جنازة : قصة قصيرة جدا للشيخ بكاي/ قراءة النجاح بنت محمذفال
القصة:
“كانت ذات أحلام وردية وطموحات بحجم السماء، وكانت ملاكا يرفرف بأجنحته في عالم المثل…
أكلت الشجرة المحرمة وبدأت رحلة السقوط في بؤر الشوارع المظلمة، وماتت بالسيدا، قبل أن يجرفها الطوفان..
قالت هواتف: “البوم لا يبني عشا لنفسه إنما يستخدم الأعشاش التي تتركها الطيور”.
تقدم موكب الجنازة من أجل الصلاة عليها، لكن ضاع الأذان وصهيل الخيول وسط جلبة الحمَّارة ..
قال سياف لن أقطع فالنباح هو الضَّبْح، وهو النشيج يتبعه النُّهاق…”
القراءة:
التأنيث هو الجلباب الأدبي لهذا النص – القصة …
تصدره كعنوان ( جنازة ) و كأحلام (كانت أحلاما )
وإذا كانت الجنازة تأبى التذكير فإن الاحلام ترضاه عندما تأتي في صيغة المفرد (حلم)…
لكن إسناد الفعل ” أكلت “إلى التأنيث يظل في خدمة هذا الجلباب بما للقصة القصيرة جدا من حاجة للبس والغموض والكثافة ، التي حققها هذا الإسناد ، بحيث يتم تطويع إسناد هذا الفعل في معظم جمل النص إلى التأنيث :
- إلى الجنازة على أنها الفاعل
- وإلى الاحلام
- وإلي الملاك كذلك ..
فماذا كان نصيب الجنازة -الحلم ؟
إنها :
(اكلت الشجرة المحرمة
بدأت رحلة السقوط …
ماتت بالسيدا !! )
كل ذلك (قبل ان يجرفها الطوفان !) فهل تستحق الأحلام الوردية هذا المصير ؟
ومن هم الناجون ؟
ذلك ما يتيحه التناقض والتضاد في القصة القصيرة جدا حيث تتقدم الجنازة لتحيا من جديد على انها الخلود في وجه سطوة الزمن ” رددت أصداء قرن مضى..” تزاحمت الأحلام والجنازة في العلاقة الإسنادية لفعل( اكلت ) وفاحت روائح الخيانة صدى لجراح التنكر والتخفي باستحضار كل ما يرمز إليهما مثل قدرة البوم علي التخفي وانتمائه لفصيلة الجوارح من الطيور ..
جمهور بمقتضاه يصبح القلب الذي تحيل إليه (الاحلام والمثل ) ساحة يتعايش فيها الألم في تجليه في الجنازة والامل في تجليه في الحلم ..
فتتوزع شخوص القصة على نحو يكرس التعايش بين كل المتناقضات :
شخوص القصة
جنازة
حلم
هواتف
سيف
المكان : القلب / وكانت ملاكا يرفرف بأجنحته في عالم المثل…
الزمان : الليل / وبدأت رحلة السقوط في بؤر الشوارع المظلمة،
الجمهور :
- كلب : يمثل الوفاء
- بوم : يمثل الجوارح من الطيور
- حمار يمثل الخضوع والاستسلام غِب العناد
وبهذا الحمهور ذي السمات التقابلية ، من طيور جارحة (البوم ) وحيوانات اليفة (كلب ، حمار ) يفضحها نباح كلب وفي ؛ تصمد الجنازة -الحلم وتستعيد الحياة غب الطوفان كما هو الحال بعد طوفان نوح وكأن الذاكرة المثقلة بالهموم والاحلام تشكلت حمولتها من كل المتناقضات كما في سفينة نوح :
“رددت أصداء قرن مضى..
اختلط نباح كلب وضَبْح بومٍ، بنشيج حمارٍ..”
علما بأن النشيج لايتفرد به الحمار دون البشر فهو كما يبدو بكاء مطمور ! لكنه هذه المرة متاح كنبح الكلاب وضبح البوم ..
و حتى لا تجعل الخيانة من الجنازة -المحب ، فريسة تم استحضار الحمير التي تشترك مع الإنسان في كونها تجيش حين تعبر عن ألم مطمور..
و في إسقاط لصدى غياب اللقاء تمثل لقاء هذه الجوارح والحيوانات الاليفة في هذه الحلبة ،
في صدى الأصوات دون الاجسام نظرا لاستحالة اللقاء ..
فتجلت الأصوات أجساما نظرا لانعدام الوصل في تجليه المجسم …
لذلك تمكنت الاحلام في جلباب الجنازة من التقدم في موكب تغيب فيه كل الأوساط باستثناء الحمير رمز الخضوع والاستسلام ..
دبت الحياة في الجنازة عن طريق الموكب المتقدم في إدبار لكل الاصوات ذات المغالبة مثل الخيل وصوت الأذان الذي يحيل إلى الرقيب الديني والاجتماعي ، ولم يبق إلا صوت حمار يجيش في استسلام للحلم المغالب …
وحيث لا تصمد الخيانة أمام الانفضاح المتمثل في نباح الكلب رمز الوفاء ؛ تستحيل القطيعة:
” قال سياف لن أقطع فالنباح هو الضَّبْح، وهو النشيج يتبعه النُّهاق…”
