قراءة في ثلاثية “محطات” الروائية للروائي حميد الحريزي
20 ديسمبر 2018، 13:46 مساءً
مـــاذا فــي (الــعــربــانــة)؟
إثنان و ثلاثون مصدراً وضعها في خاتمة ثلاثينية هي خميرة رواية محطات باجزائها الثلاثة والتي نهضت هذه المدونة بفضل ثرائها وشيدت معماريتها على ما ورد فيها من حقائق وكشوفات واحداث واقعية إلتقطها الحريزي في ( ملاحظات هامة ) بقوله ( : وردت في الرواية الكثير من الأسماء والاحداث والظواهر , منها الحقيقي الواقعي ومنها من نسج خيال الكاتب والذي لا يمكن ان يكون منفضلاً عن الواقع المعاش أو المتخيل , فهي رواية وليست وثيقة تسجيلية ) البياض الدامي ــ ص 192 , وقبل ان أخوض في متن الثلاثية الروائي , سأقصر ملاحظاتي الانطباعية على جزئها الأول ( العربانة ) على أن أعود للجزئين الآخرين في قراءة قادمة. (( العربانة )) مدونة توثيقية مهما حاول منتجها تضليل القراءة والقارئ فهي تلاحق أحداثاً وقعت بشخوص من نتاج مجتمع مضطرب القيم و العلاقات الاجتماعية والانتاجية , وأزعم ان فيها الكثير من خصال وصفات الحريزي ذاته , باعتباره السارد العليم والمراقب للأحداث المتشابكة والممتدة على مساحة واسعة من التناقضات , وكما اشار الى ذلك في ( ملاحظات هامة ) التي أشرنا إليها .. ,
والعربانة بعد كل هذا محتشدة بالشخوص الفاعلة والتي جعلها الحريزي ممثلة لمختلف شرائح المجتمع ( الفلاح / الاقطاع / العامل / المعلم / رجل دين / المحامي / المزارع / المفوض / النجار / الغجرية ) واستطاع ملاحقة تطورها ونموها والاشارة الى مصائرها .. فهي تلخص مسيرة نضال الانسان العراقي في زمن الخوف والاستغلال والملاحقة وغياب الحريات .. وكان (ابو مطشر ) أسس الرواية وشخصييتها المركزية التي تمظهرت حياته بمختلف الانعطافات الحاسمة وجعلت منه بفعل الوعي غير تلك الشخصية البسيطة القادمة من أعماق الريف , أذ أصبح في ما بعد من الاسماء المهمة في تاريخ الحركة الوطنية واستطاع بوعيه الطبقي تحشيد العشرات من أقرانه وضمهم الى صفوف منهجة الفكري ووعائه التنظيمي … وهذا التطور يحسب للحريزي في إنضاج شخصية ( ابو مطشر) وجعله انموذجاً للعراقي المضطهد المكافح من اجل غد أفضل / من خلال تقلبه في مهن عديدة استطاع ان يوسع من دائرة علاقاته الانسانية ومداركه الفكرية وان يكون فاعلاً ومؤثراً في الأحداث التي وثقتها ( العربانة ) , ومن الشخصيات المهمة الاخرى واللافتة للانتباه هو ( كفاح ) الذي كان ( مطشر ) وإستبدال الاسم من مطشر الى كفاح له دلالة واضحة على مسار ( العربانه ) التي كانت تحتل موقعاً رمزياً كبيراً في السياق الروائي وبفضلها نما الوعي وتحرر صاحبها من الخوف والاستكانة … وفي الرواية الكثير من الحوارات العامية التي شغلت حيزاً واضحاً في سرد الوقائع والاحداث واستطاعات ان تضع القارئ النابه في المشغل السردي كما هو الواقع الذي تناولته الرواية التي تميزت في بعض صفحاتها بلغة شعرية عالية في حين انزلقت في اماكن اخرى الى ما يشبه التقارير الصحيفة ومتون الاوامر والتواريخ الرسمية , ومن جميل ما في ( العربانة ) :
يقضي وقتاً طويلاً في باب المقهى , يحاور مشاهير الشعراء والأدباء من كل الجنسيات حيث كان يجيد اجادة تامه اللغة الروسية والانكليزية والفارسية , بالاضافة الى لغته الأم ( العربية ) , يقرأ لهم بعضاً من نصوصهم , معلناً اعجابه او اعتراضه , وتصحيحه , كأنه يجالسهم فعلاً … ص 21
وفي مكان آخر تتضح اهمية العربانة في حياة (ابو مطشر) ودورها في رصد الأحداث ومعاونة صاحبها في توفير لقمة العيش الكريمة وفسحة الحرية المنشودة ولنلاحظ ذلك من خلال هذا التوصيف الدقيق لمكانة العربانة وثقلها في صناعة المتن الروائي ………
: ولكن الذي حدث في فجر أحد الأيام وعلى حين غرة طوقت زمرة من الشرطة (( مظلوم , وعربته وطردت المشترين وطلبت منه ان يتنحى جانباً بعد تفتيشه تفتيشاً دقيقاً ثم فتحوا أبواب العربانة و أخرجوا كل محتوياتها من اللبلبي والبريمز والنفط والخل والملح والحامض , وثقبوا صفائحها الجانبية بحراب بنادقهم ومظلوم ينظر إليهم متألماً مستغرباً يكاد يفقد أعصابه ولا يعرف ماذا يفعل وبأي شئ متهم هو وعربته وهل أصبح بيع اللبلبي ممنوعاً وهو لا يعلم .. / العربانة ص 148
ومن الملاحظ ان الرواية ( العربانة ) محتشدة بالكثير من التفاصيل التي اثقلت المتن وكان بأمكان منتجها الحريزي تقليص مساحات امتدادها بما يجعلها قادرة على طرح الأسئلة وليس الأتكاء على ما هو متيسر من حلول وإجابات . كان عليه ان يشرك القارئ في استنباط واقتراح ما يغني ويثرى ( العربانة ) التي كان لها دوراً مركزياً في صياغة احداثها وبلورة مفاهيمها الناضجة .. ويمكن لنا ان نورد هذا المقطع الذي يلخص الرواية ويشير الى فكرتها المبتغاة وكنت أتمنى لو كشف لنا الحريزي عن هذا الــ ( س ) الذي كان يغمز من قناته كثيراً …
: ــ قال اسطة نوماس : ـــ
ـــ ابو ( كفاح ) انته صرت واحد من عدنه , وليصير عليك ايصير علينه , واستاذ منير وصانه بيك , لكن هو الان مختفي لان الحكومة تاهمته بتوزيع المناشير اللي انته انحبست بسببها ….
ـــ بالنسبة للعربانة , فاني اقترح عليك تبيعها وتستفاد من فلوسها لمن يجي الفرج …ص 194 ومتى سيأتي الفرج يا أبا نوماس ؟؟
في (( كفاح )) رواية حميد الحريزي الجزء الثاني من ثلاثيته (( محطات )) يكشف لنا الراوي العليم عن قصدية واضحة في عرض تفاصيل واحداث أثقلت متن (( كفاح )) بما لا يتوجب على الروائي الانهماك فيها وتحويلها الى ما يشبه الريببوتاجات الصحفية التي لا تضيف الى العمل قدرات مضافة في الأبلاغ والمضي مع القارئ الى أجواء تغني القراءة وتضيف لخبراته إضافات تعزز من قناعاته وترسخ في ذهنه جماليات السرد المقصود , وعلى الرغم من إشارة الحريزي في جزء الرواية الثالث / البياض الدامي ص 192 , الى ان ثلاثيته ليست تسجيلية ولاهي توثيقه وإنما هي تستفيد من الوثيقة والتاريخ لتخلطهما بالخيال في انجاز عمله الروائي , والذي أبديت مخالفتي لرأيه هذا في مقالة سابقة لي عن الجزء الاول المعنون (( العربانه )) نشرته في الف ياء الزمان بتاريخ 29/11/2018 , وزعمت من خلال مقالتي تلك الى ان (( العربانه )) أسرفت في الاستعانة بكل ما في التوثيق من إمكانات متاحة كادت ان تطيح بما أراده الحريزي من تقديم عمل روائي يتوفر على شروط الابداع والمتعة والحساسية العالية والخيال المحلّق في فضاءات التأويل …
ومع كل ذلك أقول ان (( كفاح )) كررت ما في ( العربانه ) من أثقال وجعلت العمل بمجمله عبارة عن إستفاضات وشروح لسيرة نضالية تضئ جوانب مختلفة من حياة شخوصها ومكابداتها , بمعنى ـــ وهذا ما يبدو لي على الأقل ـ ان الحريزي أراد ان يدل قارءه على أساليب العمل الحزبي ويوظفها في إعطاء دروس للآخرين في بواكير الإنتماء السياسي وطرائق التخفي في الأوكار والبيوتات السرية , مستعرضاً تحولات شخوصه وصعودهم في السلم التنظيمي وحرص بعضهم على الاستماتة في سبيل تحقيق أهدافهم المنشودة , لقد أمتد زمن (( كفاح )) الرواية على مساحة واسعة منذ العهد الملكي مروراً بالجمهوريات المتلاحقة والانقلابات التي رافقتها , وكان بوّدى لو ان الحريزي اقتصر زمن لروايته على خمسينات القرن الماضي مانحاً أحداث جبهة الاتحاد الوطني الحيز الأوفر من أحداث الرواية , لكان بذلك قد منح القارئ بصيص أمل وإيحاء أن وحدة القوى الوطنية وليس احترابها هو السبيل لتحقيق أهداف المواطنين في نيل الحرية والكرامة والقضاء على قوى الشر والاستبداد , ولو كان التفاهم قائماً بين قوى الشعب الفاعلة لما كان العراق في هذا الحال , ومع كل ذلك فاللحريزي الحق كل الحق في الإنحياز لأفكاره والتبشير بها باعتبارها ـــ كما يرى ـــ الأنموذج الأفضل والطريق الأسلم …
ان (( كفاح )) رواية تضح بالاحداث والشخصيات الفاعلة وكان (( منير )) الذي صار (( سعدوناً )) الشخصية المركزية التي كان حضورها واضحاً في سرد الحدث الروائي , وقد فعل الحريزي ما يحسب له باختيار الأسماء الدالة على إفعالها (( عاصف , كفاح , منير )) ولكل واحد من هذه الاسماء دلالاته الموحية , وبتنويع اعراق هذه الشخصيات اراد الحريزي ان يقول ــ وهو واقع الحال ــ ان تنظيمه السياسي هو لكل الناس على إختلاف اعراقهم وألوانهم ودياناتهم (( العربي / الكردي / الشبكي / المسيحي / الصائبي / المتدين )) والى غير ذلك من الهويات الفرعية التي جعلت من المشهد الروائي إضمامة ورد جميلة تفوح بشذاها رغم تعدد مشاربها , وفي (( كفاح )) مشاهد للأثارة وضعها الروائي لشد إنتباه القارئ وتعلقه بها : مثل انحراف الحجي ومعاشرة زوجته , أو مشهد اللقاء الحميمي مع (( غزاله )) ص 47 , / ص 48 / و ص164 , :
(( كنت مذهولاً بما يجري , ربت على ظهري (( زور باش كاكه عوله )) ونقدني خمسة دنانير ثم خرج , طلبت مني زوجه أن أستحم بعد أن أحضرت المناشف وصابون أبو الريحة لم أر مثله في حياتي , كانت عيونها تجدح شبقاً , فعلت ما ارادت … الــخ …
ومن جميل نصحائه يكتب الحريزي :
أراد مظلوم أن يستمد من هذه المدينة شحنة من الصلابة تزيده قوة واصراراً على التواصل فـ ( باب الحوائج ) لا يعني المخلّص السحري , والمخلّص المنتظر للفقراء والمظلومين تحفزه لذلك الدموع والحسرات والأدعية والنذور , التي أصبحت مصدراً لعيش شلة من الطفيليين والمنتفعين من هموم المعدمين والبسطاء , بل هو مفتاح ومفتاح طريق يدلك على طريق المقاومة والصمود من اجل قضية عادلة .. ص 190
ولابد لي في هذه القراءة الأنطباعية الودودة أن أقترح على الحريزي أن ينصرف لإضاءة (( كفاح )) الأسم , وان يضئ جوانب أوسع من حياة ( منير / سعدون ) فهو كما هو اشرت الشخصية الرئيسة التي قادت الأحداث وصاغت تفاصيلها , وأعتقد ان الروائي الحريزي يمتلك من الدربة والمهارة والاوراق الثبوتية ما يؤهله لإنجاز مثل هكذا أعمال دون يغرق في السواقي الصغيرة , ويا حبذا لو أسعفنا كقراء بما يعزز من تلاقينا ومغادرة كل ما من شأنه تعميق جراحات الماضي , وتلك كما أزعم من أن أنبل مهمات المثقف الوطني الحريص على مستقبلنا المنشود …
وأخيراً أدهشني هذا المشهد التطهري الذي أقترب بمعناه من التعميد عند إخواننا المندائيين :
مسح دموعه بطرف كم قميصه , ثم خلع ملابسه , عام في مياه دجلة المنعشة , وكأنه يغسل عن روحه ركام وسخام الحزن والكدر , مستمداً القوة والحكمة والديمومة والإستمرار من روح النهر العظيم … ص 161 وفي الختام أكرر ما قلته في مرة سابقة من ضرورة تفادي الأخطاء والاغلاط الفاحشة التي شابت هذا العمل الجميل عند التفكير في اعادة الطبع …………..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
… البياض الدامي …
تفصح رواية (( البياض الدامي )) وهي الجزء الأخير من ثلاثية رواية محطات لمنتجها حميد الحريزي عن مهارة فائقة وقدرة عالية على وضع قارئها في خضم أحداثها المتلاحقة دون أن يشعر بإرغامه على ذلك , فهذه الرواية وكما أراها بعين القارئ المنتج والمطلع على بعض تفاصيل أحداثها تأخذنا الى العمل التنظيمي الداخلي وكأننا جزء من متنها المشتبك , اذ يهيمن الخطاب الأيدلوجي على مفردات شخوصها وكأننا في إجتماع حزبي متعدد الصفحات , في الوقت الذي نرى فيه أن الأيدلوجيا حشرتها في مساحة ضيقة تستهدف شريحة معلومة لها ما لها و عليها ما عليها , وجعلتها تتحرك ببطء يقترب من التكرار وإعادة ضخ المعلومة الحزبية بإنحياز مكشوف لمتنبيات المؤلف الفكرية , صحيح ان من واجبه الأخلاقي التبشير بمبادئه وقيمه ولكن ليس على حساب إفراغ الرواية من تدفقها الخصب وانثيال جماليات سردها بما يعزز متعتها ويزيد من إلتصاق القارئ بحيثيات احداثها ومفارقاتها …….
ان الصديق الحريزي كشف لنا في ( البياض الدامي ) وهو بالمناسبة عنوان إشكالي ــ عن إرتباط روحي راسخ بافكار شخوصه وظل ملاحقاً لتطلعاتهم المشروعة في التغيير وتحقيق الأهداف المعلنة للجماعة رغم تناقض مواقف بعضهم واجتهاداتهم في إعلان ارائهم بصوت مسموع في خضم موجة من الأجتهادات والأفكار الطافحة على سطح الاحداث ومن خلال الحوارات التي يتفوه بها [ المنتظمين ] في حركة العمل السري ومخاطره في ظروف الملاحقة والمطاردة والتحدي , لقد استغرق الحريزي في سرد بعض التفاصيل التي تنهض بها بعض شخصيات ( البياض الدامي ) وكان بإمكانه كبح جماح استطرادته وتشذيب زوائدها التي لم تضف لسير الوقائع ما يزيد من متعة تأثيرها والانشداد لها .. فالرواية تحتشد بشخصيات فاعلة ومؤثرة وبعضها هامشية لم تستطع الرواية الموازنة بين أفعالها وكان ( مظلوم !! ) الجسد النابض والعقل الراجح في ( البياض الدامي ) يستحق لوحده عملاً روائياً يرافقه منذ الجذور في ريف المشخاب حتى ارتقائه السلم القيادي في حزبه … ومن بين الشخصيات الفاعلة ( ابو يوسف , مليحة , سعيده , ياسر , فريد و … ) لكني أرى ان دراجة مظلوم كان لها الثقل الكبير في سرد الأحداث , ولابد من الاشارة الى (( حيوتته )) التي هي ( أم كفاح ) التي كانت إنموذجاً للمرأة العراقية المناضلة وكان على الرواية ان تضئ للقارئ جوانب اكثر اشعاعاً مما عرضته في صفحاتها التي بلغت المائتين ..
وتظل ( البياض الدامي ) فرشة تنظيرية تعنى بالشأن الداخلي لحزب الحريزي , ولذا فإننا نقرأ وجهات نظره من خلال تقويل شخصياته الروائية مثلاً لنقرأ هذا المقطع التي ينسجم مع ما نرى :
أرجو أن لا اكون قد ذهبت بعيداً في تحليلاتي واسئلتي واستنتاجاتي ولكني ادعوك ان لا تستغرب أبداً وانت ترى هذه الفوضى الفكرية , والمد والجزر , والتحولات السريعة والمفاجئة بين تطرف يساري وذيلية يمينية في قيادة الحزب وموافقة السياسية … ص 40 أو هذا المقطع الذي يشير الى ما في داخل التنظيم من رؤى متبانية :
قالت سعيدة :
رفاق إن إشتراك الحزب سيكون محسوباً على الطائفة الشيعية كون الرفيق (( أبو عايف )) شيوعي شيعي ضمن تشكيلة المجلس المبني على مبدأ المحاصصة العرقية والطائفية , فا إلى أي منحدر تنزلق قيادة الحزب في دخول المجلس الاحتلالي وتحت اشراف المخابرات الامريكية التي أعلنت انها دولة محتلة … ص 185
ولا أدري لمَ لم يفصح الحريزي في روايته عن اسم أبو عايف الحقيقي , وهو المعروف لعامة المراقبين لتشكيلة مجلس الحكم , في حين ذكرت الرواية اسماء كثيرة بمسمياتها الحقيقية ؟ ! …
وما الذي اراد ان يقوله الحريزي في هذا الكلام الذي يدركه جميع من اكتوى بنار اميركا واذنابها , وأرى ان هذا المقطع هو تلخيص كما يبدو لموقف الحريزي الشخصي الذي ساقه على لسان (( ياسر )) والذي يلخص فيه محنته بالقول :
أما أنا ومن له رأيي فسأرفع لقيادة الحزب استقالتي المبنية على رفضي المنهج الفكري والخط السياسي لقيادته الحالية لحين تصحيح الموقف الذي نراه خاطئاً … ص 189 ..
ولابد في ختام هذه القراءة ان نزيح عن كاهل القارئ ما زاد من همومه وآلامه مستعرضين له (( الحلم )) الذي رأه مظلوم في منامه :
لا زلت بريعان شبابك أيتها الحبيبة وكأن السنين تمر عليك كما يمر النسيم على وردة في بستان , جذبها إليه , فتح ضفائرها . شم شعرها الحرير , تلمس نهديها الضامرين دس أنفه بينه لحس بلسانه الحلمتين الورديتين ., مستمتعاً بموسيقى ضحكاتها وتمنعها المغري الجميل …….. الــخ .. ص 49
وأخيراً
أرفع قبعتي تقديراً لجهد الحريزي في ثلاثيته الجميلة التي جعلتنا نعيش تفاصيل أحداثها وكأننا نعاني قلق العمل الحزبي وتناقضاته واجتهادات شخوصه التي كشف لنا المؤلف عن سرائرها عبر رواية تقترب كثيراً من الواقعية في منهجها , باحثة عما يعزز في النفوس طاقة الأمل بالمستقبل والسعي لنبذ الكراهية والتوجه لبناء وطن معافى يدرك أبناؤه حجم الخسارات في تفرقهم واحترابهم ….
تحية لــ حميد الحريزي الذي امتعنا رغم كل ما في ثلاثيته من ذكريات صعبة ودروس مستقاة من تجربة هذا الشعب العظيم ….