لا ادري لماذا ربطت طوال حياتي وخلال حياتهما وبعد حياتهما بين غسان كنفاني ووميض مظمي.
أقول لا ادري لكن الربط موجود وكلما فكرت باحدهما برز الثاني الى جانبه وارتسمت على شفتيهما ابتسامة هادئة مطمئنة متفائلة مصممة على الانتصار عرفت غسان قبل ان اعرف وميض عرفت غسان عندما كنت تلميذا في الجامعة الامريكية وعملت معه لاساعده في ملحق فلسطين الذي كان يصدر عن جريدة المحرر منذ العام 64 وكنت وقتها طالبا في الجامعة زكانت مجموعة من الطلبة قد انضمت ألي في زياراتي لغسان كان دائما يعمل لساعة متأخرة وحده يرسم بالصورة او بالحرف لكنه لم يرسم الا لفلسطين وللوحدة العربية وعرفت وميض بعد ذلك بأربع سنوات تعرفت عليه بعد الهزيمة بعد الصدمة الكبيرة بعد الصدمة الكبيرة التي منينا جميعا بها قوميون وناصريون وعرب اقحاح وطنيون وثوريون اصبنا بتلك الصدمة صدمة الهزيمة ورحنا كل يفيع في طريقه في محاولة لخض الليل حتى تصحى الجماهير لتصنع ويل عدو الامة العربية .
كل الكوادر كل القيادات كل الأعضاء في كل الأحزاب الوطنية والقومية والثورية أصيبت بالصدمة لكنها صحيت وهبت واقفة مشدودة العضلات والاعصاب لتنطلق في أي اتجاه رغم ان الاتجاه لم يكن واضحا لدى كل الذين هبوا واقفين وكنت من الذين هبوا وكنت من الذين عرفوا اين يتوجهون …
الكفاح المسلح .. الكفاح الشعبي المسلح .. .. حرب الشعب …
رحنا نحشد ونعبىء ونجند ونحث الشعوب على الاستيقاظ واليقظة والتحرك والسير للامام وحمل السلاح ومواجهة عدو الامة التي يقاتلها هذا العدو لدفنها ولانهائها بدأَ بتمير الشعب الفلسطيني مرورا الى تدمير الامة العربية .
هنا عند هذا المفرق التقيت بوميض نظمي .
كان ذلك في العام 68 وكنا قد تجمعنا في بيروت وتناولنا كل منا مهماته في الميدان في الحشد الشعبي المسلح في تجميع السلاح في تأمين المال في تعبئة الناس في خض الليل الذي خيم على الامة العربية خضه حتى يزول وحتى يصرخ المواطن تلو المواطن ليصبح الصراخ هديرا خضي الليل يا امتنا خضي الليل حتى تتمكني من زرع الويل في صدور العدو الذي يحاول اثناءك وخنقك ومنعك من النهوض والتطور .
وكانت أولى جولاتي في المملكة المتحدة انجلتر حيث كان اتحاد الطلبة العرب والذي كان يقوده شباب من حركة القوميين العرب وحزب البعث قد رتبوا تلك الزيارة لاعطي محاضرات في اكثر من عشر جامعات برسطانية باللغتين الإنجليزية والعربية ولاجري لقاءات مع اتحادات العمال الانجليز واتحادات العمال الأجنبية في إنجلترا ومنها اتحاد العمال اليمني في مانشستر وكي أحاول ان اجند من العمال والطلبة العرب والأجانب دعما لحركة الكفاح المسلح الذي بدأنا بخوضه لينمو ولينتصر .
وفي اسكتلندا كان قد رتب لي اكثر من محاضرة وكان أهمها المحاضرة التي أعطيت لجسم الجامعة بأكملها في ادنبرة وكان رئيس اتحاد الطلبة العرب في اسكتلندا شاب عراقي وسيم هادئ يبتسم دائما وكانه لا يعترف بالصعاب ولا يرى أي عقبة لايمكن ان يتخطاها الانسان العربي بإرادة وهدوء وتخطيط وكفاءة .
ذلك الشاب كان وميض نظمي كان كما يبدو اكبر مني سنا وعندما شاهدني خشي ان لا أكون قادرا على إعطاء محاضرة باللغة الإنجليزية فقام وجلس الى جانبي وقال لي اخي بسام انا مستعد ان اترجم لك كلمتك اذا كان ذلك يساعدك فقلت له يسعدني ان اقف الى جانبك على المنصة لكن ساحاول وقلتها بتواضع وانا اعرف قدرتي وانني امتلك اللغة امتلاكا جيدا واستطيع ان احاضر بها دون ان تكون محاضرتي مكتوبة بلغة انجليزية سليمة وبقدرة عالية انشاءالله .
لم يتردد وميض لانه كان يخشى بالفعل ان لا أكون قادرا على القاء محاضرة باللغة الإنجليزية خاصة ان المدرج الذي القيت فيه الكلمة كان كدرجا كبيرا وكانت الصفوف الأولى تمتلىء بالاساتذة والمسئولين من الجامعة ونبهني وميض نظمي نبهني الى ان الحضور راقي جدا ومرتفع المستوى ولذلك يجب ان أكون دقيقا وان لا اترجم من العربية كلمتي وان اتحدث بالانجليزية لاناس يتقنون الإنجليزية مباشرا وبشكل صحيح ابتسمت وقلت لوميض اطمئن وانا اريدك الى جانبي لانك تبث التفاؤل في ولي الشرف ان تكون الى جانبي بعد ان تقدمني وكان من المفترض ان يقدمني هو الىالجمهور الذي سيستمع للكلمة وقدمني وميض باختصار وتهذيب شديد وجدية شديدة تماما فهو يعلم أسلوب الانجليز وماذا يحبون وبدأت بالقاء المحاضرة بهدوء شارحا الظروف التي نمر بها وشارحا العوامل التاريخية التي أدت الى وضعنا هذا فتناولت بنقد شديد يكاد يصل الى الاتهام بالجريمة كل الذين ساهموا بوعد بلفور وسببوا الكارثة للشعب الفلسطيني ويحاولون منع الوحدة العربية حتى تبقى جموع الامة العربية مفرقة ولا تمتلك من القوة ما يمكنها من تحقيق العدالة واستخلاص الحقوق خاصة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ودعوتهم الى تاييد حق تقرير المصير وناشدتهم ان لا يتناقضوا فيما يعلموه كاساتذة حول حق الانسان بتقرير المصير وما تتصرفه حكوماتهم بشطب تلك الحقوق حيث حق تقرير المصير على رأسها وظلم الشعوب ونهب ثرواتها هذا اختصار للمحاضرة وقوبلت المحاضرة بعاصفة من التصفيق وبعض كبار المسئولين طبلوا على الطاولات وهذا تقليد بريطاني للمسئولين عبارة عن التاييد لما قيل وعندما انتهيت قام وميض بالسلام علي ومعانقتي وقال انا آسف لم اكن ادري انك مفوه بالانجليزية واحسن من أي أستاذ في إعطاء الحقائق بشكل مباشر قال لي اشكرك وجلسنا طويلا وتحدثنا قبل مغادرتي اسكتلندا الى ويلز حيث القيت محاضرات والتقيت مع نقابة عمال السفن والتقيت مع نقابة عمالسكة الحديد ونمت على الرصيف معهم واكلت سمكا نيئا معهم لاكون واحدا منهم ولاخبرهم ان شعبنا يجوع لانه نهبت ارضه ونهبت حقوقه .
غادرت إنجلترا بعد ان وثقت معي طرق الاتصال بوميض وبقيت على اتصال معه بين الفترة والأخرى وبين الحين والآخر الى ان تخرج هو وعاد الى بغداد والتقيت به في بغداد وكانت جلسة هادئة رائعة ومنه علمت أشياء كثيرة عن تاريخه وعن نضاله وعن ايمانه ثم جاء من يبلغني بما لم يقله هو كان ذلك أبو محمود هاني الهندي وهو مناضل كبير رحمه الله ومن مؤسسي حركة القوميين العرب كان يعتبر وميض نظمي قوميا مثاليا فكان يرفض تلك الخلافات الشكلية بين القوميين العرب وبين البعثيين ويقول انه هدر للوقت والجهد انه شكل لا نابع له ولا منبع سوى مصالح شخصية فئوية تافهة امام مصلحة الوطن والأمة يجب ان تختفي كل تلك التناقضات والتناقضات كان قوميا نموذجيا خالصا لا مصالح له سوى مصلحة الامة ورقيها وتقدمها وكان ذلك مشروطا بوضوح وحدة الامة فلا يمكن ان تتقدم وان تصعد وان ترتقي دون ان توحد جهدها لماذا كان ذلك واضحا لديه ان وحدة الامة هي طريق تحررها وطريق سيطرتها على ثرواتها المنهوبة وسيطرتها على ثرواتها المنهوبة هو طريق العلم والتقدم الصناعي والبحث العلمي والتقدم العلمي وارتقاء المجتمع وبناء البنية التحتية وتصنيع البلد ومكننة الزراعة كل ذلك كان ينبع من وحدة الامة العربية ذلك كان وميض نظمي ومرت الأيام وعلمت من هاني الهندي ان وميض نظمي هو من اقرب الأصدقاء لصدام حسين وانهما كانا تلميذان يجلسان على طاولة واحدة في المدرسة وان صدام يحترمه كثيرا وانه عندما عاد من دراسته عرض عليه الرئيس صدام حسين اية وظيفة او اية وزارة او اية مسئولية ورفض وقرر الانضمام الى السلك التدريسي الجامعي الاكاديمي فبدأ بالتدريس في الجامعة وترك كل المناصب التي عرضت عليه رافضا ان يكون من أصحاب المناصب واثقا من ان العمل الجدي هو في صفوف الشعب ، كنت اشبهه لغسان كنفاني والآن تذكرت انني كنت اشبهه لباسل الكبيسي الذي استشهد في باريس برصاص الصهاينة نتيجة عمله المكافح المناضل الصامد كقومي عربي من اجل قضية فلسطين كان أيضا يمتلك نفس الصفات ونفس الميزات كان رجلا راقيا فكرا وعملا وصبورا فكرا وعملا ومجاهدا بنفس طويل ومؤمنا بان الوحدة العربية سوف تقوم وان الوحدة العربية هي طريق تقدمهم وهي طريق انتصارهم على أعداء الامة وطريق سيطرة الامة على ثرواتها .
وميض نظمي كنت دائما اعتبره الثقة .
كنت اثق به بدرجة كبيرة كنت اثق ان اضع بين يديه ادق اسراري مطمئنا الى ان تلك الاسرار ستبقى محفوظة آمنة مطمئنة بين يديه هو رجل من خيرة الرجال هو رجل صادق كريم مضح مخلص جاد متقدم في تفكيره راقيا في ذلك التفكير دقيق كفؤ يمتلك كل الصفات اللازمة لتكون في كل مواطن او قيادي عربي حتى يكون منتجا لصالح امته وحتى يكون مفيدا لامته ومستقبلها ، غاب قبل خمس سنوات غاب باكرا قبل ان تنضج مساهماته في انقاذ العراق مما هو فيه لقد وقف موقفا حازما واضحا من الاحتلال وكل ما نتج عن الاحتلال شاهد بام عينه كيف ينشر العدو الفساد ويفسد وينهب ثروات البلاد وبدأ هو ومجموعة من أصدقائه الخلص الذين يتميزون مثله بنفس الصفات بدأو بالتحرك الهادىء لإنقاذ العراق مما غطسته الولايات المتحدة به ومما فرضت عليه من دستور هو سبب من أسباب تدمير العراق ومن تدمير للعراق وامكاناته ومن نهب لثروات العراق ومن افساد لمعظم اصحاب الدكاكين السياسية الذين اثروا ونهبوا من الفتات بينما تنهب أمريكا وانجلترا معظم الدخل العراقي هذا الشعب الذي كان يعيش بحبوحة وكان ديناره يساوي ثلاث دولار وثلث يقف الآن الذي يشحت من الولايات المتحدة ويستدين منها بينما ذهبه وماله ومعادنه ونفطه وغازه يسرق قياما قعودا من الولايات المتحدة وانجلترا وشركاتهما وممن يحكمون كردستان ويتعاونون مع إسرائيل ويقبلون ان تقيم إسرائيل قواعد على ارض العراق .
آه يا وميض ماذا أقول لك وقد غبت منذ سنوات خمس غبت وانت تعلم المخاطر التي يتعرض لها العراق وشعب العراق انت من الذين يعلمون ان شعب العراق موحد وما الآفة الطائفية الا بذرة لشق صفوفه واخضاعه وربما تقسيم ارض العراق وانهائه فارض العراق تحتلها قوى خارجية وتتصرف فيها كما تريد بينما يقتتل أصحاب الدكاكين السياسية من الذين نهبوا من الفتلت ماشاؤو يقتتلون على المناصب ليس من اجل العراق يقتتلون على المناصب من اجل حصص في الفتات من دخل العراق الذي ترميه الولايات المتحدة وانجلترا وإسرائيل للعراق بعد نهب ثرواته ماذا أقول لك أقول لك ان ايماني وايمانك بان النصر آت وبان امتنا ستصحو وتقضي على تناقضاتها التي زرعها الاستعمار والصهيونية في صفوفها سوف تنتهي وان وحدة الامة ستقوم وان ايمان الشعب بقدرته على تحقيق الانتصار ايمان لا يتزعزع وان هذا الشعب سوف ينهض ويمسك بالحربة مرة ثانية تماما كما امسك بها بعد هزيمة حزيران لينتفض الشعب وتتحقق انتصارات كثيرة ولذلك يتعرض جسم الامة لهجمة كبيرة من اجل الردة من اجل منع التقدم اكثر لكن التقدم سوف يأتي وراس التقدم سيكون هزيمة العدو الصهيوني ولن نتمكن من تحقيق اهدافنا الا بعد شطب هذه الجرثومة السامة الصهيونية الدموية العنصرية من بلادنا وهذا يتطلب شطب عملائها والمتعاونين معها وعلى راسهم هؤلاء المتعاونين في العراق لا يمكن ان يكون العراق قابلا بمن يتعامل مع إسرائيل بمن يخضع لاملاءات إسرائيل وواشتطن لا يمكن سوف يعلقون على اسوار بغداد سوف يعلقهم الشعب العراقي على اسوار بغداد ويقضي عليهم كما قضى على الملكية وعلى كل الطبقة التي اعتاشت من دماء الشعب اثناء الملكية وبعدها ربما .
نم قرير العين امتنا ستتابع مهما طال الزمن وستنتصر باذن الله