“اعتذار” عائض القرني/أحمد الحناكي
كان الراحل الدكتور غازي القصيبي أول من حذر من خطورة بعض الدعاة أو الإسلامويين أو الحركيين، منوهاً بأنهم يبالغون في تقييم ذاتهم، واضعين أنفسهم أوصياء على البشر.
وكانت رسالة القصيبي، التي وجهها إلى عائض القرني قبل أكثر من 28 عاماً، عنواناً قوياً ومنطقياً، وسأورد هنا جزءاً من رسالة القصيبي:
“أستنكر أخي الكريم عائض القرني ما قلته في مقالة في الشرق الأوسط عن تغير الفتوى”. وعلق على ذلك مستغرباً بـ “عجيب!!!”، وذكر في مقاله أيضاً: “يا أخي الكريم، الذي أثبت تغير الفتوى لا بتغير الأزمنة فحسب، بل بتغير الأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، لم يكن أنا، إنما كان العلامة المجتهد المحقق ابن القيم رحمه الله في فصل ذائع شهير من كتاب ذائع شهير هو (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، أشرت إليه في مقالتي بالنص والسؤال إلى أخي الكريم عائض القرني، وهو: هل قرأ الفصل أو لم يقرأه؟! إذا قال أخي أنه لم يقرأه، قلنا له إنه لا يجب لمن ينسب نفسه إلى العلم، أن يهاجم المقولة قبل أن يقرأ ما كتبه في شأنها عالم جليل من أعظم علمائنا، وما هكذا يتكلم العلماء، وإذا كان قد قرأ الفصل، فهل هو يتفق مع ما ذهب إليه ابن القيم؟ وإذا كان يتفق معه، فلماذا يقول ما لا يعني؟ وما هكذا يتكلم العلماء، وإذا كان لا يتفق مع ابن القيم فهل يعد نفسه أفقه منه؟ ولماذا لم يفند مقالته التي يرى فيها كل هذا الخطر العظيم على الإسلام… أهكذا يتكلم العلماء؟ أم أن أخي الكريم يرفض كل شيء مني حتى لو كان صوابا؟”.
خرج الداعية عائض القرني قبل أيام مع الزميل عبد الله المديفر معتذراً عن أخطائه أيام ما يسمى بـ “الصحوة”، وهي فترة غرر فيها المتطرفون بالكثير من الشباب والمراهقين السعوديين والعرب من المسلمين.
من حيث المبدأ، فإن المتابعين يعلمون من هم “الصحويون” وماذا أحدثوا تلك الفترة من أفعال أعاقتنا عن اللحاق بالتحديث، لدرجة تدخلوا بها في كل شيء في حياتنا الشخصية، وصولاً إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى بشكل مغالٍ ومتطرف. وبالتالي، لم تكن مفاجأة أن يعترف القرني بنفسه. وعلى أي حال، فلنعتبر الأمر إيجابياً، لعل كثيرين من المغرر بهم من قبله أو ممن يرونه منزهاً عن الأخطاء أو من الذين يعلمون ماذا صنع لكنهم لا يريدون أن ينكشف يتراجعون.
حديث عائض القرني عن التحريض القطري كان مؤسفاً ومؤلماً فالدول تختلف سياسياً ولكنها عادة لا تعمد إلى حرب غير شريفة وذلك بدعم الحركات الإرهابية أو الأسماء المتشددة، فالمتضرر الأول هو الشعب السعودي. وعلى أي حال، فإن ممارسات هذه السياسة وبشكل متخبط ليس غريباً على النظام في قطر، ولعل التحريض الأخير من قناة الجزيرة الذي تشرح فيه للفتيات السعوديات كيفية الهروب من ذويهم إلى خارج المملكة يوضح هذه التهور وعدم المسؤولية، غير مقدّرة أننا في الخليج شعب واحد. نعم، كان اعتذارا متأخرا من عائض القرني ولكن أن “تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي”.
هل تعلم المريدون الدرس من اعتذار القرني، هل يكون اعتذاره تنبيه لمن أخطأ ويملك ضميرا حيا أو بقايا من ضمير بأن يملك الشجاعة ويعتذر؟ إننا ها هنا منتظرون.