كتاب عربموضوعات رئيسية
يوميات صائم: النبوة في نظر أثرياء مكة/ محمد رياض العشيري
فصّلت سورة الإسراء بعض الشيء في وصف القرآن الكريم في غير موضع منها حتى تثبّت قلب النبي الكريم في مواجهة اتهامات المشركين ومحاولتهم بث الشك في نفسه عليه السلام.
فهذا الكتاب نزل بالحق، وكان تنزيله مفرّقا بحسب الأحداث، ويجب أن يتلقاه الناس على مهل حتى يعوا ما فيه ويستطيعوا حفظه.
(وبالحق أنزلناه وبالحق نزل، وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا: ١٠٥)
(وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا: ١٠٦)
وهو كتاب هداية، فيه قصص الرسل والأنبياء السابقين، وفيه أمثال، وعظات وحِكم تذكرة للناس. وفيه أيضا شفاء ورحمة لمن آمن قلبه. لكن من كفر انصرف عنه قلبه، بل نفر منه وازداد خسرانا وكفرا.
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا: ٩)
(ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا: ٤١)
(ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا: ٨٩)
(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا: ٨٢)
ولا يستطيع الإنس والجن مجتمعين أن يأتوا بما يماثل هذا القرآن المجيد بتركيبه اللغوي المعجز، وبمحتواه المبهر المنير. ولا شك أن في هذا الإعجاز تعضيدا لنفس النبي الكريم.
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا: ٨٨)
ومن يدرك جلال القرآن وعظمته يؤمن به، بل يخر سجودا لله تعالى الذي نزله.
(قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يُتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا: ١٠٧)
وقد حاول مشركو مكة الطعن في القرآن فلم ينالوا منه. وهداهم عنادهم إلى محاولة تعجيز هذا النبي بطرح مطالب يعلمون أن محمدا لم يبعث لتلبيتها. وهي مطالب يحلم بها أصحاب الجاه والسلطان في مجتمع البادية وفي الصحراء: ينابيع متفجرة، أو بستان من النخيل والأعناب، تقطعه الأنهار.
(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا: ٩٠)
(أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا: ٩١)
وإن لم يستطع، أو إن لم يُرد، فليأت له ببيت من ذهب، أو فليصعد أمامنا إلى السماء، لكنا لن نؤمن بصعودك إلا إذا أنزلت علينا من عل كتابا نقرؤه.
(أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا: ٩٣)
ويبلغ العناد حده لدى طغاة مكة فيطلبون من محمد أن يسقط عليهم السماء ركاما إن استطاع، أو أن يأتي بالله – حاشاه جل وعلا – والملائكة جماعات جماعات.
(أو تسقط السماء، كما زعمت، علينا كسفا، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا: ٩٢)
وما كان رد محمد عليه السلام – الذي علمه ربه وهداه – إلا أن كرر على مسامعهم:
(هل كنت إلا بشرا رسولا: ٩٣)
وهذا ما يثير غيظ الطغاة المعاندين، الذين لا يحبون أبدا أن يفوتهم أي جاه أو مجد، وهم يحسبون أن النبوة والرسالة جاه وسلطان حُرموا منه، وخُص به محمد. وربما يكون انزعاجهم من إرسال الرسالة على بشر، هو ضحالة عقولهم التي لا تؤمن إلا بما هو معجز خارق لقدراتهم. وذلك لتكبرهم واعتقادهم أنهم أولى بكل شيء حتى لو كان النبوة أو الرسالة، إن نزلت على بشر، وهل هناك بشر – بحسب كبريائهم – أعظم منهم؟
(وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا: ٩٤)
أما الحجة الأخرى فهي كيف يرسل الله ملكا رسولا، وليس في الأرض ملائكة يمشون على الأرض؟ فما يطلبون ليس سوى تعجيز واهٍ لمحمد.
(قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا: ٩٥)
ورمضان كريم