تتصرف الطبقة السياسية في لبنان وكأن لا شيء حدث خلال المائة يوم المجيدة من تاريخ لبنان الحديث:
ـ ماذا أن يتظاهر الناس؟ هذا حقهم! فليتظاهروا كل يوم، ولمدة سنة، أن في ذلك انعاشاً للنظام الديمقراطي وتأكيدا لتميزه عن سائر الانظمة الدكتاتورية السائدة في المنطقة العربية. انها شهادة لنا وللنظام، فشكراً للمتظاهرين. بل وللمتظاهرات من الصبايا الجميلات اللواتي اضفن حيوية وبهاءً على التظاهرات!
على أن الناطقين باسم هذه الطبقة يستدركون فيقولون:
ـ كله الا المصارف! هذا مكمن السر! والهجوم على المصارف سوف يفضحنا! فليضربوا ضرباً مبرحاً، حتى يتوبوا، فاذا ما عادوا إلى الشارع فليوجهوا بالرصاص! هذا اعتداء على بيت السر! انهم بذلك سيفضحوننا.. وقد يحاكموننا وهذا ما لن نسمح به مهما كلف الامر!
وبالفعل، بسحر ساحر، نزل رجال الشرطة، فجأة إلى مواجهة المتظاهرين واخذوا يفرقون حشودهم بالعصي والهراوات، بداية، ثم باشروا اطلاق الرصاص عشوائياً: اعتقلوا العشرات، واصابوا شباباً وبعض صبايا الورد، وغطت دماء الفتية ارض الشارع.. واضطرت وزيرة الداخلية إلى مواجهة الصحافة للدفاع عن تدابير صارمة لم تكن صادرة عنها، في حين دافع مدير قوى الامن عن رجاله مؤكداً “انهم كانوا في حالة دفاع عن النفس”!
بقي اكثر من خمسين شابا قيد الاعتقال في ثكنة الحلو.. وفشلت الجهود التي بذلت لإطلاق سراحهم فنام معظمهم في المعتقل ليلة كاملة.
في الليلة التالية نزل رجال الامن بلباس الحرب لمواجهة المتظاهرين بالصوت والشعارات ضد لصوص المصارف وسفاحي السياسة والبلطجية.
وهكذا يفرض على البلاد مناخ بوليسي عشية اعلان الحكومة الجديدة التي تتعسر ولادتها لتعارض المصالح بين مهندسي التركيب والطاقم ـ الدائم..
والشارع بعيد عن كل هذا الضجيج البعيد عن هموم الناس وعن اسباب الاعتراض السلمي.. الذي قد لا يبقى سلمياً!
طلال سلمان-كاتب ورئيس تحرير صحيفة السفير والمقال من رأي اليوم