هل هي مسرحية فارسية ؟ / معصوم مرزوق
هالني ما سمعته وقرأته من تعليقات عربية على الهجوم الذي شنته إيران مساء أمس السبت ١٣ إبريل ٢٠٢٤ ، فبعضه ركيك ومتعجل خاصة من أبواق إمريكا وإسرائيل في البلاد العربية من تلك النخب الملوثة التي ابتلانا بها الله كي تكون إمتدادات سرطانية في شرايين الفكر العربي ، وعلي رأسها ” جماعة كوبنهاجن ” التي كانت قد توارت إثر الربيع العربي ، ثم عادت مؤخراً تطل برأسها كي تغسل أوساخ الجرائم الصهيونية ، وتدافع بلا خجل عن ذلك الكيان المغتصِب ، وتهاجم بضراوة المقاومة الفلسطينية ، وتتهمها بأنها سر المحنة التي حلت بأهل غزة الكرام ..
بعض التعليقات العربية الأخرى ، وخاصة الرسمية ، لم تحمل جديداً ، فهي مثلاً في تصريح الخارجية المصرية تصف التطورات الأخيرة بأنها تصعيد خطير، وليست إلا نتيجة مباشرة لما حذرت مصر منه مكرراً من مخاطر اتساع الصراع نتيجة لحرب إسرائيل علي قطاع غزة .. أما الإمارات فقد اكتفت بالمطالبة بوقف التصعيد الإقليمي ، وتفادي العواقب الخطيرة ، مع التحذير من مزيد من عدم الاستقرار .. وكذلك طالبت السعودية عدم التصعيد ، بينما اكتفت قطر بالإعراب عن قلقه العميق ..
أما الأردن ، فقد انفردت بكونها الدولة العربية التي شاركت في إسقاط بعض المسيرات والصواريخ الإيرانية ” وهو ما صرح به رئيس وزرائها السيد بشير الخصاونة قائلاً ببلاغة دبلوماسية فريدة : ” أنه تم استهداف أشياء أجنبية كانت تطير في سماء الأردن ” ، ولكن علي أي حال انضمت الحكومة الأردنية إلي نفس التصريحات العربية ” المعتدلة ” في دعوة الأطراف إلي ممارسة ضبط النفس ، ومعالجة التوتر الإقليمي بانضباط ومسئولية ..
وهكذا راوحت التعليقات الرسمية العربية تتحدث في المطلق ، دون تحديد من فعل ماذا ، وأين تقع المسئولية ، وما علاقة كل هذا بالمذبحة التي ترتكب في غزة دون توقف حتي اليوم ..
وعلي المستوي الدولي ، فسآكتفي ببعض الأمثلة الدالة ، فقد طالب سكرتير عام الأمم المتحدة الوقف الفوري للعدائيات في الشرق الأوسط ، وأن يتحلي جميع الأطراف بضبط النفس وتفادي أي فعل يؤدي إلي مواجهات عسكرية كبيرة في جبهات متعددة في الشرق الأوسط .. فيما صرح رئيس وزراء كندا جاستين ترودو بأن الهجمات الإيرانية ” تؤكد مرة أخري عدم احترام إيران للسلام والإستقرار في المنطقة ، وأن كندا تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وشعبها ضد هذه الهجمات ( دون أن نسمع منه أي تعليق علي حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه ) .
ولم يكن مستغرباً أن الخارجية الأوكرانية قد استنكرت الهجوم الإيراني ووصفته بأنه غير مقبول وغير مسؤول ( فقد أعلن رئيسها غير مرة إنه صهيوني أصيل ، وقد تساءل البعض في أوكرانيا ، إذا كان لدي أمريكا وبريطانيا القدرة علي صد مئات المسيرات والصواريخ الإيرانية حماية لإسرائيل ، فلماذا لا يقومون بنفس العمل حماية للشعب الأوكراني الذي يتعرض لهجمات لا تتوقف من مسيرات وصواريخ روسيا .. ولعل الإجابة علي هذا السؤال تتلخص في أن آوكرانيا ليس لديها لوبي قوي في واشنطن مثل إسرائيل ) ..
أما رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك فقد سارع بالكتابة علي موقع x : ” أن بريطانيا سوف تواصل الوقوف إلي جانب إسرائيل وحماية أمنها ، وكذلك كل الشركاء الإقليميين بما في ذلك الأردن والعراق .. وأن إيران أثبتت مرة أخري أنها عازمة علي نشر الفوضى في محيطها الإقليمي ” و ( لم يتذكر مستر سوناك السبب الرئيسي في هذه الفوضى خاصة وأنها في الأصل ” صناعة بريطانية ” ، وعلي الأقل تتحمل بريطانيا مسئولية تاريخية وأخلاقية – بل وقانونية – عن كل دماء العرب واليهود التي سالت في فلسطين علي مدي ٧٥ عاماً ، فهي مصدر الوعد المسموم ، رغم مسؤلياتها كدولة انتداب علي ” فلسطين ” وفقاً لقرار عصبة الأمم ، فإذا بها تتركها بإسم جديد ، والوثائق الآن تكشف الكثير من العار الذي حمله قادة بريطانيا في خلق هذا الكائن الوحشي ، وخاصة الصهيوني الأكبر ” تشرشل ” الذي قام بدور مركزي في هذه المآساة .. لا .. لم يتذكر ذلك مستر سوناك ، وإلا لتذكر أيضاً ما فعلته بريطانيا العظمي من جرائم في بلد أسلافه ) .. وللأسف ، التاريخ ليس سيناريو يتم كتابته بعد انتهاء عرض الفيلم ! ..
أما أيرلندا التي حافظت علي موقف متوازن حيال ما يحدث حالياً في غزة ، فقد طالبت الطرفين بضبط النفس وتفادي التصعيد بعد الهجوم المتهور ) reckless) الذي شنته إيران – علي حد وصف الخارجية الأيرلندية – …
وفي ألمانيا ، كتب المستشار الألماني شولتز علي موقع x : ” أن الهجوم الإيراني غير مبرر وغير مسئول ، وأن إيران تخاطر بتصعيد آخر في المنطقة ، وأن ألمانيا تدعم إسرائيل ، وسوف تبحث الأمر مع الحلفاء ” ..وربما لدي الهر شولتز عذره نظراً للعاهة المستديمة التي خلفتها جرائم أسلافه من النازي ، رغم أنه لم يفسر لماذا يدفع الفلسطينيون ثمن هذه الجرائم من دمائهم ؟.
أما فرنسا ، فقد أكد إيمانويل ماكرون علي التزام فرنسا بأمن إسرائيل ، ومع ذلك طلب ضبط النفس ! .
وكان لافتاً ، أن البابا في الفاتيكان أثناء صلاة الأحد ، خاطب الجموع الغفيرة مشيراً إلي الهجوم الإيراني في اليوم السابق ، حيث طالب كل الأمم إن تنحاز للسلام ، وتساعد الإسرائيليين والفلسطينيين للعيش في دولتين متجاورتين في أمان ..
أما الصين فقد صرح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية : ” أن الصين تعبر عن قلقها الشديد من التصعيد الحالي ، وأن ذلك هو آحد تداعيات الصراع في غزة ، وأن وقف إطلاق النار يجب تطبيقه دون إبطاء ” ، وهو ربط في محله تماماً.
فيما آعلنت الباكستان أن الهجمات الإيرانية هي نتيجة ” لفشل الدبلوماسية ” ، وأن باكستان ظلت لأشهر تدعو لبذل جهود دولية للحيلولة دون توسع العدائيات في المنطقة ، ومن أجل وقف إطلاق النار في غزة …( وهو نوع من إبراء الذمة لا غبار عليه ).
وأخيراً ، اقتصر الموقف الروسي علي مطالبة كل الأطراف بضبط النفس .
ويبدو أن كل هذا الزخم من التصريحات الإقليمية والدولية لم يكن كافياً كي يقنع ” الآبواق العربية الناعقة دفاعاً عن إسرائيل ” ، حيث أخرجت تلك الأبواق بعض السيناريوهات العبقرية من قبعاتهم ، وطفقوا يرددون منذ الإعلان الأول عن بدء الهجوم الإيراني أنه مسرحية مرتبة تم الاتفاق عليها بين الأطراف الرئيسية الثلاثة ( إيران وأمريكا وإسرائيل ) تارة من أجل حفظ ماء وجه طهران التي آقسمت أكثر من مرة علي القصاص من إسرائيل بعد إعتداءتها المتكررة علي إيران واغتيال قادتها وعلمائها ، والدليل علي ذلك أن من يخطط لعملية عسكرية بهذا الحجم ، لا يعلن قبل أن يقوم بها عن تفاصيل هجومه ، ثم يرسل مسيرات تقطع حوالي ١٨٠٠ كم لتصل بعد ساعات طويلة إلي إسرائيل ، التي ستكون هي وحلفاؤها ( بل وشركاؤها في المنطقة ) قد آعدوا العدة لصد الهجوم ، ثم زاد التآكيد بعد آن انتهي الهجوم بالفعل ، وصرح المتحدث العسكري الإسرائيلي أنه تم إسقاط حوالي ٩٩٪ من المسيرات والصواريخ الإيرانية ، وهذا يعني أن المسرحية قد اكتملت كما خُطط لها : ” انقاذ ماء وجه طهران ، وعدم إهراق ولو نقطة دم صهيونية واحدة ، ولا مانع لكل طرف أن يحتفل بأنه المنتصر ” .. مسرحية قد لا تشجع مشاهد واحد علي متابعتها .. فهل كانت كذلك ؟ .
أما الأطراف الرئيسية في ” المسرحية ” ، وفي المقدمة بطلها ” إيران ” فقد كانت تلك هي المرة الأولي التي تقوم فيها طهران بهجوم مباشر من أراضيها ضد الأراضي الإسرائيلية ، وقبل ” طوفان الأقصى ” في السابع من آكتوبر الماضي ، كانت إيران تتلقي ضربات متعددة من إسرائيل في مواقع إيرانية في سوريا والعراق ، بل وداخل إيران نفسها ، وفي كل مرة كانت تتوعد بالرد ، ولكنها لم تكن ترد .
فهل يمكن أن يكون ” بطل ” المسرحية ، قد تشجع وارتجل مستلهماً من ” الصفعة ” التي تلقتها العسكرية الإسرائيلية يوم ٧ آكتوبر وما تلاها من صفعات أثناء العمليات التي تمددت أشهراً طويلة في غزة ، وبشكل هز ” الهيبة الإسرائيلية ” التي كانت إسرائيل تعتبرها في حد ذاتها ” رادع معنوي ” ، تستخدمه إسرائيل لنشر الذعر بين جيرانها .
ليس هذا فحسب ، بل أن إيران أعلنت بشكل لا يحتمل اللبس آنه ” سترد ” بكل قوة ، وبشكل أكثر ضراوة إذا سولت إسرائيل لنفسها مهاجمة إيران ، آو حتي حلفاءها ( سواء أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا )، أو شركاءها ( هل يوجد هنا تلميح بشركاء عرب ؟ ) .
هل هي مسرحية بالفعل حين يقف حسين سالامي قائد قوات الحرس الثوري الإسلامي ويحذر من أن عملية ” الوعد الصادق ” ( ربما للمغايرة مع التوعد المتكرر السابق ) قد أدخلت ” معادلة جديدة ” علي الصراع ، حيث سيتم الرد بشكل مباشر كلما هاجمت إسرائيل المصالح الإيرانية ( وقد سبق لكاتب هذا المقال أن صرح كتابة وشفاهة في لقاءات مسجلة أن ما حدث في السابع من أكتوبر سوف يحدث تعديلات عديدة في المعادلات المتجمدة في الشرق الأوسط ) .
وهل تكون مسرحية حين يصرح ساردار باغاري رئيس أركان الجيش الإيراني مهدداً إسرائيل و” أمريكا ” ، ومحذراً من أي هجوم يتم علي إيران ، ويضيف أن بلاده أرسلت رسالة إلي أمريكا من خلال السفارة السويسرية تحذر واشنطن من التعاون مع إسرائيل في عملياتها المقبلة ، لأن قواعد آمريكا العسكرية في المنطقة لن تكون آمنة ، وسوف يتم التعامل معها .
أما الشخصية المحورية الثانية في “المسرحية ” فهي أمريكا ، التي حرصت علي الإعلان بشكل واضح بعد انتهاء العملية الإيرانية أن الرئيس بايدن اتصل مع ناتنياهو ، وأوضح له بشكل جلي ” أن أمريكا لن تشارك ” في أي عمليات هجومية ضد إيران ، مع استمرار التزامها بحماية أمن إسرائيل ضد تهديدات إيران ووكلائها في المنطقة ، بينما أكد بلينكن ( الذي كان قد أعلن بشكل واضح ” أنه صهيوني ” )، أنهم سيتشاورون مع حلفائهم و ” شركائهم ” في المنطقة ، خلال الساعات والأيام المقبلة ، وأن أمريكا تستنكر الهجوم الإيراني بكل قوة ، لكنها لا تسعي إلي التصعيد ، مؤكداً مواصلة دعم إسرائيل .
ويبدو أن ترامب قرر أن يستغل الفرصة أثناء وجوده في حملة إنتخابية في ولاية بنسلفانيا ، فقد أعلن : ” أن الهجوم الإيراني لم يكن ليحدث لو كان هو رئيساً لأمريكا ” وأضاف : ” أريد أن أقول ليبارك الرب شعب إسرائيل ، فأنهم تحت الهجوم الآن ” ، فهل كان بايدن يشارك في مسرحية قد تؤثر علي حظوظه في الانتخابات في الخريف القادم ؟ .
أما جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي ( وأحد رعاة إسرائيل في الإدارة الأمريكية ) ، فقد صرح ” أن قرار الرد علي إيران يتوقف علي إسرائيل ” ، أي أن الرجل ، ربما كصوت منفرد حتي الآن ، لم يحذر إسرائيل من مغبة الإقدام علي رد عسكري ، فهل يمكن أن تكون مسرحية لم يطلع علي نصها شخص في هذا الموقع الهام ؟ .
وعلي حد تعليق النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا ونائب رئيس لجنة المخابرات في الكونجرس ، حين تحدث إلي CNN فقد قال : ” أن هدف الهجوم الإيراني هو جعل إسرائيل ” مكاناً ” غير صالح للعيش ، بما يؤدي إلي انهيارها من الداخل إقتصادياً وإجتماعياً ” ، متساءلاً عن أثر ذلك الهجوم علي عدد السائحين في إسرائيل اليوم وفي الأسابيع القادمة ، آو علي الإستثمار وقطاع الأعمال في إسرائيل .. وتلك حقيقة لا يمكن أن يتغافل عنها أحد ، فهل وافقت إسرائيل علي مسرحية تضيف خسائر جديدة إليها ؟.
ختاماً .. لا أجد منطقاً لأولئك الذين يهاجمون المقاومة الفلسطينية ، ويعلنون العداوة ضد إيران لأنها علي حد تعليقات بعضهم : ” تدعم الإرهاب ، الذي هو في مفهوم هؤلاء هو المقاومة ” ، فلو كان هؤلاء يدافعون حقاً عن الأمن القومي العربي ، فلعلهم يعرفون المثل العربي الذي يقول : ” عدو عدوي صديقي ” ، وإذا كانت ثقافتهم الغربية لا تتيح لهم فهم ذلك ، فقد يقنعهم ما فعله تشرشل في أحلك آوقات الحرب العالمية الثانية ، وحين كانت القنابل الإلمانية تدك لندن ، وقرر أن يتحالف مع ستالين رغم كل الأصوات التي ارتفعت معارضة ، وحينها قال : ” لو آن هتلر قام بغزو الجحيم ، فمن المؤكد أنني سأمنح الشيطان بعض الصفات الطيبة ” ..
ولا يعني ذلك أن مواقف إيران مبرأة من النقد ، أو أنه ليس معلوماً أن نتنياهو كان يسعي منذ البداية كي يوسع دائرة الحرب كي يورط أمريكا وحلفاءها في شن حرب علي إيران ، وهكذا تكون أمريكا قد خلصت إسرائيل من قوة العراق بتدميرها ، ثم تخلصها من أقوي أعدائها حتي ولو بدماء وأموال أمريكية ، فضلاً عن أن ذلك قد ينقذ رقبة نتنياهو من حساب داخلي يبدو أنه يضيق عليه بشكل متزايد ، فهل يعقل أن إيران تقبل بلعب دور في مسرحية تنقذ نتنياهو من مصيره المحتوم ؟.
وعلي كل حال كان رأيي دائماً هو أن توسيع الحرب سيهدد الاستقرار والأمن في المنطقة كلها ، وربما العالم بأسره ، وأن السلام العالمي مرهون بأي خطأ في الحساب أو في التقدير ، وليس بين قادة العالم اليوم أمثال روزفلت أو تشرشل آو ديجول ..أمامنا نسخ باهتة من هتلر وموسيليني وتشمبرلين وشاوشيسكو .. وربنا يستر !!