قراءة في مجموعة القصص القصيرة جدا (الزقوم) للشيخ بكاي (3) / النجاح بنت محمذن فال
الصورة :
“أيقظت صورةُُ جرحا قديما..
قرأ الجرحُ تعويذة شعرية عمرها أقل قليلا من ربع قرن..
دبت حياة في الصورة.. وأطلت غزالة ترعى في خميلة الحلم المستحيل…
،
قال مغلوب على أمره: “لأتخذن عليها مسجدا””
يخيم الإبهام منذ البداية على معظم شخوص القصة فتتوالى النكرات فى بدايتها : صورة ، جرح ، قديم …ولكنها لاتمنع من التعريف بشخوص القصة الرئيسيين :
صورة
جر ح
يتبادلان الادوار بواسطة فعل ماض : “ايقظت” ، أي المنبه الذى يغذى دور الصورة لتكون بطلا ثانيا ، فكاننا أمام حلبة صراع ..
تٌحدث جلبة مكثفة فى محراب الخيال .. لكن الجرح فيها يتخلص من الإبهام قليلا، فيغدو معرفة بعد ان كان نكرة .. ويلوذ ببطل ثان، يزيد الامر إبهاما “تعويذة “.. جاء فى صغة النكرة . ولكنه يستمد طاقته من العلاقة الإسنادية بالفعل قرا تلك العلاقة الإسنادية التى اكسبته صفة القراءة لدعم التكثيف ثم إنه يستمد طاقته الاسطورية من مضامين غيبية نسجها الخيال وتنامت بسحر الشعر : “تعويذة شعرية عمرها اقل قليلا من ربع قرن”، ولتعزيز كثافتها يمدها الزمن بسيل الذكريات ممثلا فى لوعة فراق طال وتابد ..
إلا ان البطل الثانى فى حلبة المصارعة لايقبل الهزيمة بسهولة .. إنه يكابر ويستمد الحياة من
جديد من تلقائيتها: “دبت حياة فى الصورة “..
ولئن كانت الصورة ذات يوم نكرة إلا انها ماتلبث ان تغدو معرفة ، فالبطل الآن اقو ى.. إنه معرفة ، فهل يتوارى الجرح ؟
هل يشفى ؟ هل يموت ؟ هل ينتصر على الالم ؟
تبدو القصة فى شخوصها الجدد بين التأزم والانشراح، ففى حين تطل غزالة بما تحمله العبارة من مضامين النشوة والارتياح الباعث على التمسك بالحلم… غزالة ترعى فى خميلة الحلم..مايلبث الجرح ان يصبح غائرا لان الحلم هو فى حد ذاته الازمة ..هو المستحيل !
فلاإطلالة الغزالة فى رمزيتها للامل والارتخاء ، ولا الصورة بإيحاءاته المختلفة تستطيعان تغيير مسار أزمة الانسان فى صراعه مع المستحيل .. فى مواجهة مصيره ..
و هنا يهبط بطل آخر قادم من من خارج الحلبة .. من المجهول فى صيغة اسم المفعول “مغلوب” ليهزم الزمن فى بعده القسرى ، ويهزم المستحيل !.. إنه المغلوب على امره الذى لا مكان له ولازمان إنه فى سورة الكهف قبلنا فلسنا اول من يدفن الحلم فى نعش المستحيل: “قال مغلوب على امره لاتخذن عليها مسجدا “.. وتبقى الصورة فى رمزية المسجد للخلود والقداسة ويبقى الجرح ءادميا كثيف الالم وتختفى بقية الشخوص إلا الحلم والصورة الخالدة خلود المسجد والمغلوب على امره ،المعزز بمضامين الغيب.. والفعل البشرى.. وعبق التاريخ الموغل فى تحديه للزمن فى فتية الكهف ( قال الذين غلبو على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا )
وتاتى كل ذلك سحقا لكل شخوص القصة ..بحيث لاتبقى ولاتذر .. يندثرون كلهم ! إلا التفرد بين الصورة الانثى والحلم المستحيل فى رمزيته للذكورية ..لكنها لاتزيل الإبهام ،المعتم المقيت للمستحيل .. فى حين تعزز كثافة الازمة فى استحالة كسب الحلم ..
هنا تاتى الخاتمة ..فيأوى المغلوب إلى محراب المسجد خلودا وغلابا ..غلابا بعدة ادوات ليس فعل اتخذ فى مداليله اللغوية الموحية إلا احداها .. لأتخذن فى صيغة الماضى مع ضمير المتكلم -أ- ملحقا بلام التوكيد ونون التوكيد كل ذلك فى تناغم مع التضعيف فى تاء اتخذ … المستمد من الآية تضمينا وخاتمة للقصة التى انتهت بتلاحم مضامين غيبية وردت فى أعظم قصة غلاب عاشها الضمير الجمعى منتصرا بسمو الدين على باقى المغريات ..
على الذات .. على القهر فى محاولة لقهر خلود الرؤى والاحلام ..تخللها تمزق الرومانسي.. وتفرده .. وتسليم المتعبد بعظمة المعبود “المعشوقة” ..وحيرة الوجودي اتجاه الزمن ..