كتاب عرب
سوء تفاهم
أخشى أن يأتى علينا زمان تشيع فيه فى أوساط الإعلاميين الأجانب مقولة: أنهم يتعاملون معنا وكأننا مصريون. وهى مقولة ليست غريبة على أسماعنا منذ جاءت على لسان أم الباحث الإيطالى جوليو ريجينى الذى تحدثت التقارير عن أنه تعرض لتعذيب أفضى إلى مصرعه. وقد قالتها فى سياق اتهامها لمصريين بالضلوع فيما تعرض له.
أيا كان رأينا فى اللغط الذى أثير حول ما جرى لصاحبنا الإيطالى، فالشاهد أن ثمة مقدمات توحى بأن بيننا من يتعامل مع الإعلام الأجنبى بذات الأسلوب الذى تتعامل به السلطة مع الإعلام المصرى، ولعلى لست بحاجة إلى التفصيل فى النقطة الأخيرة، والتدليل على دور التوجهات فى صناعة الإعلام المرئى والمقروء. إذ ليس سرا أن النظام القائم فى مصر شديد الحساسية إزاء ما ينشر من نقد أو يبث عبر وسائل الإعلام وهى حساسية تزايدت مع تراجع منسوب الديمقراطية فى المجتمع. ومما يؤسف له أن ذلك التراجع لم يعد مقصورا على السلطة السياسية وحدها، وإنما أصبح مشهودا فى محيط السلطة التشريعية أيضا. والمثل الصارخ على ذلك وقع هذا الأسبوع، حين جرؤ أحد أعضاء مجلس النواب على انتقاد رئيس البرلمان فى أنه خالف لائحة المجلس، فما كان من الرجل إلا أنه انتفض غاضبا وقرر إحالته إلى لجنة القيم لمعاقبته على «تطاوله» بما يمكن أن يؤدى إلى إسقاط عضويته!
ضيق الصدر الذى يستفحل فى الداخل لم يسلم منه الإعلام فى الخارج. واتهام الرأى الآخر بأنه خصم تارة ومتآمر تارة أخرى أصبح قاعدة فى التعامل مع ما تنشره الصحف الأجنبية أو تبثه الفضائيات الأخرى التى لا صلة لها بالصراع السياسى الدائر فى مصر. إذ يغيب عن البال أن تلك المنابر تمارس حريتها فى التعبير فى مجتمعات ديمقراطية، وأن ما تمارسه من انتقادات ليس مقصورا على مصر وحدها، وإنما له نظيره فيما يتعلق بالأقطار التى تنطلق منها وما كان لها أن تتطرق إلى الحاصل فى مصر لولا أنها بلد له أهميته فى المنطقة بحيث لا يمكن تجاهله. وبالمناسبة فإن بعض الصحف الأمريكية التى تصنف باعتبارها من خصوم النظام القائم فى مصر، نيويورك تايمز وواشنطن بوست مثلا توجه انتقادات للرئيس الأمريكى الحالى وإدارته أقسى بكثير مما تتحدث به عن مصر.
لقد خصص رئيس تحرير «الأهرام» المقال الرئيسى لعدد الجمعة الماضية (٢٤/٣) للهجوم على قناة «دويتش فيلا» الألمانية لمجرد أن الإعلامى المصرى المعروف يسرى فودة قدم حلقة عن أوضاع مصر الراهنة فى برنامجه الأسبوعى الذى يقدمه على شاشتها. ولأنه كان ناقدا وخرج عن الوضع المألوف فى البث التليلفزيونى المصرى، فقد اعتبرت القناة ضمن «مراكز التحريض»، ووصف البرنامج بأنه «ينضح بالعداء الصارخ لمصر»، وهو تعبير عن الحساسية المفرطة من جانب الأجهزة المعنية إزاء أى نقد فى الداخل أو الخارج.
فى عدد الثلاثاء ٢٨/٣ نشرت «الأهرام» أيضا تقريرا مما تعده الأجهزة المعنية لما ينشر عن مصر فى الخارج. كان عنوانه «فصام إعلامى بريطانى تجاه مصر». والتقرير لم يكن تحليلا يفيد القارئ بقدر ما كان محاكمة اتهمت عموم الإعلاميين البريطانيين بأنهم لا يذكرون مصر بخير، ومما أخذه التقرير على وكالة «رويترز» أنها تصر على أن أى حادث يقع فى العريش أو رفح إنما وقع فى سيناء، دون الإشارة إلى أنه فى شمال سيناء فقط. وهو ما اعتبر من القرائن الدالة على سوء نية الإعلام البريطانى.
لا تخلو الملاحظة من مفارقة. ذلك أن التقرير طالب الوكالة البريطانية بالتدقيق وحصر الإرهاب الحاصل فى مدينتى رفح والعريش فقط، وعدم تعميمه على كل سيناء، لأسباب متعلقة بجذب السياح البريطانيين. والمفارقة فى الموضوع تتمثل فى أنه فى حين أن الأسباب السياحية استدعت ذلك، فإن الأسباب السياسية الداخلية فرضت على الإعلام المصرى التهويل من حجم الإرهاب بحيث لا يعمم على سيناء وحده فقط، وإنما يعمم على مصر كلها. وذلك مما يقتضيه الخطاب التعبوى الساعى إلى التخويف من الإرهاب واعتباره خطرا يستهدف إسقاط الدولة وتهديد وجودها ــ إن المشكلة ستظل قائمة ما لم تصحح النظرة بحيث يعامل الإعلام فى الخارج بأسلوب مغاير عن الذى يعامل به الإعلام المصرى.
فهمي هويدي
243 تعليقات