التطبيع العربي في أزمة.. والأردن في دوامة الأقصى / فؤاد البطاينة
10 مايو 2022، 02:13 صباحًا
إن ما جرى ويجري في فلسطين من هبة شعبها العريق وانتفاضته على الإحتلال وتهويد القدس والمقدسات ومن صمود أسطوري، يُفرغ كل اتفاقيات التطبيع التي تبرمها أنظمة العرب مع الكيان الدخيل من محتواها وهدفها. فنجاح المعسكر الصهيوني بيهوده وأوروبيه وأمريكانه في تنصيب أو استخدام أو إخضاع حكام عرب ومساعدتهم في بناء أنظمه عميله للفتك بأقطارنا العربية ونزع سلاحها واقتصادها ونشر الفساد فيها وإفشالها ليس هو التحدي الحقيقي أو نهاية المطاف أمام هذا المعسكر ومشروعه. فهذا وحده لا يكفي لتأمين بقاء هذا الكيان ولا يمنحه الشرعية المزورة تاريخياً ودينيا ولا يوفر له الأمن، بل إن التحدي الحقيقي أمامه هو في تطويع الشعوب العربية وبالذات الشعب الفلسطيني لهذا التطبيع والنيل من صلابته وإيمانه بقضيته ومقاومته. فهذا المعسكر الصهيوني ومنذ اعتراف أول نظام عربي بالإحتلال وهو يراهن على قدرته وقدرة أنظمته المزروعة في تدجين شعوبها العربية غلى الإحتلال والقضاء على المقاومة وما زال يفشل في هذا ويتعاظم فشله. وكان رهانه الأكبر على سلطة أوسلو حين جعلها جزءا من آلة الإحتلال، إلّا أنه كان الرهان الأكبر فشلاً.
انطلاقاً من كون احتلال فلسطين ليس كأي احتلال كحصيلة تآمر دولي واسع اضطلعت به الدول الكبرى المنتصرة بالحربين العالميتين بالتآمر مع حكام عرب محليين يتزايدون ولا ينقصون وما أدى إليه هذا من أطالة في أمد الإحتلال، فقد كانت كل الحروب العربية مع الكيان الصهيوني معارك أنظمة عميلة أو فاشلة غايتها الوصول إلى ذريعة التطبيع لدى هذه الأنظمة العربية. ثم بولغ بهذا التطبيع ضمن نهج سياسي صهيوني بخطط وعناوين مختلفة أشهرها صفقة القرن التي أخذت أشكالاً وعناوين أخرى أخطرها عنوان ابراهيم وسلام ابراهيم. حيث أن فشل المعسكر الصهيوني في إجبار أو إقناع الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بالذات بأي سبب عرقي أو ديني أو تاريخي يبرر بقاء هذا الكيان في ظل صمود ونضال الشعب الفلسطيي، فقد قادهم هذا للجوء لفكرة صنع دين جديد يستوعبهم في المنطقة ويُطوّع في الواقع كل الأديان وبالذات الإسلامي لصالح السردية الصهيونية والتوراتية المُثبت بالتوثيق الأثاري والتاريخي زيفها الى جانب ما تؤكده النصوص التوراتية نفسها من غربة اليهود عن فلسطين وغياب القدس عن تاريخهم العقدي. ما أريد قوله سيفشلون في مسعاهم بقميص ابراهيم كما فشلوا في كل مشاريعهم مع حكام عرب خونة أو جهلة أو مطايا، ولن يتقبل الشعب العربي وطليعته الفلسطينية أي مشروع يمس عقيدتة الاسلامية أو يمس السيادة على شير من فلسطين أو الأردن. ولن يطمس القضية الفلسطينية أي حدث دولي مهما كان حجمه وكانت طبيعته.
وبهذا شاهدنا ردات الفعل الأوروبية والغربية المتعاطفة مع النظام الصهيوني في أكرانيا ومع الشعب الأكراني بعد قرن من صمتهم على احتلال فلسطين بأقذر انواع الإرهاب ودعمهم المستمر لجرائم الكيان المحتل ضد الشعب الفلسطين بما يرقى لجرائم إيادة الجنس، الأمر الذي أصاب كل مواطن عربي بالصميم وأشعل في نفسه ثورة على هذا التمييز العنصري واختلاف المعايير الصارخ والمخزي. وشاهدنا هذا ينعكس في عمليات بطولية لشباب فلسطينيين ضد الإحتلال واكبتها ثورة شعبية رمضانية استطاعت أن تكشف عن هزالة الكيان الصهيوني وأن تحرف الإعلام الدولي نحو القضية الفلسطينية وتشجع روسيا في غمرة حربها على النظام الصهيوني النازي في أكرانيا على مواجهة الكيان الصهيوني في فلسطين بحقائق امتدت لتنسف زيف مفاهيم استخدمتها الصهيونية. وربما الأهم في انتفاضة الشعب الفلسطيني أنها كشفت عن محدودية قدرة الأنظمة العربية المطبعة وعجزها عن مساعدة وإسعاف الكيان، وجعلته يعيد حساباته بجدوى تطبيع الحكام العرب الذين كانت تتوقع منهم موقفاً عملياً لصالحها في أزمتها مع الشعب الفلسطيتي. فإسرائيل اليوم في أزمة وجودية وليس أمامها سوى الاتجاه نحو سياسة جديدة مع تلك الأنظمة المُطبعة وتصدير المزيد من المشاكل الاقتصادية والأمنية لها.
الآن، نصل للسؤال الكبير المطروح أمام الحكام العرب المطبعين وهو، عندما يصل المعسكر الصهيوني وإسرائيل بالذات إلى قناعات بعجزهم عن تغيير قناعات شعوبهم وعدائهم للإحتلال، وإلى فشل وعدم جدوى الإتفاقيات المبرمة معهم في تحقيق أهدافها العميقة، فكيف لهم أن يتصوروا تطور العلاقة ما بينهم وبين ” اسرائيل “. هذا ما يوجب استعدادهم له.
ولعل السؤال نفسه مبني على طبيعة المشادة الأخيرة بين النظام الأردني وإسرائيل على خلفية احتجاج إلأخيرة على احتجاج الأردن من أحداث القدس والأفصى، رغم أن الأردن سلك في احتجاجه نفس سلوكه المعتاد وهو الإكتفاء برفض الإجراءات الإسرائيلية في الأقصى وإدانتها، كسلوك شكلي لا يقترن بأي عمل أو موقف عملي، حيث يترك المهمة على الأرض للشعب الفلسطيني الذي بدوره يدفع الثمن ويُجبر الإحتلال على إلغاء إجراءاته. فالأردن لم يخرج هذه المرة كغيرها من المرات عن النص التقليدي رغم أن له دور برعاية الأماكن المقدسة حسب اتفاقية وادي عربه. إنه احتجاج اسرائيلي على احتجاج أردني شكلي كان طوال السنين يلقى تفهماً في السياسة الإسرائيلية. ولذلك من الممكن وصف الموقف الإسرائيلي بالموقف المستجد والعميق ويُفهم في سياق عودة اسرائيل لسياسة نتنياهو مع الأردن وتطويرها. فهي نفطة تحول تنسحب بأثرها على تحول أمريكي اتجاه التعامل مع النظام الأردني، وبالتأكيد هي أيضاً رسالة إلى باقي الدول المطبعة. فعلى ماذا ينطوي هذا ؟ وماذا في جعبة اسرائيل من طلبات نوعية جديده، حتى من باقي الأنظمة المطبعة.
بهذا أقول ما يجب أن يفهمه النظام الأردني. ليس في مخطط إسرائيل في هذه المرحلة المتقدمة، ولا من مصلحتها أن تكون على علاقة ودية مع النظام الأردني ولا أن تتطلع الى أية علاقة استراتيجية معه تنطوي على وجود أردن كدولة تبقى أو بسيادة مستقلة كما تضمنته اتفاقية وادي عربة المهجورة اسرائيلياً. فتصفية القضية الفلسطينية أمر مرتبط إنجازه بتعاون النظام الأردني الكامل، ثم بالمحصلة بأردن خاضع ومكبل بالسيادة الإسرائيلية وبانتهاء الحكم الهاشمي. فإسرائيل مطالبها من النظام الأردني في هذه المرحلة كثيرة وعميقة، وتعلم بأن الملك لا يتقبلها وتعلم أنه يعي ً طبيعة تركيبة الأردن السكانية وخصوصية علاقة هذا الشعب بالقضبة الفلسطينية، ويعي بنفس الوقت مصالحه ويهتم بمصيره.
فإسرائيل عجولة وتريد اغتنام الظرف وتخطى الإتفاقيات الإقتصادية الإخضاعية مع الأردن، وتريد تجاوز الخدمات الأمنية التقليدية إلى مواقف سياسية – أمنية جديدة تُسهم في كبح جماح ثورة الشعب الفلسطيني، وتريد تخلي الأردن عن كل ما ينم عن تدخله في الشأن السياسي الثنائي الإسرائيلي الفلسطيني حتى كوسيط إلى أن تنهي أمريكا مهمتها في إطار صفقة القرن. فالأردن بين ذراعي الكماشه الأمرو اسرائيلية، و كل الأوراق الإسرائيلية في الأردن من خلال الإتفاقيات يمكن للأردن إسقاطها إن توفرت لديه الإرادة لولا السوط الأمريكي المتمكن، ويطال المرافق الأمنية والعسكرية والإقتصادية والمالية. وغضب اسرائيل عليه هو مُصطنع وفيه رسائل لأمريكا بالضغط على النظام. وإسرائيل تنظر الى بند الرعاية الأردنية للمقدسات في اتفاقية وادي عربة كبند يساء استخدامه أردنياً عندما يتجاوز الشؤون الخدمية للأقصى، وتعتبر هذا التجاوز تدخلاً في الشأن السيادي الإسرائيلي على الأقصى والقدس، كما تعتبره عاملاً يعزز وجود الحكم الهاشمي الذي لا تريده، وعامل دعم معنوي للفلسطينيين لا تريده. لذلك فإن كل ما يتسرب عن نقل هذه الرعاية هو رغبة أسرائيلية قوامها التهديد والتحذير.