“عرب اطاعوا رومهم عرب وباعوا روحوهم عرب وضاعوا ” بهذا الوصف في قصيدته الشهيرة “مديح الظل العالي” يعكس الشاعر الكبير الراحل “محمود درويش” حال العرب في زمانه، وهو وصف ينطبق على واقعنا الراهن، كما ينطبق على حال العرب خلال المئة عام الماضية أيها السادة اعذروا صراحتي نعم نحن امة ارتضينا ان نكون اغناما لقصابنا، يذبح منا كل ما جاع خروفا ويقف بقية الأغنام في حضرة القاتل بخوف وجبن، مقدمين له فروض الطاعة والولاء.
نحن منذ مئة عام خلت لسنا امة الضاد ” والخيل والليل “وخير امة أخرجت للناس”. انما امة من البهاليل والدارويش والحمقى. هو ليس جلدا للذات، ولا قنوطا من حال او ويأسا بسبب ما الت اليه اوضاعنا اليوم، انما هي الحقيق وسامحوني على قولها دون رتوش او صياغات او محاباة، او اقتلوني ان شئتم فقد قتلتم ال بيت نبوة الرسول والراشدين من اصحابة، من أكون انا امام عظمة هؤلاء؟
لنرى انفسنا مرة احدة في المرآة على حقيقتها البشعة والموحشة بعيدا عن النفاق والاساطير والدجل.
قبل مئة عام الم تستخف الدول الاستعمارية بعقولنا، وجرتنا كالنعاج لنحقق لها أهدافها ونساعدها على احتلال بلادنا، الم يضحكوا علينا لنقوم بثورة ونعلن الجهاد المقدس ضد الحكم العثماني في سبيل الدولة العربية والحلم العربي، ومنذ ذاك التاريخ لم تصدر فتوى جهاد واحدة ولم يعلن الجهاد الا من اجل حروب الدول الغربية ومصالحها، كما في افغانستان ضد السوفييت وسورية ضد النظام، وبقرار امريكي، اما فلسطين فان الالسن عنها تخرس الى اليوم.
ماذا حصدت الثورة العربية الكبرى عام 1916؟ المدفوعة من الدول الغربية غير احتلالهم لبلادنا وتقسيمها الى دويلات وجزر وامارات تافهة فاشلة من وقتها حتى اليوم؟ نهبوا ثرواتنا، واذلوا شعوبنا، وقتلوا الشجعان ممن قاومهم، ثم اقاموا إسرائيل على ارض عربية لتكمل القتل والتهجير والتنكيل. نحن شعوب لدول رسمتها أقلام رجالهم على الورق وهم يشربون النبيذ، ثم جلسنا ندافع عن تلك الخطوط المتعرجة على الخرائط باعتبارها اوطننا نهائية لنا، ليس هذا فحسب بل غزونا بعضنا بعضا، وصدقنا ان تلك الخطوط حدودا، واقمنا لها المتاريس والقانونين. انت أيها الحامل جواز سفرك العربي، الا ترى كيف يعاملك شرطي الحدود اخوك العربي في المطارات والمعابر في بلاد اشقائك العرب، كيف يحتقرك ويزدريك ويستسهل اهانتك هذا ان سمح لك بالدخول، بمقابل وقوفه ذليلا مطأطأ الراس امام الرجل الغربي العابر لحدودنا بحرية وكرامة.
نحن امة من الدمى تحركها أصابع الرجل الأبيض، عبدنا رؤساءنا وزعماءنا وملوكنا، وقدسناهم تقديسا، هم الملهمين والرموز، والاذكياء والحكماء وابطال السلم والحرب، المخلدون، المنزهون. وعندما أطاحت بهم الدول الغربية بقوتها رفعنا شارات النصر وسمينا انفسنا ثوارا للحرية والعدالة والكرامة، ثم تقاتلنا بعصبيات الجهل وتناحرنا فيما بيننا وفي المحصلة حولنا بلداننا الى دول فاشلة يسيل فيها الدم، وتهدر فيها الكرامات، ويعم فيها الظلم والبؤس والجوع. اليست هذه هي الحقيقة؟
الا يجرونا اليوم كالقطيع كما قبل مئة عام لمواجهة الخطر الإيراني هذه المرة، “الخطر على إسرائيل وليس علينا”، ولكننا ساذجون الى درجة اننا نصدقهم كل مرة، وبات منا من يناضل في سبيل مواجهة الخطر الإيراني، بشعارات باعوها لنا مزينة باللون الطائفي “سني-شيعي” او القومي “عربي فارس”. بالله عليكم هل نحن من الساذجة حتى نصدق الكذبة ذاتها مرة أخرى؟ وماذا لو ظفروا بايران؟ هل سندفع الثمن الذي دفعناه بعد مساعدتنا الدول الغربية في هزيمة الدولة العثمانية ؟ الجواب أوضح من شمس صيف آب. لو ظفروا فاننا جمعيا كعرب سنكون عبيدا عند الدولة العبرية، التي ستجعل كل حارة دولة، وكل ازعر زعيما، نتقاتل فيما بيننا ونستعين بإسرائيل للغلبة على عدونا الجديد شقيقنا القديم.
انهم يجروننا من آذننا جرا لتجريم المقاومة، اية مقاومة كانت في وجه إسرائيل وعدوانية الغرب المتوحش، اية مقاومة “سواء إسلامية، سنية، شيعية علمانية، شيوعية، قومية”. اية مقاومة في امتنا علينا ان نجرمها نحن، وننعتها بالإرهاب ونحاصرها، ونشوه صورتها ونجهد لاجهاضها في اكبر عملية استحمار في التاريخ القديم والمعاصر. هل قرأتم عن امة في التاريخ تجرم ابناءها لانهم يكافحون ضد عدوها؟. ان الأمم تنصب التماثيل في الساحات لمن يضحوا في سبيلها. انها الأمم الحرة السيدة المستقلة فقط. اما نحن للأسف فلسنا كذلك.
هل تصدقوا ان نخبة سياسية وإعلامية في بلد عربي تطالب بسحب سلاح أبناء جلدتها وهم واقفين وجه لوجه امام عدو البلاد المتوحش المسلح باحدث أنواع الأسلحة والذي يمارس العدوان يوميا على هذا البلد، لماذا ؟ يقولون من اجل السيادة، وهم لا يجرؤن على تسليح جيش بلادهم بطائرة او مضاد جوي، او دبابة او سفينة حربية لحماية الشعب من العدو أمريكا لا تسمح لهم؟ هذه ليست مزحة وليست مبالغة انها تحدث الان في امة العجائب.
انظروا الى دولنا يستحكم فيها الفشل والفوضى، ومدننا يفوح منها البؤس والفقر والخوف على الحاضر والمستقبل. طالعوا صحفنا العربية، أوراق صفراء يسيل منها الحقد والطائفية والجهل والكذب والنفاق والتطبيل واستغباء الشعوب.
تابعوا شاشتنا تتقيأ تضليلا وشتائم وتنابز، تعلوها الوجوه الكالحة المستعدة للعق أي حذاء يدفع لها المال. شاشات للتسطيح والسخافة والانحطاط الفكري والفني والثقافي. انظروا الى مساجدنا غدت منابر للدراويش يلكون حكايا عذاب القبر، وافاعي النار، ويكررون شرح خطوات غسل الجنابة والدخول الى المرحاض بالقدم اليمين او الشمال. ونحن امة اقرأ.
انظروا الى عواصم الثراء العربي كيف فتحت احضانها لقتلة أطفالنا، ومحتلي ارضنا، مدنسي مقدساتنا، وأغلقت الأبواب في وجه اخوتها، وسلطت عليهم غربان الدعاية ليطعنوا في حقهم وتاريخهم مقابل حفنة مال. أي عقدة نقص اصابت هذه الامة ؟ وجعلتها خادمة في مضاجع اعدائها وناهبيها، وقاتلي أبنائها؟
هل زنى التاريخ بالجغرافيا فجئنا سفاحا ؟ ام اننا مجرد كومبارس في لعبة التاريخ والأمم.
لتذهب هذه الامة بقادتها ونخبها وعلمائها وجيوشها وشعوبها الى الجحيم اذا لم تستيقظ اليوم، وتمسك بناصية امرها، وأول الطريق الصحيح طرد القوى الغربية وربيبتهم إسرائيل من ارضنا ولو كلفنا ذلك مئة عام من الصراع. أقول قولي هذا وانا القائل ” لاشيء فينا ابيض الا الدموع في جفن الصغار.. وراية التسليم بيضاء.. بيضاء اطاعت موتها في الريح ثم مزقها الغبار، هل كان يوما امة، هكذا قالوا لنا.. وقالوا ان جرحا نازفا في غزة تلثمه شفة العراق، وان خيلا قادما من نجدنا يسقيه نهر الفرات.. هل كنا امة يوما ام شتات ؟.