الصليب الذهبي/ الشيخ معاذ سيدي عبد الله
بدأ موقف بعض الفقهاء (حتى لا أقول : الاسلاميون) من شعر نزار قباني منذ بداياته الشعرية..فعندما صدر ديوانه ( طفولة نهد) في القاهرة عام 1948 أعجب به الناقد احمد المعداوي فنشر عنه مقالا في مجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات، وتحديدا في العدد 744 ولكن “محافظة” المجلة وخوفها من ردة فعل رجالات الأزهر غيّرت عنوان المقال إلى ( طفولة نهر) بدلا من (نهد) …
لكن الموقف الفقهي السلبي من شعر نزار الغزلي تحديدا، وارتباطه بما يراه بعضهم تجاسرا عقديا سيصل مداه عندما نشر نزار قصيدته ( الصليب الذهبي) .. حيث كانت قصيدة تتحدث عن غزل واقعي، وقصتها حسب ما روى في إحدى مقابلاته أنه حضر في لندن حفل عشاء كان من ضمن نادلاته فتاة جميلة يتدلى من صدرها العاري صليب ذهبي، وقد أوحت إليه بالنص التالي :
أنقطة نورٍ .. بين نهديكِ ترجف == صليبكِ هذا .. زينةٌ أم تصوف ؟
على قالبي شمعٍ .. يمد بساطه == ومن دورقي ماسٍ .. يعل ويرشف
تدلى كعنقود اللهيب .. وحوله == تثور الأماني ، والقميص المرفرف
يتوه على كنزي بياضٍ ونعمةٍ == ويكرع من حقي رخامٍ .. ويسرف
تكمش بالصدر الفطيم .. فتارةً == يقر .. وطوراً يستثار ويعنف
*** أمرتعش الأسلاك .. يا لون حيرتي == سريرك مصقولٌ .. وأرضك متحف
مداك أضاميم القرنفل .. فانطلق == على زحمة الأفياء .. دربك مترف
أتشكو ؟ وهل يشكو الذي تحت رأسه == حريرٌ .. وأضواءٌ .. ووردٌ منتف
أجامحة السلسال .. إني شاعرٌ == حروفي لهيب الله .. هل نتعرف ؟
طلعتِ على عمري خيال نبيةٍ == صليبٌ .. وسلسالٌ ثمينٌ .. ومعطف
ترهبتِ في عمر الورود .. ومن له == براءة هذا الوجه ، هل يتقشف
أتبغين مرضاة السماء .. وإنما == بمثلك تعتز السماء وتشرف
أذات الصليب اللؤلؤي .. تلفتي == وراءك هذا المؤمن المتطرف
فلا تمنعي أجري .. وأنت جميلةٌ == ولا تقطعي حبلي .. ودينك ينصف
على صدرك المعتز .. ينتحر الأسى == وتبرا جراحات المسيح وتنشف
وقد أثار النص ضجة كبيرة، وتم التوقف كثيرا عند البيتين :ترهبتِ في عمر الورود .. ومن له == براءة هذا الوجه ، هل يتقشف
أتبغين مرضاة السماء .. وإنما == بمثلك تعتز السماء وتشرف
فاعتبر هذا الكلام تطاولا على الذات الإلهية، وأنه لا يقل نزقا من بعض الأبيات المشهورة له آنفا إلا أنه هنا كان أكثر مباشرة ..لم يكن من عادة نزار الرد المباشر على قراء شعره الذين ينطلقون من خلفية دينية، ولكنه كان يكتفي بما ينشره عن شعره في بعض مؤلفاته النثرية وخاصة ( قصتي مع الشعر)… الذي يقول في مقدمته :”أريد أن أكتب قصتي مع الشعر قبل أن يكتبها أحد غيري.أريد أم أرسم وجهي بيدي، إذ لا أحد يستطيع أن يرسم وجهي أحسن مني.أريد أن أكشف الستائر عن نفسي بنفسي، قبل أن يقصني النقاد ويفصلوني على هواهم، قبل أن يخترعوني من جديد”.وقف كثيرون بنوع من الغضب أمام العديد من أبيات نزار وخاصة قوله في ( الرسم بالكلمات) :
مارستُ ألف عبادة وعبادة == فوجدتُ أفضلها عبادة ذاتي …
والغريب أنهم لم يقفوا فرحا بقوله في قصيدته ( أنا مع الارهاب) :متهمون نحن بالارهاب إذا اقترفنا مهنة الثقافة … إذا تمردنا على أوامر الخليفة العظيم .. والخلافة … إذا قرأنا كتبا في الفقه … والسياسة … إذا ذكرنا ربنا تعالى… إذا تلونا (سورة الفتح) .. وأصغينا إلى خطبة يوم الجمعة فنحن ضالعون في الإرهاب !! متهمون نحن بالإرهاب … إن نحن دافعنا عن الأرض وعن كرامة التراب إذا تمردنا على اغتصاب الشعب واغتصابنا … إذاحمينا آخر النخيل في صحرائنا … وآخر النجوم في سمائنا … وآخرالحروف في أسمائنا … وآخر الحليب في أثداء أمهاتنا إن كان هذا ذنبنا … ما أروع الإرهاب !!