروف بلباقته وكياسته درء الأخطاء المسبقة، وعلل التصريحات السعودية السابقة حول خروج خاشقجي حيًّا بالمعلومات الخاطئة التي وردت الإدارة السعودية أثناء التحقيق الأولي. وتحاول الرياض أن تبادر بالتحقيق مع الأشخاص المتورطين بمقتل خاشقجي والتي تقول إنهم خمسة من أجل عرضهم أمام القضاء السعودي وإصدار حكم الإعدام فيهم وإغلاق ملف التحقيق الدولي. وتطالب السعودية اسطنبول بمعلومات وأدلة من أجل استكمال تحقيقها، إلا أن تركيا ترفض ذلك وتصر على أن يتم التحقيق في مكان وقوع الجريمة.
ان السعودية تدرك أنها بين فكي كماشة، فالعالم في حالة شبه انقضاض عليها. هذا ما نلمسه من التصريحات الأمريكية والأوروبية التي تضع ولي العهد السعودي في دائرة الإتهام صراحةً. فكأنما الحكم بات جاهزًا عليه وعلى عرشه. وهناك المطالبات التركية بتسليم السعوديين الثماني عشر إلى أنقرة من أجل استكمال التحقيق. وتركيا أيضًا تلمح تارةً وتعلن تارةً أن الأوامر بقتل خاشقجي جاءت من أعلى المستويات في السعودية، رغم أن الجبير أخلى مسؤولية ولي العهد وصور أنها كانت مهمة استخباراتية انزاحت عن المسار المرسوم له وأن الخطة كانت إقناع خاشقجي بالعودة إلى السعودية. إلا أن تصريحات الجبير لم تقنع أحدًا إذ لماذا ترسل السعودية فريقًا تقول إنه مفاوض ومخابراتي ولوجستي ؟ ولم توجد في حوزته منشارًا وإبرًا مخدرة ومعدات قتل؟ الرأي التركي والغربي يصران على أن هذا كان فريق الموت.
عدا عن محاولة السعودية القيام بتحقيقها كخطوة استباقية لتجنب التحقيق الدولي، فإن أكثر ما تريده هو عدم تدويل الجريمة والأزمة مع أن الجريمة قد دوّلت خطوة بخطوة. وكلما حاولت السعودية إخفاء معالمها، كلما ازداد تورطها في هذه الجريمة وكلما ازدادت بشاعتها. ولم تخفت الأصوات الدولية المطالبة بالعدالة لخاشقجي. التقارير الصحفية تناولت الخطوة السعودية على أنها متناقضة ولا تأتي بإجابة وافية. لكن السعودية تحاول استدراك ما قد يأتي في اتجاهها من محاكمات دولية وعقوبات قد تفرض عليها بل ما قد يجلب عليها تدخلاً في حكمها.
السعودية تصر على أن تظهر كدولة ذات سيادة وترفض التدخل في شؤونها. لكن جريمتها وقعت في اسطنبول وعلى أراضٍ تركية حيث استخدمت قوانين الحماية الدبلوماسية لتنفيذ جريمة من المفروض أن تكون محلية، فأصبحت دولية. وهي الآن في مأزق لا يبدو أنها تستطيع الخروج منه إلا بتحقيق محلي لن يسد مكان التحقيق الدولي بل قد يضاف إلى بقية المحاولات لحماية ولي العهد من عواقب هذه الجريمة.