رواية “رقصة أوديسا”: سرد الهجرة والحرب بين الأوكران والروس/ د.وليد بوعديلة
2 مارس 2023، 14:17 مساءً
أصدر الكاتب والروائي عز الدين ميهوبي رواية جديدة موسومة ب” رقصة اوديسا،مكابدات أيوب الروسي”،عن دار الوطن اليوم ،سطيف،الجزائر،2023،وهي تتحدث عن معاناة الرجل الجزائري ايوب الذي عاش بروسيا لسنوات، في الوصول إلى عائلته المحاصرة في مدينة أوكرانية في ظل الحرب بين الروس والأوكران.
وطيلة مئة وسبعين صفحة يقرأ القارئ قصة مشوقة فيها الكثير من الصعاب والحنين والغربة والخوف،بعد أن غامر أيوب في هجرة غير شرعية،في قالب مع مجموعة من الشباب،من دلس إلى جزيرة اسبانية(أيبيزا)،لكن الهجرة فشلت وتوفى كل من المغامرين (الحراقة كما في التعبير الشعبي الجزائري)،إلا أيوب الذي بقي متعلقا في بقايا قارب أوصله إلى صخور قرب جزيرة…ثم نقل إلى المشفى في وضعية حرجة جدا جدا.
_1_ قضايا الرواية..
من خلال قصة محاولة ايوب الوصول لأوروبا واللقاء بزوجته كلاريسا العالقة في ماريوبول وابنته شريفة الموجودة في كراسنودار الروسية،سيجد القارئ سفرا جماليا وفكريا وتاريخيا في قضايا مختلفة،ومنها نذكر:
_تعود الرواية لبعض الأحداث من تاريخ الجزائر،في تسعينات القرن العشرين وظهور التيار السياسي الإسلامي وما قدمه من أفكار ومواقف،وكيف صعد للمشهد السياسي والسجالات المجتمعية حول بدائله وتصوراته للحياة ذلك الزمن.من خلال شخصية رشيد وتحولاتها…ومن خلال حوارات ومشاهد سردية تحيل على مسألة علاقة الدين والفنون.
-جدل التحرك بين ثقافتين مختلفتين،وهذا من خلال شخصية الزوجة الأوكرانية لأيوب،أو من خلال أيوب نفسه،بين بعده الثقافي الحزائري،وتكوينه العلمي والثقافي في روسيا.
_انطلاق الهجرة غير الشرعية وانتشارها، وقضايا الفساد السياسي والمالي،وبدايات الحراك الشعبي …
_زمن الفتنة بالجزائر في التسعينات وظاهرة اغتيال المثقفين و الائمة والإعلاميين..تقول كلاريسا(هي موسيقية من أوكرانية) الجزائر:”لكن طقوس الموت والرعب في هذا البلد الجميل تحجب عن قلبي أي شعور بالفرح.” (ص48).
_ يرتفع صوت الأمومة والأبوة في الرواية،لرفض الحرب والصراعات الدموية،وهذا من خلال مشاعر الحنين وأشواق الأب لأسرته ورسائل متبادلة زمن الحرب الروسية الاوكرانية،ليكتشف القارئ _في العمق الروائي_ أن رواية “رقصة أوديسا ” لعز الدين ميهوبي هي صرخة فنية وفكرية في وجه القبح /الحرب.
وعلى المستوى الفني لاحظنا مايلي:
_ تنتقل الأحداث في الرواية بين الماضي والحاضر،أي بين زمن الطفولة والشباب والخوف في العشرية الحمراء…وصولا إلى زمن المغامرة بالهجرة و غرق الشباب في البحر ومشاهد الرعب والموت والفجيعة في البحر والعواصف والأمطار…و هنا لحظات سردية عميقة في أبعادها النفسية والسوسيولوجية،وقد يبكي فيها القارئ العاطفي…وهو يقرأ موت شباب جامعي غرقا.
_تتفاعل الفنون في الرواية من خلال توظيف عز الدين ميهوبي لقصائد شعرية ولمشاهدة موسيقية وراقصة ،وعبر الحديث عن الافلام،وتوظيف الاغاني الجزائرية والعالمية…وهذه ظاهرة فنية تميز الروايات الحداثية مؤخرا.
_تتعدد الأمكنة وتتنوع في الرواية ،من الجزائر،الى روسيا،الى اوكرانيا،إلى اسبانيا…مع اختلاف التعامل الفني والثقافي مع كل مكان.
ويتخذ فضاء البحر مساحة كبيرة من السرد،ومعه تحضر اللغات الشعرية والفلسفة والصوفية…بأشكالها ودلالاتها،مما جعل السرد يقترب من الإفصاء الذاتي ومن الروح الإيمانية ومن الطرح الوجودي،عندما كان ايوب يعاني بين الحياة والموت في تابوت ضيق بين الصخور والأمواج.
يقول أيوب:”سأعبر كما الناس هذه الأيام،فأنا أقرأ عن قوارب تذهب وتعود، وقليل منها لا يعود،سأعبر،لأن ذلك هو خياري الوحيد، أن أعيش مع شريفة وكلاريسا في مكان آمن خلف أدخنة الحرب وركامها ،أو انتهي وجبة شهية في بطون الحيتان الجائعة”.ص131.
-من العلامات المميزةفي سرد الأحداث في رواية الكاتب ميهوبي علامة تداخل الواقعي والذاتي،الحقيقي والعبثي، وأحيانا نلقى صراعا بين صوت المنطق وصوت الهذيان والخلط اللغوي الفكري (غياب أيوب عن الوعي في البحر ثم في المشفى الإسباني).لدرجة يرقص ايوب(علما أنه درس فنون الرقص في مسرح البولشوي الروسي)،في لحظة المهم زوجته وخوفه في صخور البحر،ويصرح في مونولوق غريب بعد أيام من الالم في البحر:”ولما أدركتُ أن ابواب المستحيل مشرعة في وجهي وأن الموت يُعد لي نعش الرحيل الأخير،وقفتُ أعلى الصخرة ورقصت…”ص138.
الخاتمة..
إن رواية “رقصة أوديسا “لعز الدين ميهوبي هي رواية عن الحرب وتجلياتها وآثارها،و هي رواية عن الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تدفع الشباب للمغامرة بالهجرة بحرا بلا وثائق ،و إنها رواية الموسيقى والحرب،الاشاعة والحرب،المسرح والحرب،العاطفة والحرب،الاعلام والحرب…وهي تنتقل بين الشأن الجزائري والشأن الدولي(حرب روسيا وأوكرانيا 202-2023) بلغة السرد الفني و البناء المتخيل الذي يقول الواقع والراهن السياسي ،بطريقة التجريب الفني والحكي المراوغ…
إنها- أخيرا- رواية قصة ايوب بأوجاعه وأحلامه،في أزمنة مختلفة بين فتنة الداخل (جزائر التسعينات)وصراعات الخارج(حرب الشرق والغرب،الروس والأوكران).