الدولار.. اكبر كذبه في العصر الحديث / د. خليل الهندي
24 يونيو 2022، 00:50 صباحًا
امريكا تكذب على العالم بالدولار والعالم سعيد بقبول هذا الكذب . كيف تم ذلك ؟ وما هو مستقبل الدولار والاقتصاديات المرتبطه به؟
كانت نقطة التحول في نهاية الحرب العالميه الثانيه عندما سلم العالم الاستعماري القديم راية الاستعمار الى قائدة الاستعمار الجديد (امريكا)، عندما انهكت الحرب العالميه الثانيه اوروبا الاستعماريه ، وافلست هذه الدول ، وضرب التضخم عملاتها واقتصادياتها واصبحت تحت رحمة الامريكي ومساعداته المتمثله في ( مشروع مارشال ) . وجدت امريكا المتربصه لهذه اللحظه فرصتها السانحه لتفرض على هذه الدول اتفاقية برتن ودز (Britten Woods) في العام ١٩٤٤ ، والذي احتوى على ٤٤ دوله . وتمخض هذا المؤتمر على اعتبار ان الدولار يشكل سعر الصرف لجميع العملات وهو مقياس لتسعير المواد الاساسيه والاوليه وعملة التبادل التجاري الدولي ، وعملة التسويات الماليه . وان امريكا هي الملاذ الامن للعملات متمثلاً بالدولار .
وتعهدت امريكا بالمقابل ان تستمر بربط الدولار بالذهب وبمعدل ثابت (٣٥$لكل اونصة ذهب ) من اجل ضمان التبادل بالدولار واستقرار الاسعار العالميه . والذي اعطى هذه الثقه للدولار هو امتلاك امريكا ثلاثة ارباع احتياطي الذهب في العالم .وبهذا استطاعت السيطره على الاقتصاد العالمي عن طريق الدولار من خلال ادخاله في معظم عملات العالم كاحتياطي نقدي في بنوكها المركزيه .
لم يستمر شهر العسل مع هذه الاتفاقيه سوى احدى عشر عاماً لتبدأ حرب فيتنام في العام ١٩٥٥ والتي اعتقدت امريكا بانها سوف تحسمها في غضون اشهر الا انها استمرت لما يقارب العشرين عاماً . مما ادى الى استنزاف اقتصادها مع تزايد تكاليف الحرب على الخزينه واضطرارها الى طباعة الدولار بدون تغطيه ذهبيه وبالسر .
في العام ١٩٧٠ اكتشفت فرنسا بان امريكا تكذب على العالم وتطبع الدولار بدون تغطيه ذهبيه ، فطلب الرئيس الفرنسي (ديغول) تحويل احتياطي فرنسا من الدولار الى ذهب حسب اتفاقية برتن ودز . الا ان امريكا رفضت الطلب الفرنسي لعدم قدرتها على تحويل هذا المبلغ والبالغ ١٩١ مليون دولار امريكي فقط .
بداء التضخم يضرب الدولار وبداءت دول العالم تفقد الثقه بالدولار مما حدا بالرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون في العام ١٩٧٣ ان يعلن رسمياً عن وقف ربط الدولار بالذهب ومنذ ذلك العام انخفضت قيمة الدولار اربعين ضعفاً ، وارتفع الذهب من ١٠٠ دولار للاونصه الى حوالي الفي دولار والان يتراوح بحدود ١٨٠٠ دولار . والذهب يرتبط بعلاقه عكسيه بالدولار فكلما انخفض الدولار ارتفع سعر الذهب والعكس صحيح .
في محاولة امريكا لانقاض قيمة الدولار بعد انفكاكه عن الذهب ، عقدت اتفاقيه مع الملك فيصل ( ملك السعوديه ) كاكبر منتج للنفط في ذلك الوقت وذلك في العام ٧٤ يشمل نقطتين اولهما ربط سعر البترول بالدولار وان تقوم السعوديه باقناع منظمة الاوبك بتسعير البترول بالدولار . والنقطه الثانيه بان تستثمر السعوديه عائدات النفط بالسندات الامريكيه ، اي اعادة هذه الاموال الى امريكا من اجل دعم اقتصادها وذلك مقابل الحمايه ( وما زال التاريخ يعيد نفسه ) ومن خلال هذا الاتفاق ظهر ما يعرف بمفهوم البترودولار .
استمر هذا الوضع لما يقارب الثلاثون عاماً والدولار سيد العملات العالميه الى ان بلغت التناقضات الراسمالية ذروتها ، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومحاولة امريكا التحكم بالعالم ورافق ذلك الانتشار السريع لظاهرة العولمه وخروج الصناعه الى الصين ودول العالم الثالث ، وازدياد الانفاق العسكري ،وخوض الحروب، وارتفاع حصة وزارة الدفاع الامريكيه من الموازنه العامه السنويه والتي وصلت في بعض السنوات الى اكثر من ٨٠٠ مليار دولار ، ورافق ذلك تزايد في حجم المديونية والتي زادت من 5.3 ترليون دولار في سنة ٢٠٠٠ الى اكثر من 32 ترليون دولار في العام 2022 , لتصبح امريكا اكبر دوله مدينه في العالم .
كانت الصدمه الكبرى في سنة ٢٠٠٨ والتي سميت بازمة الرهن العقاري واتت هذه الازمه بعد احتلال العراق وقبلها افغانستان ، كانت امريكا على حافة الافلاس .
واقعياً الدولار بدون تغطيه واستطاعت امريكا ان تبيع هذا الوهم للعالم واصبحت في سلوكها تشبه العصابه التي تمتلك مطبعه وتنتج عملات بلا قيود . والسؤال المطروح هل ينهار الدولار ؟
هناك عدة عوامل داعمه للدولار ولا يمثل انهيار الدولار مصلحه لها وهي :
١- استثمارات دول العالم في السندات الامريكيه وتبلغ هذه الاستثمارات سبعة تريليون دولار . وتتصدر الصين واليابان وبريطانيا مجموعة هذه الدول ، اذ تحمل الصين 1.3 تريليون دولار من هذه السندات ويليها اليابان التي تحمل 1.2 تريليون دولار .
٢-الدولار يشكل ٦٠٪ من احتياطات الدول في بنوكها المركزيه بينما يشكل اليورو ٢٥٪ .
٣-عدم وجود عمله دوليه تحل محل الدولار .
٤-افلاس مجموعه من الدول المرتبطه عملتها بالدولار .
٥-الفوضى والركود التي يمكن ان تحدث في الاقتصاد العالمي .
٦-خسارة دول كبرى للسوق الامريكي خاصه الصين والتي تحتوي على ١٥٠٠ شركه امريكيه تعمل بداخلها وتسوق معظم منتجاتها في السوق الامريكي .
هذه الاسباب جعلت امريكا تنجح في نقل وتصدير ازمة الدولار من الداخل الامريكي الى العالم وتمعن بطبع الدولار بدون اية تغطيه . هذا وتشكل الدولارات خارج امريكا ٧٥٪ من المجموع الكلي للدولار .
لكن هذا الواقع القائم على هذا الابتزاز الامريكي للعالم لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهايه .
والمهم ما هو واقع الدولار حالياً ؟
الدولار مهدد بالانهيار للاسباب التاليه :
١-الاقتصاد الامريكي ينهار بسبب العولمه وخروج الصناعه وتحول امريكا الى مستورد ومستهلك ومنتج للخدمات ،وخروج مشروع العولمه عن السيطره .
٢-عجز الحساب الجاري وهو اوسع مؤشر لقياس الاختلال في التوازن الدولي وهذا الاختلال يتكرس لصالح الصين .
٣-انخفاض معدل المدخرات الوطنيه الصافيه ( وهو مجموع مدخرات الافراد والشركات والقطاع الحكومي ) انخفاض قياسي ودخوله في المنطقه السلبيه للمره الاولى .
٤-الضغط الامريكي على دول العالم عن طريق فرض العقوبات على الدول والشركات والافراد وشن الحروب ……الى الخ .مما ادى الى تفكير مجموعه كبيره من الدول الوازنه بالانفكاك عن الدولار ومن هذه الدول منظومة البركس ( الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا ) .
٥-الانفاق الواسع الذي انفقته امريكا في الداخل على الافراد والشركات على شكل معونات بسبب فيروس كورونا وذلك لتحفيز الاقتصاد ، اذ بلغ هذا الانفاق لحد الان 3.5 ترليون دولار على امل تنشيط الاقتصاد ، لكن في ظل اقتصاد مفتوح دائرته الاقتصاديه تبداء في السوق الامريكي وتنتهي بمصانع الصين ، فاءي انفاق يزيد من القدره الشرائيه في السوق الامريكي المتخم بالمنتوجات الصينيه فيتحول هذا الدعم الى الصناعات الصينيه ويزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري المختل اصلاً .
٦-الانفاق العسكري الضخم واستمرار امريكا في النهج الاستعماري والهيمنه على العالم بدون وجه حق ولعب دور الشرطي على العالم .
لهذه الاسباب مجتمعه يعتبر سقوط الدولار حتمي عن طريق التضخم الصارخ ، ويمكن ان يكون لهذا التضخم مصلحه للاقتصاد الامريكي فكل دولار تصدره امريكا هو بمثابة تعهد حكومي لحامل هذه الورقه بالدفع ( اي دين على الدوله) ، فلو عادت الدولارات الموجوده في الخارج الى السوق الامريكي فان تراب امريكا لن يكفي تغطية هذه الكميه النقديه .
بسقوط الدولار الحتمي يكون هذا مقدمه لسقوط امريكا وتراجع هيمنتها على العالم وتتوقف العولمه ، ويمكن ان تتفسخ امريكا مثل ما حدث في انهيار الاتحاد السوفيتي ،وتكون من نتائجه ضياع المدخرات وسحق الطبقه الوسطى والفوضى داخل امريكا وفي دول العالم . كذلك يمكن ان يكون الانهيار مفاجىء بشكل صارخ او هبوط متدرج بشكل متوالي .