كتاب عربمواضيع رئيسية
السفارة الأمريكية في الجزائر خارج الحدث/ دكتور محي الدين عميمور
سرتُ منذ بدأتُ هذه المقالات على نهج تحليلي أعترف أنه يسترشد بحكمة إفريقية سمعتها يوما من الرئيس “سياكا ستفنس″، رئيس سييراليون، تقول: لكي تعرف إلى أين أنت ذاهب عليك أن تعرف من أين أتيت.
ومن هنا، ولكي نستكمل فهم أبعاد كل التطورات وخلفياتها، سوف أعود إلى سياق الأحاديث التي كنت بدأتها، عندما أصبح التيار جارفا لتأييد العهدة الثالثة للرئيس عبد العزيز بو تفليقة، وكان التركيز على أمرين لا يمكن رفضهما بشكل مطلق، برغم أن التناقض الرئيسي جعل شرط هذه العهدة تعديل دستور 1996، الذي لا يسمح بأكثر من عهدتين.
ولعلي أقول هنا إن كل من تحمسوا آنذاك لعهدة جديدة عليهم أن يعطونا اليوم الفرصة لكي ننساهم، وألا يضطرونا لفتح الملفات، ومعهم كل الذين عملوا قبل ذلك على إسقاط عبد الحميد مهري، وبالطبع، كل الذين هللوا بعد ذلك وبعد الإصابة الدماغية للرئيس في 2013 منادين بعهدة رابعة.
هؤلاء كانوا يعرفون حقيقة ما حدث، والمفروض أنهم، كسياسيين، يتصورون ما سوف يحدث، ولو كانوا يريدون بالبلاد خيرا لاقترحوا آنذاك تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، لضمان السير الحسن للمؤسسات وللحفاظ على تألق الدولة، وهكذا يُمكن أن يبقى الرئيس كرمز سامٍ لها، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
لكنني أريد بداية أن أتوقف للحظات لكي أحذر من بعض الاستنتاجات التي قد تبدو للوهلة الأولى حقائق لا جدال فيها، اعتمادا على صورة جبل الثلج العائم كما تراه نظرة متعجلة لا تتخيل حجم الجسم المغمور، وهدفي هو أن أنبه إلى الأخطاء التي يرتكبها البعض، وبحسن نية غالبا، ولكن ليس دائما.
واستبعد ممن أوجه لهم هذا التنبيه، لعدم جدواه، السفارة الأمريكية بالجزائر، التي يبدو أنها أصدرت بلاغا تحذر فيه رعاياها من تظاهرات الشعب الجزائري، والغريب أن السفير الجديد أعطى عن نفسه، وزوجه، الشعور بأنهم يتابعون كل شيئ في كل الجزائر، ولكن يبدو أن سعادته هو في الحمّام، أو أنه خارج الحدث ولا يختلف عن بعض المعلقين الذين تابعتُ ردود فعلهم في الأيام الماضية.
فالمشكلة مع كثيرين هو أنهم يقرءون الأحاديث بطريقة من يقرأ سطرا ويترك سطورا، كما كنا نقول، هزلا، عن قراءة البعض، والتي تصل به إلى مستوى “الكذب بالحذف” كما يقول القانونيون.
ولقد قلت في ختام الحديث الماضي إن الرئيس عبد العزيز بو تفليقة اجتهد وأصاب واجتهد وأخطأ، وأساسا لأنه بشر لا يمكن أن يدعي لنفسه عصمة أو قداسة، والحراك الشعبي في مضمونه الأساسي اليوم هو رفض العهدة الخامسة، ولا أراه كرها في الرئيس بل رحمة به وصيانة لتاريخه وإشفاقا عليه وعلى صورة الجزائر الإقليمية والدولية، وأراه إدانة لكل الذين يستغلون وجودهم إلى جانبه ليمرروا آراءهم ويبرروا أخطاءهم، ثم يلجئون إلى مظاهر فولكلورية جعلتنا محط سخرية العالم كله، وأساءت إلى كل القيادات الوطنية التي قادت المسيرة الجزائرية منذ بدايات الحركة الوطنية.
وهكذا راح بعض المهرجين الكبار عندنا يقدمون للتجمعات الجماهيرية “صورة” الرئيس في إطار ضخم بما يعني أنها بديل عن وجود الرئيس نفسه، بل وراح البعض يكرم “صورة” الرئيس بأوسمة لا وجود لها في قائمة الأوسمة الوطنية، وأكثر من ذلك سوءا، تابعنا إهداء سرجَ حصان لصورة الرئيس، في حين يعلم الجميع أن “سي عبد القادر” يستعمل كرسيا متحركا (ولا عيب في الكرسي المتحرك لأن المرض معاناة تستحق كريم الدعاء، لا الإشارة الغبية للعجْز الحركيّ بإهداء السّرج)
وراحت بعض المؤسسات تنفق الأموال الطائلة لإعداد صورٍ هائلة ترفع على المباني العمومية، متصورة أن هذا يٌعطي الشعور بأن الرئيس موجود في كل مكان، وهذا بجانب الرسائل الروتينية المطولة التي تفتتح بها قناة التلفزة، وتكرار عبارات “الرعاية السامية” التي يضمنها “فخامة” الرئيس لمناسبات تكفي فيها رعاية الوالي أو حتى رئيس البلدية، وبالإضافة إلى زياراتٍ لرؤساء دولٍ افتعلت ودُفعت فيها أموال طائلة لمجرد الإيحاء بأن الرئيس يقوم بدوره بشكل عادي، ويعلم الله كم كان الرجل يُعاني وهم يفرضون عليه حركات معينة لإعطاء الشعور بأنه “لا باس″، وما صاحب ذلك من عبث في “ديكور” القاعة ولون الورود.
هذا هو ما كرهه شعبنا واشمئز منه، ولا أعرف عاقلا تلفظ بكلمة تشفٍّ تنالُ من الرئيس أو تسخر من مرضه، بل على العكس، ولمجرد أن شعبنا عُرف بالأصالة والرجولة وبكرم التعامل مع حالات المرض والوفاة، وكان الكثيرون يتعاطفون مع بو تفليقة رغم كل مآخذهم عليه، ويلعنون من يستغلون مرضه لمواصلة تحقيق أطماعهم مختبئين وراء من يدفع الكرسي المتحرك.
الأمر الثاني، والذي فضحه الشباب منذ اللحظات الأولى، هو محاولة البعض ركوب موجات التحركات الشعبية، وقد طردوا شرّ طردة لأن معظمهم كان من مرتزقة بعض أجهزة السلطة، لا فرق في ذلك بين يسارٍ أو يمين.
ونفس الرفض ووجه به من حاولوا استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لفبركة عذرية جديدة، لعلها تنسي الناس مسيرة ثـيّبٍ… طاب “اجْنانها” في الحلال وغيره.
ولقد حاولتْ بعض التيارات، التي كانت دائما أقلية مرتزقة يستعملها مهماز أجهزة نافذة، أن تسرب هتافات “ستيريوتيبية” لإعطاء الشعور لدى المتابعين بأن الحراك الشعبي كله يُعبّر عن اتجاهاتٍ إيديولوجية معروفة، وفي نفس هذا الإطار وجدنا أن بعض الفراشات اللائكية المتناقضة مع الانتماء العربي الإسلامي للبلاد راحت تطوف مرددة نفس الأفكار المنحرفة التي رفضها الشعب طوال العقود الماضية، ولم نسمع من كل هؤلاء نداءاتٍ بحوارٍ وطني يجمع كل المواطنين لنعرف ما هي مطامح الأمة وآمالها، بل على العكس، تكاثر الفحيح بهمسات تعمل على تقسيم الأمة.
وعادت الدعوات للمناداة بمرحلة انتقالية يُطرد منها كل من لا يتجاوبون مع طروحات النخبة المزيفة، وهي عودة، كما تذكرون، لبدايات العشرية الحمراء.
ومن هنا فإن كل الشرفاء نادوا اليوم بشعار واحد رافضٍ لدعوات عهدة خامسة، يدرك معظمهم أن الرئيس هو، في غالب الأحيان، بريء منها، وكل الشرفاء رفعوا علما واحدا هو العلم الوطني، علم مصالي وبن باديس وبن مهيدي وبن بوالعيد وعميروش وكريم وآيت أحمد وبن بله وبو مدين، والذي ناضلت تحت لوائه الملايين وأصبح رمز الجزائر في العالم كله.
وكل الشرفاء رددوا أناشيد الثورة والحركة الوطنية، بل إن من لا يعرفون كل كلمات النشيد كانوا يحركون شفاههم تظاهرا بأنهم يرددونه مع الآخرين.
وكل الشرفاء كانوا يهتفون “سِلمية”، ويهدون الورود لرجال الشرطة، الذين لم ينفروا من محاولات العناق والمصافحات والقبلات.
هنا أجد نفسي مضطرا لبعض التوضيحات التي فرضتها بعض ردود الفعل على اجتهادي المتواضع.
وواقع الأمر هو أن أكثر ما يزعجني هو القراء الذين ينقضّون على جمل معينة في الحديث ليقتطعوها من سياقها، ثم يضعون عمامة الحكم على رؤوس يعلم الله وحده حجم ونوعية ما تحمله تلافيفها، ويصدرون أحكاما لا يقبلون فيها مراجعة ولا نقضا.
وسبب الإزعاج هو أن ذلك يضطرني أحيانا إلى استطرادات تخرج بي عن صلب الموضوع، عندما أتصور أن قراء آخرين قد يبدو لهم أن عدم التصويب هو إقرار بصحة الأحكام الصادرة، وهذا يجعلني مساهما لا إراديا في عملية تضليل فكري لا مناص من مواجهته.
وكثير من الأحبة نصحوني بأن أتجاهل أمثال تلك التعليقات، وخصوصا منها ما يحمل توقيعات مستعارة، غير أنني كنت أخشي أن يُخدع قارئ حسن النية ببعض البلاغيات فيروح يرددها، ودائما بحسن نيةِ من لا يدرك أن طريق جهنم قد يكون مرصوفا بالنوايا الطيبة.
وواقع الأمر هو أنني على يقين من صحة ما يتردد عن وجود ذباب إلكتروني مهمته تسميم الجو العام بالتفسيرات المغرضة أو الاستنتاجات المنحرفة أو التوجهات المشبوهة.
وكأمثلة بسيطة.
هناك من يوقع “المفكر العربي الكبير (هكذا) ثم يسألني “عن أي استفتاء لأسلمة الجزائر تتحدث؟”، وهو سؤال قد يبدو عاديا لكنه قد يدفع قارئا إلى أن يفهم بأنني أنادي باستفتاء لغير ما يجب أن يحققه استفتاء وطني، والسكوت على مثل هذا مساهمة في نشر الخداع والافتراء، لمجرد أنه يرفض صراحة نتيجة استفتاء لا ترضى عنه التيارات التي ترفع المظلة عندما تمطر سماء باريس.
وعندما نقول بأن الشعب هو السيّد، فإن هذا يعني ببساطة أن الشعب هو السيد.
قارئ آخر أرسل لي رسالة في موقع التواصل الاجتماعي تعليقا ساخطا يقول فيه: بو تفليقة عزلك من الوزارة وضيق عليك الخناق كما جاء في كتابك الذي نشرته منذ نحو خمسِ سنوات في الجزائر ولم يدعمك في صراعك مع الفريق العماري كما قلت بنفسك ، كيف “أعطاك قلبك” (تعبير جزائري معناه كيف واتتك الشجاعة ) لتدافع عنه وتتحدث عن إنجازاته.
وهو مضمون ما علّق به آخرٌ وقع بجملة “مواطن اعطى للوطن ولم ياخذ”، وبدون أن يقول لنا من هو، وماذا أعطى للوطن وماذا “لم يأخذ”، هذا المواطن يقتطف من حديثي الجملة التي تقول: “لا أستطيع أن أنسى مواقف كريمة له (أي للرئيس بو تفليقة) تجاهي خلال مرضي منذ عدة سنوات”.
ثم يُعلّق القارئ قائلا: “هل من الحكمة ان نفاضل بين موقف في وقت الشدة يحتاجه مني وطني او موقف كريم لرجل في الصلطة ( هكذا) هو اساسا موجود لخدمتك وبدون من او جزاء لو وقع لك نفس الموقف في الخمسينات كنت ستكون نفس الانسان انت الان في سن العقل والثبات وقلت ما قلت وفي سن الشباب ماذا كنت انت فاعل”، ثم يستفز منبر “رأي اليوم” قائلا ” انشر من حقي ان عبر عن راي &&&اليوم” (والنص حرفيّ أنشره كما جاء في التعليق).
وقد يكون القارئ المتجنّي على حق لو أنني فاضلت بين الأمرين وشكرت الرئيس ثم سكتّ، لكنني أكدت أنني لست ممن ينكرون الخير، وبأنني أسير، كما قلت أكثر من مرة، على هدى : ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.
ولم يمنعني امتناني للرئيس، الذي أخذ مني موقفا كريما لم يجبره أحد عليه، أن أنتقد من تصرفاته ومسيرته ما أراه يستحق النقد، وبكل أدب واحترام، وهو ما أقوم به منذ نهاية التسعينيات، وأيام كان قادرا على أن ينتقم مني، لكنه لم يفعل، بل خيّرني، عندما أعربت عن سخطي من وضعيتي الوزارية، بين أن أقبل منصبا ديبلوماسيا أو أن أعود إلى مجلس الأمة، حيث كان عينني الرئيس اليمين زروال.
وواصلت مواقفي بكل نزاهة، وكان أخرها ما هو واضح في إشارتي الأخيرة للخطأ والخطيئة، وهذا كله بدون إسفاف أو “سقاطة” أو استهانة بموقع المسؤولية الأعلى في البلاد، وهو منطق الدولة كما تعلمته.
قارئ أخر يُوقّع “مـصـري نـاصــري” يقول : تبشر بأسلمة الجزائر والمثال المتأسلم في السودان وفي تونس وفي ليبيا وفي مصر وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي افغانستان وفي الباكستان امام ناظريك؟
ويختم تعليقه قائلا اتقي (هكذا) الله في عباده يا رجل.
وهو لا يورد جملة واحدة من مقالي تؤكد ما يزعمه.
أما “سي” الواثق بالله ( !!) طيارة، فهو يخاطبني بالاسم قائلا:
دكتور عمبمور (بالباء)
ان لم تستطع قول الحق، فلا تصفق للباطل.
الاسلام التلمودي ليس هو الحل،
ولا الدول الدينية على النسق الصهيوني هي الحل،
ولا الارتباط بالمصالح الاقتصادية الغربية هو الحل،
ولا ان تكون جزاء من الالة الاقتصادية المعولمة (كما عموم قيادات الاخوان في العالم) هي الحل،
ولا ان تنشىء منظمات سرية لاغتيال معارضيك السياسيين هي الحل،
106 تعليقات