قد يبدو للوهلة الأولى تنافي توظيف الجنس مع الدين دون إخلال أو خروج عن العرف والتقاليد؛ لكن فحماوي استطاع ببراعة الكاتب أن يوظفهما في بعض رواياته دون مساس بالمبادئ والثوابت الإسلامية، ففي رواية سروال بلقيس تردّ الأرملة حمدة المحمودية على صديقتها في الشقاء صالحة السمراء والألم يعتصر قلبها والحسرة بادية على وجهها تقول عن فقدان زوجها:
” أنت رغم الهجرة، بعدك ملمومة على زوجك أبو خضر ـ الله يخلي لك إياه، ويخليه لشبابه، أمّا أنا فالهجرة حرمتني حتى من الزوج اللي يحميني، بتلاقيني قاعدة لحالي، والصقور والغربان والوحوش بتحوم حولي… الكل في هذه العيشة مثل الحيّة اللي حكينا عنها، قاعدة تتصيّد للعصفور!”([1])… فالتهجير لم يقتلع الفلسطيني من أرضه فقط، لكنه شتت العائلات، وحرم الأبناء من آبائهم، والزوجات من رفقاء دربهن. إذ يسلّط الروائي الضوء على نقطة حسّاسة، وهي احتياج المرأة لزوجها جنسيا، لكونها طبيعة بشرية، يتناول هذه القضية بأسلوب متنوّع، يميل أحيانا إلى الأسلوب الساخر عن طريق الوصف، وحينا آخر بأسلوب التحسّر. يقول الراوي عن حمدة المحمودية معلقا على قول بلقيس لها:
” وبالفعل فلقد ضغطت بلقيس بإصبعها المالح على جرح حمدة المحمودية، التي تكابد حرقة وحدتها(… ) لا شك أنها تشعر بحاجتها إلى رجل يفلحها، ويفكك عن جسدها اكتئابات الهجرة، وعُقد التعب، وعذابات تحمّل المسؤولية، والخوف من المجهول..”([2]).
المرأة في الظروف الطبيعية تحتاج زوجا يكون بجانبها ليتعاونا على متاعب الحياة، وتشتدّ حاجتها إليه حين تُهجّر عن وطنها، وتصعب الحياة أكثر، وتصبح لقمة العيش عسيرة إن لم تكن مستحيلة، وتفتقد الأمن، ويغيب الأمان، مع حاجتها الطبيعية الفسيولوجية التي خلق الله الإنسان عليها. وجاء التشبيه لبيان نظرة بعض البشر للمرأة الوحيدة، إذ شبهها بالعصفور الذي تتربص به الوحوش والغربان والحيّات لتنقض عليه وتلتهمه.
يوظّف الروائي الجنس خدمة للقضية التي يتناولها، لكنه لا يتجاوز حدود اللباقة والأدب في تناوله للجنس، بل يحاول أن يظهر بعض وجوه المعاناة التي تعيشها المرأة التي فقدت زوجها في الحرب والتهجير على يد الاحتلال، فللمرأة متطلّبات وحقوق لا يمكن تجاهلها، ومن هذا المنطلق، ولتوجيه الأنظار إلى تلك المأساة يسرد الراوي قصة حمدة المحمودية التي استشهد زوجها وترك في رقبتها ثلاثة أبناء، فما كان اللقاء الجنسي العابر بين حمدة والشاب مسعف إلا نتيجة الحرمان الطويل الذي عاشته المرأة وتعبيرا عنه، لكن شعورها بالخوف من الفضيحة، وبالإثم الذي اقترفته كل ذلك زاد من عذابها ومعاناتها؛
” ولكنها ما تزال من داخل هذا النكد تعيش على بصيص متعتها التي لا توصف، في تلك المضاجعة الممزوجة بعذابها الذي تكابده من جرّاء فعلتها اللذيذة المشينة مع ذلك الشاب الصبي الوسيم مسعف، يوم التقته تحت شجرة وارفة الظلال في موسم الزيتون”([3]).
ومع تضاعف مسؤوليتها التي أُلقيت على كاهلها، بفقدانها الزوج المعيل، صارت تعمل في داخل خيمتها وخارجها، تسعى في مناكب الأرض طلبا لما يسد صراخ أطفالها الأيتام الجوعى، ولم تتركها الذئاب البشرية المترصدة بها لتستأنف حياتها، ولا ألسنة الخلق التي تلوكها، فالكل طامع بهذه الفرس الأصيلة الباقية من غير فارسها.
إن العمل الوحيد تقريبا المتاح للفلسطيني يستنزف صحته، ويستهلك طاقته، فالعمل في الكسّارات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس يجعله غير قادر على ممارسة حياته الزوجية بشكل طبيعي… ” يدرك شهريار أن طاقة أبو سحلول الأحدب، ذو الوجه المجفف المُصفر تُستنزف بشكل مفرط يوميا في كسارة الحجارة، التي تلتهم الجبل المسفوح جنوب راس العين، وهو يعمل من طلوع الشمس وحتى المغيب، ليذكي جشع الأسنان الفولاذية الغليظة القلب..وأما طعامه اليومي في الكسّارة فلا يزيد على رغيف خبز وراس بصل، وأحيانا بيضة من دجاجات البيت….أو شيء من مخلفات الطعام التي يجلبها ولدهما اليافع سحلول وإخوانه من مطعم الوكالة في مخيم الوحدات”([4])، عمل شّاق متواصل، وجهد مبذول، وطاقة مستنزفة لا يمكن للاجئ تعويضها لفقره وقلة حيلته، مما يؤثر سلبا على علاقته الحميمية مع زوجته، وبأسلوب لا يخلو من سخرية مُرّة يقول السارد:
” لم ينتبه الصغير شهريار إلى سبب كون جارتهم لا تزرع إلا نباتات الفلفل الحار، بقرونها المحمرة، وأنها تُلقمها في كل مناسبة إلى زوجها..وبصراحة لم يكن يعرف أن الفلفل الحار يحفّز بقايا الطاقة المستنزفة من جارهم عندما يعود مستهلكا من الكسارة في الليل، إذ لا ينفع معه ليقوم غير الفلفل الحار”([5])….يحاول الراوي إظهار احتياجات المرأة الطبيعية لزوجها الذي أنهكه العمل في الكسارات، وبأسلوب لا يخلو من سخرية مريرة، يُظهر الغرض من الفلفل الذي تزرعه وتعتني به جارة شهريار.