النسيج الواقعي في بؤرة سردية في رواية (ينال) للروائي أمجد توفيق
22 أبريل 2022، 01:53 صباحًا
بغداد – حمدي العطار:
ما يميز السرد عند الروائي أمجد توفيق هو أن يجعل المتلقي يهتم بالتجارب الحقيقية ، لا يعطي للحبكة الاولوية بل هو يقدم قصة تولد احساسا بالحقيقة، وكل هذا يعتمد على ما يملكه من القدرة الداخلية لأسلوبه في السرد.الرواية عنده مشروع و(دعوة لتأمل الحقوق التي لم تقرها البشرية يوما ،الحق في مناقضة الذات، والحق في الرحيل بمعناه المطلق، والحق في الصمت ما أضيق الطريق ما أصعب الوصول لمن لا يكون قلبه دليله”ص9 ، وكما يقول”اسماعيل عبد الوهاب اسماعيل” في تقديم الرواية والكاتب ( أمجد توفيق اراد أن يركز على مبدأ أن من يعنف لا يجد الا العنف المضاد- حين تغيب العدالة – كوسيلة لاسترجاع الحق الذاتي)
اشكالية العنوان
رواية (ينال) من منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق سنة الاصدار 2022 وتقع في 173 صفحة من القطع المتوسط وتحتوي على سبعة فصول ، لا يتوقع القارئ بإن الرواية سوف يكون فيها انتقالات متتابعة للاحداث وبناء الشخصيات يكون في خدمة الموضوع حتى الاسماء توحي بمضامين ومؤشرات محددة “كانت تلك بداية معرفتي بالسيد ينال الذي ينحدر من أصل عراقي، وهاجر في زمن ملتبس خارجه، ليستقر فيما بعد في اسبانيا”ص11 ويضع الروائي اسم بطل الرواية (ينال) عنوانا للرواية على الرغم من انه فعل! ” أبي أطلق علي الاسم تقديرا لعلاقته مع صديق أرمني كان يحمل الاسم ذاته..ويعني في اللغة الأرمنية الفارس”ص28 .
بؤرة السرد
يقدم الروائي بؤرة سردية جديدة فيها شيء مختلف فهي بدون حبكة لكنها تقترب من التفاصيل الصغيرة في حياتنا اليومية ، وكل هذه التفاصيل يتعرف عليها القارئ من (المغلف) المتكون من عشرة اوراق (دخلت الغرفة المخصصة لي، وفتحت المغلف، وبدأت أقرأ) هذه المغلف يعد سيرة ذاتية لمرحلة من حياة (ينال) يمر فيها بالحرمان واليتم لموت امه وابيه في حادث سير يتحدث فيها عن الحب بالجامعة والنجاح والعمل الصحفي كمترجم والى الفصل من الفضائية لترجمة خبر يمس فيه حركة سياسية لديها مليشيات مسلحة ويتعرض الى الخطف والتعذيب ” أسمع عن قتل وخطف وتعذيب وابتزاز وانتقام وتصفية مصالح، ولكنني في الأقل لم أسمع في الألفية الثالثة عن مجرمين يفعلون كل ذلك وهم يحملون عناوين ومناصب حكومية في الدولة، أو أنهم يتمتعون بإمكانياتها ووسائلها، إلا في بلدي”ص37.
التساؤلات المندهشة
يحرص الروائي على طرح التساؤلات المندهشة تجاه المصادفات التي تأتي مع التجارب الواقعية وكأنه يشكك بصحة هذا الواقع الملتبس ” ما الحل؟ إنك لست إلها\ ولا تمتلك قدرة إسكات دواخلك\ فكف عن التشكي وبث الألم\ وعش حياتك\ هذا ما يتوفر أمامك\ وسأكون كاذبا لو قلت غير ذلك: امجد توفيق بأسلوبه المتميز لا يقدم لنا الحياة كما هي بل هو يتدخل بوصفها بعيدا عن المواعظ “سلسلة مصادفات نطلق عليها قرارات وخيارات، وهي تفتقد الحد الأدنى لتكون كذلك، أنت محمل بأسم لم تختره، ودين ورثته، ومذهب تدفع ثمن التصاقه بك، وجنسية يتعامل العالم في ضوئها معك، ووجه وبنية أنت غير مسوؤل عنها، ويمكن الاستعانة بقوانين مندل لإضاءتها”ص53 انه اسلوب المحاكاة كأنك لا تقرأ كلمات بل تعيش مع البطل واقعه!
الخدعة البارعة
اجاد امجد توفيق ان يدخل القارئ في لعبة سردية الغرض منها طرح اسئلة مدهشة وترك المتلقي يفكر في الاجابة عنها، اما الخدعة البارعة في رواية (ينال) هو جعل صوت الروائي الوثائقي مسرودا بطريقة فنية، الصلة بين المتداخلين بالسرد في الرواية احدهما هو شخصية (عبد الله ابو فيصل) المدرس المتقاعد- له خبرة في كتابة الرواية (راوية واحدة) – والذي يلتقي بالبطل والسارد عبر الملفات المغلفة والتي تقترب من كتابة المذكرات ويطلب من المدرس المتقاعد عبد الله ان يجعلها (رواية) بعد ان يموت او على الاصح عندما ينتحر، وعلى الرغم من ان عبد الله لا يتحمس لهذه الفكرة :أولا:لأنه يرى ان ما يكتبه ينال (نص مفتوح ذي طابع شخصي غير معد للنشر العام ) وثانيا :هو مدرس متقاعد وله تجربة روائية واحدة..فلا اظن انني مؤهل لمساعدتك ! وثالثا : لأنه كان يعتقد بإنه سوف يموت قبل ينال لكن الاوراق تبدو له حقيقية فهي عبارة عن تركيب من الاهتمامات الشخصية والعاطفية والاقتصادية – تجارة السلاح- والهموم السياسية، هو يتعاطف مع ينال ويشعر بإنه (مطرود) من الامكنة التي يحبها (بلده) – العراق- وبدلا من مواجهة الصراعات العنيفة – الخطف ومصادرة البيت والتعذيب – قرر الهروب من الصراعات وحينما صار في الخارج (اسبانيا) وتزوج من ليلى بنت وزير تونسي سابق يملك شركة للمتاجرة بالسلاح صار يستغل تلك الصراعات التي كان يبغضها ويعاني منها، لكنه كان يجد التبرير لهذا العمل (لماذا يكون صناع السلاح ومطوروه أبرياء، وأكون أنا الذي يتاجر بهذه الصناعة مجرما وقاتلا ومرفوضا)ص112 .
قوة التأثير
الحوار بين ينال والروائي المدرس المتقاعد عبد الله وهو حوار فلسفي وجدل ممتع يراهن امجد توفيق على قدرة السرد ان يغير الطريقة الي يفكر بها القراء، فهو باسلوبه يبعث الحيوية والنشوة والتعاطف في نفس القارئ ” إن أردت أن تكون سعيدا، فأدخل السعادة إلى قلب من تحب، وعندها ستصاب بالعدوى وتنتقل السعادة اليك”ص114 قد يكون امجد توفيق انتقائيا في اختيار الشخصيات وهي سمة عامة لأفكار ما بعد الحدثة وشرط ان تكون الشخصيات متماسكة وقادرة على الاقناع وقد توفر ذلك بشخصيات الرواية على الاخص ينال وعبد الله والنساء في الرواية ( الرومانية روكسانا – الفنلندية سانا) اما زميلته تنال فهي حبيبة وليست عشقية ، وكذلك ما توفره الظروف من نساء ينتهي اللقاء بهن دائما في غرفة النوم ” ما أجمل الغرق في لحظة وئام مع امرأة في سرير، وما أحلى أن تكون قادرا على الإحساس بالجمال والرضا في وجبة طعام أو سفرة أو صفقة”ص148 . الحوار والوصف مؤثر وحقيقي، فشخصية ينال تم البناء الدرامي لها بعناية اذ يجعلك تتجول في مدن اوربا فنيا!وتتعرف على مفاتن انواع مختلفة من النساء ، وتتوقف عند بعض الافكار الغريبة ” لا أدري لم فكرت أن كرم الأخلاق والسلوك يشكلان مفارقة لوصف رجل يعمل تاجر أسلحة”ص75
الخاتمة
شخصية ينال حققت الابعاد الثلاثة للشخصية الناضجة فنيا كما حددها (لوفيفر) وهي (المجرب والمدرك والمتخيل) والروائي امجد توفيق ذو نزعة ثقافية تعددية ، يركز في رواياته على الشخصيات التي تؤمن بالتعايش وضد الهيمنة ” تجربتي حية تنضج بالدماء والمشاعر والسعادة والبكاء”ص148 ، لا تفوت فرصة قراءة هذه الرواية المثيرة .