عزيز باكوش “سأم المسافات” لجمال أماش أرساء لمرحلة عبور لافتة داخل القصيدة المغربية الحديثة/ عزيز باكوش
“سأم المسافات” ديوان شعري للشاعر المغربي جمال أماش صدر مؤخرا عن دار مقاربات للنشر . الإصدار الذي يعتبر الرابع في ريبيرتوار الأديب جمال جاء في 94 صفحة من القطع المتوسط وازدان بلوحة للفنان محمد طريفي. أما كرونولوجيا فقد جاء هذا المنجز الأدبي بعد ديوان «اشتعال الثلج» سنة 1998، ثم «خطوات تتقدم الموكب»، الصادر سنة 2005، جاء «حارس النبض» سنة 2010. وتستمر قافلة الإبداع الشعر ..
وتشكلت أضمومة الديوان من 27 قصيدة رتبها الشاعر على نار هادئة “حطبها القلق والحزن على ما يمور به المشهد الإبداعي والثقافي من تسرع وركض نحو احتلال المواقع والمنصات”: أجرام سماوية – أحلامي بعيدا عن النجوم- – أشجار لا تخفي شيئا -إشراقات الفراغ- أضغاث عسل- اعترافات منتصف النهار- شمعة وعود ثقاب- المراثي لا ترمم شقوقا يتنفس منها التراب-بعكس اليقين- بعيدا عني قريبا من الغيمة-خرائب- خرقة النسيان- سأم المسافات-جناح السقوط- حطب الثلج- ما أكبر الفكرة ما أصغر الرحلة–سأم في الرأس – سفوح حالمة-عزف منفرد- غرفة بلا جدران-كنتِ لي-لا تقربوا الحب إلا وأنتم سكارى- لوحة للعموم- وصايا الغريب- ضوء حزين ومتوتر-الغبار يتشبث بظلك كحقيقة مؤجلة–على رصيف متحف الماء.
والشاعر جمال أماش، هو أيضا إطار تربوي عال الكفاءة ومفتش مركزي بوزارة التربية الوطنية ، إلى جانب كونه مفكر أديب شاعر وأكاديمي . وبإجماع الكثير من المقاربات النقدية التي لا مست تجربة جمال أماش ،فإن انتماءه لجيل الثمانينيات ومساهماته الإبداعية ضمن حركية الشعر المغربي المعاصر، جعلته من بين التجارب الجديرة التي أسهمت بنبل وحداثة في ترسيخ أفق مستنير للحراك الشعري الوطني خلال العقدين الماضيين ،كما أرست لمرحلة عبور لافتة داخل القصيدة المغربية الحديثة. تجربة أكدت حضورها وخصوصيتها، واستمرار قوتها بكل الوهج والبروز الإبداعي المميز.
ونحن نلامس مسار الشاعر جمال، سواء عبر إصداراته أو ما ينشره على حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، نجد الرجل وقد راكم تجربة إبداعية مستنيرة ومتميزة ، تجبرنا أن نقر بكل تجرد ،أننا في هذه الورقة لا نسعى إلى تحليل مختبري لمعالم هذه التجربة الأماشية ، أو نقتفي الأثر لتحديد سماتها ،أومساءلة حمولتها الدلالية مبنى ومعنى والتوقف عند صورها البصرية والرمزية جماليا وأسلوبيا بالمعنى النقدي للكلمة ،بالقدر الذي نسمح فيه لأنفسنا بقنص الانطباعات الجميلة ، ورصد المشاهد البصرية والرؤى المذهلة الأكثر التصاقا بالذات والمحيط حولها ،تلك الترسانة من المشاعر والاحاسيس التي تحدثها بصريات جمال ،إحالاته ورمزياته وصوره الشعرية الدالة والمسعفة . وأيضا للاغتراف من هامش نتلمس فيه حس الإبداع الشعري كقراء عاشقين للقصيدة الحديثة في بعدها التنويري . ذلك أن قراءة قصائد الديوان ،والغوص في أعماق أقاليم المعاني الرئيفة ، والمشاهد المتجاذبة التي تزرعها في أقاليم النفس البشرية المعاصرة ،كفيلة بإحداث التأثير المتوقع ، والتأشير على الفارق الزمني والنفسي في أفق لذة النص واقتراف جنحة المتعة في بياضاته .
يعتبر الشاعر جمال أماش (مواليد 1957 بمراكش)، عضو المكتب التنفيذي لبيت الشعر في المغرب واتحاد كتاب المغرب، من رموز القصيدة المغربية الثمانينية، إلى جانب شعراء استطاعوا أن يعبروا بالشعر المغرب إلى أسئلة جديدة، في لحظة تجاوز فارقة أسهمت في فتح آفاق جديدة للقصيدة المغربية الحديثة. كما سبق للشاعر جمال أماش، أن انخرط في مشروع “أصوات معاصرة”، وهي مجلة كانت مؤسسة في مرحلة عرفت حراكا لافتا على مستوى الإصدارات، بموازاة انخراط مجموعة من الأصوات الشعرية الجديدة، والتي تنتمي لجيل الثمانينيات، في حركية الشعر المغربي.“
نقرأ من نصوص الديوان: أجرامٌ سماويةٌ”
أنا لما أفقتُ هذا الصباح وجدتُ العالمَ
كطفلٍ صغيرٍ يعبثُ بأحلامنا التي ضيَّعناها في لعبةِ حروبٍ
قد تنتهي بالكثيرِ من الموتى والأسرى
والمفقودينَ
وقد أكونُ أنا منهم مكبلاً بكوابيسَ مزعجةٍ
رافقتني منذ تعرفتُ على الشابِّ كارلْ ماركسْ
في رحلةٍ إلى غاباتِ كولومبيا
حيثُ وجدنا السيد «غابرييلْ غارسيا ماركيزْ» منكباً في عزلتهِ
ينسجُ روايةَ خريفِ البَطريقِ
على نولِ العنكبوتِ
وحيثُ الصراعُ الطبقيُّ منعدمٌ تماماً
حَيَّتنا الأشجارُ كثيراً
رغم اشتباكِ الغيومِ
فَفرِحنا بِما كَسِبنا من كاكاوْ
وحورِ عينٍ
ونبيذٍ مُعتَّقٍ من نهود الغزلان..»