فيض الخاطر.. الرواية ونقد النقد / كلثم جبر الكواري
من الظواهر السائدة بين المُبدعين السرديين كثرة الإنتاج الروائي لا في دولنا الخليجية فقط، بل وفي دولنا العربية بصفة عامة، وأي حَراك إبداعي إذا لم يُسانده نشاط نقدي سيظل يدور في حلقة مُفرغة إلى أن يتسنى له من يفتح أمامه مُبادرات نقدية هادفة تيسر له الاستقامة والذيوع، وتُكسبه الصلابة والديمومة، وفي بلادنا يمكن مُلاحظة هذه الظاهرة بشكل واضح، بعد أن تضاعفت أعداد الروايات، دون أن يرافق هذا الكم مضمون يُعبّر عن مُحتوى قادر على الصمود في وجه تحديات النقد البناء الذي ما زلنا بحاجة ماسة إليه، من أجل تقويم مسار الرواية، ووضعها في مكانها المُناسب، ولعل هذه الكثرة في الكَم هي السبب -أو هي من الأسباب- التي أدت لتراجع النقد عن مواكبة كثرة الإنتاج الروائي في بلادنا، بما يعنيه ذلك من تهميش لأعمال روائية ناجحة، قادرة على المُنافسة لمُنتج الدول العربية الأخرى الروائي.
وأصعب ما في الأمر أن يتصدّى للإنتاج الروائي الجديد أولئك الذين سبق أن قدموا العديد من الروايات ذات المُستويات المُختلفة، وكأن مَيدان الكتابة الروائية مُقتصر على ما يُنتجونه من روايات، دون منح غيرهم فرصة التجريب والمُحاولة الجادة لتقديم مُنتجهم الروائي الجديد، بحجة ضعف ما يُقدَّم في هذا الميدان من مُحاولات شبابية غير ناضجة، وهم الذين كانت بداياتهم مُتواضعةً إلى أن صقلت التجارب مواهبهم، وقدموا ما يعتبرونه مُنتجًا روائيًا ناجحًا، رغم احتمالات عدم صموده أمام أي حَراك نقدي موضوعي، وهو ما يفتقر إليه مُنتجنا الإبداعي الروائي وغير الروائي.
صحيح أن الكثرة في الإنتاج الروائي قد يعتريها بعض الضعف، لكن الصحيح أيضًا أن الصالح منها هو الذي سيبقى، وهو أمر لن يتحققَ إلا مع وجود حركة نقدية موضوعية، تستطيع أن تُفرز الغث من السمين، دون أن يستهدف وبشكل إجمالي كل مُنتج روائي جديد، رغم ما قد يتضمنه بعضه من إبداع جميل، يمكن إلحاقه بالحركة الروائية المُتميزة في وطننا العربي، وذلك هو الذي يمكن أن نُطلقَ عليه اسم النقد المُغرض، وهذا النوع من النقد بحاجة إلى نقد يحدّ من سطوته وتأثيره السلبي على مُنتجنا الروائي، وفيه الكثير من الإبداعات الواعدة التي يفترض الأخذ بأيدي أصحابها، لتستقيم خطاهم في هذا الميدان السردي الجميل، وخير وسيلة لتحقيق هذه الغاية هو وجود نقد أكاديمي يملك أدوات النقد البنّاء، ليُقوّم مسار مُنتجنا الروائي بحياد وموضوعية.
علينا أن نعرفَ أن ميدان الإبداع واسع وقادر على استيعاب التجارب الجديدة دون خوف من الكم طالما هناك رغبة لتحقيق الكيف بمُحتواه الفني المُتميز، وهي رغبة يفترض أن تتوفرَ لدى كل من يُقْدِم على خوض الكتابة الروائية بحرص وشغف وإصرار على الجودة والتميز، وأن نوقدَ شمعةً خيرٌ من أن نلعنَ الظلام.