رواية “سويت أميركا” وفظاعة الإرهاب العنصري/ فاطمة عطفة
28 يونيو 2022، 01:37 صباحًا
تقاربت الأنواع الأدبية وتشابكت خيوطها، ولم نعد نجد فوارق كبيرة في صياغة اللغة بين القصة الشعر والرواية، ويبقى لكل كاتب أسلوبه المتميز وطريقته الخاصة بالتعبير عن هواجسه وتطلعاته. والشاعرة الجزائرية زينب لعوج، بعد رحلة تقارب ثلاثين سنة مع الشعر، دخلت عالم الرواية بثقة ومهارة وتألق من خلال عملها الإبداعي الكاشف “سويت أميركا”، لكن القارئ لا يتذوق ولا يرى شيئا من الحلاوة في كلمة Sweet، لأن العصابات العنصرية هي سلطة القهر التي تطغى على أجواء مدينة ويست فريلاند، خلافا لجارتها الشرقية إيست فريلاند. وإذا خطر للقارئ أن يستغرب استمرار العنصرية وجرائمها في أكبر دولة ليبرالية، ونحن في نهاية الربع الأول من القرن الـ 21، فلا بد أن أشير إلى أن الصديقين المبدعين، الروائي الكبير واسيني ورفيقة دربه زينب قد عاشا عدة سنوات في الولايات المتحدة، وروايتها هذه خلاصة قراءاتها ومشاهداتها وتجربتها الفكرية والوجدانية والواقعية في تلك البلاد.
ومن الصفحة الأولى في الرواية نقرأ: “علينا ألاّ نروي عطشنا من كأس المرارة والضغينة”، وهذه عبارة مقتبسة من خطاب “لدي حلم” للزعيم الأميركي/ الأفريقي مارتن لوثر كينغ – قائد حركة النضال ضد التمييز العنصري، وقد قدم حياته في سبيل تحقيق المساواة في الحقوق المدنية بين البيض والملونين، وهو حائز على جائزة نوبل للسلام، وكان استشهاده قبل أن يبلغ الأربعين من عمره.
ونتابع أحداث الرواية، لتفاجئنا من البداية الحرائق والانفجارات والمظاهرات العنصرية، ويتساءل مستر جيل: “ما هذا الذي يحدث؟ كأننا في جحيم.” وتنتشر اللافتات المعادية، ويقرأ في إحداها: “اخرجوا من مدينتنا أيها الغرباء. لا نريد مسلمين في مدينتنا”. وجاء في لافتة أخرى: ” التنوع رمز لإبادة الأبيض.” وبلفتة درامية ذكية، تشير الكاتبة إلى أن إرهاب التطرف عابر للأوطان والقارات، ومقهى الأنوار Lightcafé يملكه مسيو باسكال الذي كان في الجيش السري (الفرنسي) قبيل تحرير الجزائر، وقد قام بفظائع إرهابية هنالك، وهو يفتخر بأنه أحرق عشرين عربيا بعد أن ربطهم بالسلاسل، وسلخ ثلاثة رؤوس منهم أخذها معه للذكرى، قبل أن يرغمهم على الهروب جيش التحرير الجزائري. ولكي يبرهن هذا المجرم على عنصريته بعد هجرته إلى أميركا، علق جمجمة وراءه وكتب تحتها: “هذا رأس عربي مسلم مجفف”! وفي هذا المقهى تجتمع عصابات التمييز العنصري من جماعة “كو كلوكس كلان”، إلى جانب الضباع الأخرى – كما تشير الرواية.
مستر جيل خوري قادم جديد اشترى بيت القس أرنستو مالكوم ورممه. وتبين الأحداث التالية اكتشاف عظام القس وخمسة أشخاص آخرين كانوا في حمايته، لكن عصابات الإرهاب، قبل عشرات السنين، قتلتهم جميعا ودفنتهم في الحديقة أمام بيته. وبطل الرواية جيل يعيش مع زوجته كايا والبنتين يامي ونويمي، وسوف يقوم بترميم الكنيسة مع صديقه اللاتينو فريدريكو، كما رمم من قبل مسجدا ومعبدا.
لكنه يتعرض لمضايقات ومخاطر كثيرة من المتطرفين، وهم يتلفون أشجار الحديقة ويفرغون فيها نفايات المدينة، ولكن يبقى خوفه على البنتين أقسى المخاطر. ورجال العصابة يعتبرون أنه عربي مسلم اسمه جلال وليس جيل. ومع أن مفوض الشرطة ورئيس البلدية والجيران متعاطفون مع الأسرة، لكنهم عاجزون عن حمايتها، لأن عصابة التطرف والإجرام والمخدرات متغلغلة في بنية المجتمع والمؤسسات. وفي حين يستمر جيل مع صديقه بترميم الكنيسة حتى ينجزوا عملهم، إلا أن زعماء العصابة العنصرية يتابعون تهديداتهم له وهم مصرون على طرده من المدينة لتبقى بيضاء خالصة، وحين يفشلون يخطفون الابنة الكبرى يامي من جوار مدرستها ويغتصبونها ثم يقتلونها، وهي ما تزال طفلة لم تبلغ الثانية عشرة من عمرها!
وفي الرواية شبكة درامية مؤثرة من الأشخاص والعلاقات والأحداث، لكن التطرف العنصري الكريه هو الخيط الأساسي الفعال والمحرك للأحداث. وتكشف الرواية عن مدى طيبة السيد جيل وزوجته وصفاء إنسانيتهما حين نعلم أن الفتاتين تحت رعايتهما بالتبني، وهم جميعا يشكلون أسرة مثالية تغمرها أجواء من الألفة والمحبة والتربية الكريمة. وأكثر من ذلك، اتفق الزوجان جيل ومايا، أن تبقى كل بنت منهما على دين أهلها وثقافتهم، فوضعا يامي (وهي من أفغانستان) في مدرسة عربية إسلامية، كما وضعا نويمي في مدرسة يهودية، حسب أبويها. وهناك وقائع وأحداث ثانوية أخرى، كاتهام شخصية الباسكي باغتصاب فتاة قاصر، لكن الفتاة تعترف أخيرا بأن العصابة أجبرتها على القيام بذلك الدور الأخلاقي الوضيع.
ومقاطع الأغاني والأشعار التي نثرتها الكاتبة في عملها الإبداعي الجميل، زادت من جمال الرواية وعمق دلالتها وتأثيرها.