ثقافة وفنموضوعات رئيسية
عزيز باكوش: كتاب “سحر الحكي ضد رهاب الوباء” للدكتورة فتيحة عبد الله
ثمرة التهام نهم لمتون روائية عربية متشعبة التيمات والشخصيات . تقاسمت سحرها مع صداقات عالمها الافتراضي بسخاء كبير . فلطالما اقتنعت الكاتبة”رئيسة الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة ” بأن تقريب الرواية لمن لم يقرأها ، ليس تفاعلا ثريا وملهما فحسب ،بل أكثر من ذلك ،تحفيزا عن سابق إصرار وترصد على ارتكاب الجرم القرائي في خضم عالم زاخر بالتفاعلات والأحداث والمصائر التي تنبض بالحياة .
قرأتُ الكتاب برواياته العربية العشر في استغراق لذيذ على كوكب التخييل السردي المنفتح على كل الشساعات ،وخلال أربع ساعات ونصف على مراحل زمنية منفصلة . واحدة من هذه الحزمة الروائية تتألف من 465صفحة. والمنجز الأدبي القيم لمؤلفته الدكتورة فتيحة عبد الله جاء في 117 صفحة من القطع المتوسط، صدر عن مؤسسة النشر توبقال الرائدة في الصناعات الثقافية ،مزدان بغلاف للفنان عزيز أزغاي . وهو إلى ذلك استجابة لغمزات عناوين روايات خلال فترة حجر صحي بنكهة الغربة بالإمارات العربية المتحدة. ولما كان الوقت محاصرا بالوباء.والوباء باعث على ارتكاب الحماقات الصامتة ،فإن الدكتورة فتيحة عبد الله لم تقاوم جاذبية الغمز ،فاستسلمت على الفور لألق الحرف . وخضعت بذل رحيم لسحر الحكي وفتنته الرئيفة، فجاء الكتاب .
هل هو سحر الحكي ؟ أم الوقوع في فخ السرد وما يزخر به المتن الروائي من كيمياء خاصة تستقطب القارئ وتستغويه ،كي يدخل عالم الرواية المدهش بالشغف هو ما شد الدكتورة فتيحة عبد الله أم الحفظ من النسيان ؟ فثمة روائيون يأسرون القارئ داخل بنائهم السردي المحكم الإمتاع والمذهل في استراتيجية محكمة الإغراء في الحبك والبناء السردي الدراماتيكي.” و لعل ما يمكن استخلاصه من قراءة هذه الروايات العشر على اختلاف مبدعيها وتيماتها، وأزمنة إصدارها توجزه المؤلفة في كون” الرواية العربية الحديثة قد اكتسحت المشهد الإبداعي والثقافي، وحققت انتشارا غير مسبوق، ومقروئية واسعة، عززتها ظرفية الجائحة، وعامل الرقمنة الذي جعل الرواية متاحة عبر الأنترنت، ووسائل الدعم والتشجيع لكتابها بفضل زيادة الإقبال عليها. لعله علاوة على ذلك “سحر الحكي المتأصل في الإنسان كاتبا ومتلقيا، وعمق الرؤيا التي يبلورها، وبراعة الكتابة التخييلية التي تلفّ القارئ بشعريتها، والاحتفاظ به طويلا تحت سحر مفعولها. “
ad
إنها متابعات نقدية وازنة هادئة وعميقة التبئير ،لا تشفي الغليل وتفتح الشهية للاستئناس والموانسة في عوالم روائية فحسب ، بل تذهل ،تبهر، تدهش، تنور، تطور . من هنا يأتي الاستمتاع بالجمال وتذوق نكهة متون السرد المختلف من بناء لآخر . ونتساءل كقراء مع الكاتبة ،أليس الزمن العربي زمن الرواية ؟ تلك البوابة المفتوحة على كل لاحتمالات والتناصات المتضمنة لكل الاجناس والأنماط ، عابرة لتخوم الواقع الراهن والقريب في نأيه والنائي في قربه ؟ أليست الرواية استبئارا سريريا للنفس البشرية وغوصا عميقا في جوانيات الذوات ،والضلال في متاهاتها على ضوء نور الحكي الرئيف دون بوصلة ؟ نعم ، إنها عملة بوجهين، تربكنا وتسحرنا، وفي الحالتين معا تمتعنا .
- في الرواية الأولى “قمر على سمرقند ” رواية التخييل التاريخي. للكاتب المصري محمد المنسي قنديل ، نتابع بشغف مسار البطل “علي” في رحلته المدهشة إلى مدن كازخستان طشقند وبخارى وسمرقند ،ولقائه أثناء ذلك ب”نور الله” هذه الشخصية الأسطورية التي تلخص معاناة الإنسان في دوامة الحياة المرتبكة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في ظل تسابق محموم للحلف الشرقي السوفياتي إبان حكم ستالين . ومحاولة طمس الهوية الإسلامية لإقليمي كازاخستان واوزبكستان وممانعة السكان على راسهم طلبة المدارس الدينية وشيوخهم من العلماء. وما يخلفه هذا الصراع من ضحايا ومعاناة إنسانية لا تكتفي بتغريبه عن ذاته وهويته ،وإنما تسقطه في التطرف او العمالة للأجنبي . في الرواية وتقديم المؤلفة لها ،نتعرف على حيوات صاخبة لأناس ،رجالا ونساء يحملون أقدارا متباينة . ولكن يلتقون في مآسي تغربهم عن ذواتهم وتجعلهم في دوامة .يغامرون ويخطئون ويحاولون التطهر فيسقطون ضحية حظوظ عاثرة وكأنهم خلقوا ليتعذبوا . إنها رواية المأساة الإنسانية بين بصيص خير سرعان ما يعقبه شر جاثم”.
- الرواية الثانية :” العلامة” عبد الرحمن بن خلدون ،الموزع بين الفكر والقلب والسياسة . تقدم المؤلفة قراءة فنية دلالية لرواية بنسالم حميش. يتعلق الأمر برواية زاخرة بالعبر، غنية بالدلالات التاريخية التي لا تزال مستمرة في العادات والأعراف السلطانية . متحكمة في سلوك ذوي الجاه والسلطان وحاشيتهم . تحركها نوازع إنسانية مشتركة . فكك بنيتها العلامة ابن خلدون ودرس أسبابها وتمظهراتها . كما أنه حلل دخيلة المثقف الموزع بين النوازع البشرية من حب وألم وتنافس وحب استطلاع ،وبين هواجسه الفكرية وطموحاته السياسية ،التي قد يؤدي ثمنها باهظا جراء دسائس السياسة وألاعيب محترفيها وتقلبات ريحها . وتكمن قيمة الرواية برأي المؤلفة في كونها عمل فني يتمحور حول سيرة ابن خلدون، ويتناص مع مقولاته . ليقدم رؤية للعالم لا تقل ثراء عن النصوص الإبداعية العالمية ،عبر التناوب بين السرد على لسان الراوي ولسان البطل .وهي مواصفات على مستوى عال من الإبداع الروائي ،أهلتها لنيل جائزة نجيب محفوظ في مصر سنة 2002 وقبلها جائزة الأطلس الكبير في المغرب سنة2000 .
- في الرواية الرابعة “أرض الإله ” لأحمد مراد ” سفر التصحيح “لقصة موسى وخروج بني إسرائيل من مصر. وتتناول موضوعا له حساسية خاصة .وهو تزوير اليهود للتاريخ .وتعويضه بأسطورة .حيث نبش الروائي المعاصر “أحمد مراد” في التاريخ الموغل في القدم ،ليفند التزوير الذي لحق فترة سيدنا موسى وخروج اليهود من مصر . هذا التزوير الذي قبح صورة تاريخ مصر لدى أبنائها ، بدل اعتزازهم بالأجداد بناة الأهرام والفخر بعملهم وحكمتهم ومآثرهم .”
وتنقلنا المؤلفة إلى أجواء رواية “أرض الإله” بلغتها الخاصة التي تضع القارئ في أجواء تاريخ ايجيبت EGYPT ،سواء داخل المعابد وحياة الكهنة في أعمالهم اليومية وشعائرهم التي تلقن جيلا بعد جيل ، وتوافد عامة الناس لديهم طلبا لبركتهم ودعواتهم للشفاء . أو بسرد القصة المتشعبة عن نبي الله موسى بمعجزاتها ومعاناة صاحبها من عناد فرعون وبطشه . أو من نفاق بني إسرائيل وعداء شيوخهم لدعوته للخروج من بطش فرعون . وقد استثمر الكاتب قاموس الحقل الديني بغزارة مثل قدس -الأقداس -البحيرة المقدسة –المعابد- الكهنة -الملائكة -وكثير من الآي القرآني المقتبس كليا أو جزئيا من قصص الأنبياء في القرآن الكريم .كما استخدم كثيرا من الكلمات والرموز المصرية القديمة مقرونة بأساطيرها مثل: مفتاح الحياة والأرقام التي خطها الكاهن الأعظم بدمه .أو أسماء آلهتهم ست حورس وملوكهم وأعيادهم والكائنات المقدسة لديهم كرأس العجل والثعبان والجعران والتمساح والقط . وقد برع الكاتب في صياغة أسلوب خاص بمضمون الرواية وأجواء قصتها الدينية وضمنها وضمنها كثيرا من الصور الشعرية أثناء الوصف لقصة عشق “ناديا “للكاهن المجنح “كاي” . وبذلك ،نجح الروائي في إبداع رواية متكاملة تنور المتلقي بقدر ما فيها من معرفة دينية وتاريخية وقضايا إنسانية وفيها متعة سردية تجعل القارئ يهيم في القصة ،كأنه يعيش أيامها . فيسب فرعون ويضحك على سيرة قارون . ويتماهى مع موسى ويشفق على كاي . ويحقد على مردخاي ثعبان القصر ويقف بما لامجال فيه للشك من أسطورة بني إسرائيل التي ظلوا يروجون لها عبر التاريخ بإبداع يأتي في برزخ بين الواقع والخيال وبأسلوب سردي أخاذ.”
الرواية الخامسة “أقليما” ملحمة الحكي والتاريخ لمغرب السبعينات .
جاءت رواية “أقليما” للكاتب “سلام أحمد إدريسو من علياء الفلسفة بترسانتها المفاهيمية حول الكينونة والوجود والنهايات . كما أنها سليلة أصيلة للمنجز الشعري للأديب ،بنفسها الطويل وشاعريتها المبهرة وبتعدد أصوات سرادها وأسئلتها الإبداعية والفلسفية العميقة لتجعل القارئ وجها لوجه أمام سؤال المعنى . هذا الصديق اللدود للسارد الذي يلعب معه لعبة التخفي السحري عن العالم وحوله ،مخترقا للتقاليد المسكوكة للسرديات باعتبار أن القواعد موت .وأن الأعراف برازخ، وأن الفوضى عتبة ،وأن النظام سر من أسرارها ” وباقتضاب شديد ” الرواية زخم من الحكي والشعر والحكمة والتاريخ والموروث الثقافي بلغات وشخوص في محاولة للخلود في سرمد الزمن” هي فصل فريد كالبحث عن الأبدية رواية” أقليما “سيرورة الزمن المغربي خلال فترة السبعينيات وما تلاها من زمن التحولات حيث يتحول بهلوان التاريخ إلى كائن مشحون بحدس الأنبياء بفضل لعبة الإصرار الفلسفي الذي يمارسه وعي السارد هناك ،حيث ينغرس الوعي بزمنية الحياة وطفولتها باعتبارها حالة وجودية ناقصة”
- الرواية السادسة” سقف الكفاية” للروائي السعودي محمد حسن علوان . ملحمة حب حزينة.
هو نص يتفوق على ذاته في جلب المتعة للقارئ لأنه قد امتلك زمام اللغة وسبر أسرارها وغاص في قيمها التعبيرية وهذا دليل على اكتشافه للعبة اللغة ولعبه معها إلى أقصى حد “لقد برع الكاتب في تصوير المشاعر والأحاسيس وتشخيص العواطف بدقة متناهية وقدرته التخييلية التي تمكنه من إبداع صور طريفة وتشبيهات في غاية الجمال والدقة .
اقتباسات تنم عن سعة اطلاع وقدرة على غثراء الرواية بما يناسب دلالتها من آراء الآخرين وبصمات قراءته لإنتاجاتهم الشيء الذي أثرى الجانب المعرفي للرواية وساهم في إغناء عالمها المترامي الأرجاء خصوصا ما يتعلق بتاريخ العراق والهجوم على الكويت وما أعقب ذلك من حصار وحرب وكثير من المعطيات الاجتماعية عن المجتمع السعودي في العصر الحالي وعن العرب المغتربين في كندا وبريطانيا.
تبدأ الرواية بسرد شعري يغري بالقراءة ،،لتتوالى دفقات البوح والهذيان وفصول الألم والحزن وهلوسات البطل المتكلم وهو يناجي طيف حبيبته ” مها” التي رحلت بعيدا وتركته يكابد قدره المشؤوم وقد لجأ لكل الحيل التي تجعله ينساها لكن ذهبت محاولاته عبثا فاختار أخيرا الغربة ملاذا.
الرواية “ظل الأفعى” المرأة من التقديس إلى التجنيس إديولوجية الأنوثة من الدحض إلى التكريس.رواية صغيرة الحجم بليغة الأثر عميقة الأسئلة حول الشرط النسائي العربي تضع القارئ منذ العنوان في متاهة”الحرب بين الرجل والمرأة وتحولات الأنوثة من المقدس إلى المدنس . فقد أبدع الروائي المصري يوسف زيدان عالما تخييليا ليناقش من خلاله هذا الصراع القديم والمتجدد القائم بين الرجل والمرأة ربما منذ الخطيئة الأولى حيث تدور في الرواية حرب نفسية خفية ومعلنة بين زوجين عبده ونواعم بعد سبع سنوات من المعاشرة الزوجية العادية في محاولات متكررة من الرجل الزوج لإخضاع الزوجة لرغباته الجنسية المتكررة والتي أبدت الزوجة إزاءها نشوزا غير مسبوق . مستعينا في ذلك بإغراءات الجسد وما يتيحه له من أسرار المتعة والاحتراق . في حالتي الوصل والهجر . هذا التحول لم يفهم الزوج أسبابه في البداية لكنه شك في كونه بسبب تأثير رسائل الأم البعيدة عن ابنتها خصوصا أنه كلما عاد الى البيت وجد بيدها كتابا مجلدا صغيرا وداخله تضع رسائل الأم . وقد برع الروائي في إبداع عالم سرديمقنع بعمق أطروحته حشد له من الخيال واللغة والنظريات الأنتروبولوجية والموروث التاريخي والأدبي والمعيش الشعبي ما يجعل القارئ يخرج بتبني قناعاته ولعل هو هذا الهدف البعيد الذي يرمي الكاتب إليه” والعنوان مفتاح أطروحة الرواية ” ظل الأفعى” بكل ما يوحي به في الخيال الجمعي من صفات قدحية وسلبية تثير الخوف والرعب من لدغات الأفعى “المرأة” وقد وضعه الروائي قصدا ومباشرة تحت صورة امراة فاتنة بوجهها المشع ونظرتها الحالمة ولون بشرتها الناصع البياض وشعرها المتدلي على الكتفين على خلفية سوداء حالكة لعله رمز لماضيها وحاضرها بعد تحكم الرجل وزوال قدسيتها” ويتبلين أن الرواية تبطن إيديولوجية معينة تدافع عنها وتحاول دحض نقيضها . وذلك بإبداع أسلوب سردي طريف عماده سارد عليم بكل شيء يستبطن الذوات ويعرف ما يجري بأعماقها ومن حين لآخر يجري على لسانها جحوارات مقتضبة تعقبها مونولوجات طويلة تفصح عن اسرار ذاتية ومشاعر متضاربة إزاء الآخر وهي رواية كثيرة المعرفة غنية بالأفكار والبحث اللغوي ومحاولات ابتداع ألفاظ او تفسير أخرى وعمل الروائي هذا قريب من النضال النسواني المستند على البحوث الانتروبولوجية والسوسيوثقافية لكمه يسقط في ذكورية أفضع من خلال العنوان المثير ظل الافعى . الذي هو تكثيف للدلالة العامة والمقصورة لهذه الرواية . ويبدو ان اكاتب يوسف زيدان هو نسخة من بطله عبدو الذي يتصارع في داخله هذا الانتصار للمرأة أو عليها . ويبقى في منزلة من يكره في عمقه المراة ولكنه يتحرق لجنتها بذلك أراد ان يدحض الأيديولوجية الذكورية فإذا به يكرسها “.
- “جوانتانامو ” رواية البوح الجواني لفضح الوضع البراني السجن الذي حول المتطرفين الإسلاميين الى متعاونين يوسف زيدان.
رواية جوانتانامو اليوسف زيدان أصدرها سنة 2014 في 288 صفحة هي إحدى الروايات السياسية والتاريخية التي تدخل ضمن نمط أدب السجون من منظور نفسي هذه الرواية سبرت عميقا أغوار هذا السجن الرهيب السيئ الذكر الذي كثر الحديث عن أهواله وجحيمه مع بداية الألفية الثالثة . بعد أحداث شتنبر 2001 محكيا على يد أحد ممن نجوا بأعجوبة من الموت بسبب آلة التعذيب الرهيبة التي كانت تمارس من داخله . وقد سردت الرواية كل تلك الأساليب في شكل بوح لأحد المعتقلين السابقين وفككت لغز إطلاق سراحه ليكشف الكاتب يوسف زيدان من خلال ذلك وشيئا فشيئا على امتداد بوح السجين أبو بلال في الرواية السياسية الأمريكية للقضاء على التطرف والإرهاب . بتتبع مراحل حياة واحد من هؤلاء الذين دخلوا معادين لأمريكا وخرجوا منه متعاونين وعملاء لها في بلدانهم”ويمكن تلخيص احداث الرواية في مراحل مر بها السارد “ابوبلال المصري” الشخصية الرئيسية فيها التأريخ لسنوات الاعتقال السبعة المريرة في بوح مؤلم يتداخل فيه التذكر بالهذيان بالهلوسات بالاحلام بعد القاء القبض عليه على الحدود بين أفغانستان وباكستان.وكان مبعوث اعلامي لتغطية احداث الحرب هناك وقضاء أربعة اشهر في سجون قندها قبل ترحيله مع مجموعة معتقلين الى معسكر جوانتانامو باعتبارهم أعداء أمريكا . إلى ان بدأت بعروض التعاون مع المخابرات الامريكية من خلال “مارتن كيلر “بعد عدة لقاءات واغراءات ومساعدات لمعرفة أخبار أسرة اب بلال انتهت بقبوله العرض والتوقيع على التعهد بعدم مساءلة الإدارة الامريكية او المطالبة بالتعويض عن هذا الاعتقال الظالم وبدأت الإجراءات لإطلاق سراحه وإدماجه في مخطط المخابرات بمساعدة الطبيبة النفسية “ساراكلاوس” وهو ما يسرده بتفصيل البطل في الفصول الأربعة الأخيرة للرواية”.
- السرد الروائي في رواية “هاتف المغيب” للروائي المصري جمال الغيطاني
في هذه الرواية استثمر الروائي جمال الغيطاني كل ما حفل به هذا السرد التراثي من أساليب فنية ومقاصد مضمونية وسار على نهجه وهو المتشبع بقصصألف ليلة وليلة . في هذه الرواية سنتتبع مسار الحكي فيها وعجائبية الأحداث وتعدد السراد وتداخل الأصوات والتارجح بين الشك واليقين لسراد هذه الاحداث العجائبية. مع اعتماد الكاتب تقنية القصة داخل القصة وتراكب الاحداث وتناسلها ولولبية الحكي او حركيته الحلزونية بحيث يبدأ الحكي من حيث انتهت الاحداث ليسير المسار التذكري بعد ذلك منذ بدايتها وتكسير تسلسل الزمن بكثرة الاسترجاعات والاستباقات بشكل يضطر معه القارئ الى إعادة القراءة لفقرات سابقة لفهم ما تلاها على بعد صفحات او التنبؤ باحداث سياتي تفصيلها فهناك تلاعب كبير بالزمن وفي بعض الأحيان اسطرة الزمن نفسه تماما الى درجة تجعل الانسان لا يصدق ما يسرد عليه لكثرة اوجهه واحتمالاته وهلاميته. ولعل ما يلفت القارئ هنا في “هاتف المغيب” هو استغراق البطل لعدة فصول في وصف تحوله الى حاكم بالمواصفات المطلوبة للحكم المقدس حيث يطلق لنفسه العنان لفعل ما يشاء لاخضاع الرعية وتخويف كل من يفكر في المعارضة او شق عصاالطاعة.
إن تعلق الناس الأسطوري بالنسب الشريف لهذا البطل القادم من الشرق الى المغرب والالقاب التي وصف بها وبهذا المبرر تمكن من التجكم في الرقاب بمباركة من الرعية وسعي منها الشيء الذي يضخم من امر الانسان حتى يصير الى تقديس مبالغ فيه
وقد اعتمد السارد على تصريحات البطل في الافصاع عن نوازعه تلك وكيفية استطابته لبهرجة الحكم وطقوسه حتى لان خضوعه لعملية جراحية قاسية انها فعلا فنتازيا السياسة تحت غطاء النسب الشريف والدين بأسلوب شيق أخاذ فيه تعريض وكناية عن فرعنة الحكام العرب في الهعصر الحديث حيث يحاطون بهالة من التقديس والتعظيم في العلن ويمارسون ما يخجل الشيطان منه في الستر وراء الحصون المنيعة والحراس الغلاظ في الغرف المخملية للقصور الباذخة.
- “سوق النساء” تجربة عشق استثنائية تحولت إلى ذكرى جنائزية ” في متاهة الحكي ذروة تجريبية السرد جمال بوطيب
من أجل اقتحام العالم السردي للكاتب والأديب جمال بوطيب طرحت المؤلفة جملة أسئلة اعتبرتها مفاتيح أساسية :إلى أي حد يعبر بناء رواية ” سوق النسا ” بعتباتها وتبعثر فصولها ومرفقاتها عن خصوصيتهما تجريبيتها؟ هل يمكن تفسير التعالقات النصية والتضمينية التي تزخر بها الرواية بالخلفية الثقافية المتنوعة للروائي الدكتور جمال بوطيب؟ لماذا يكثر الروائي من التلاعب اللغوي والرقمي ،أهو استثمار للإرث البلاغي وتصرف فيه أم هو تباه بالقدرات اللغوية للكاتب وتوظيفه لذاكرته القوية في نحت كثير من الكلمات ضمن أسلوب جديد يعبر عن معان جديدة؟ بماذا نفسر ورود الميتانص في الرواية أهو تأمل في المكونات السردية وسخرية منها أم كشف مباشر عن سر الصنعة السردية وخرق لما ترسخ في الأذهان من تقاليدها على هدي موجة الرواية الجديدة في الغرب؟
إن أول ما يلفت نظر القارئ هو هذا العنوان” سوق النسا ” الذي يحيل بشكل مباشر على القول المشهور لسيدي عبد الرحمان المجدوب الذي صار مثلا مشهورا “سوق النسا سوق مطيار يا داخلو رد بالك يوريوك من الربح قنطار، ويقر طولك راسمالك” وحين نقرأ الرواية ككل نجد ما يبرر هذا الاختيار ويدعمه ،لأن الحديث كله عن النساء الكثيرات ،اللائي يأتي ذكرهن متناثرا على امتداد الرواية، إن كانت واحدة هي التي تأخذ نصيبا أوفر ” أنت واحدة وفيك تجتمع كل النساء” ص 86. أما الأخريات فيذكرن عرضا في علاقة بها . ولكن في نهاية المطاف وبسببها ،واعتقادا منه بأنها خائنة ولعوب، صار السارد إلى الاستخفاف بكل النساء .وهذا ما أشارت إليه الرواية في جزئها الثاني “له سوق النساء كله”، وكأنه يسعى إلى الانتقام أو تعويض من فقدها “«لبانة» بالارتماء في أحضان كثيرات عن عمد وسبق إصرار، فدلالة سوق النساء العامية بحمولتها القدحية، ما هو إلا هذا الجمع الذي لا يعتد به ولا يعول على ما يروج فيه .لأنه مجرد سوق للنساء معروفات باللغو واللغط وانعدام الجدية.”
أن «سوق النساء» الأولى صدرت سنة 2006 كما هو منصوص على ذلك في غلافها الداخلي، ولم تصدر الرواية الثانية إلا سنة 2009، وجاء ذلك بناء على حكم المحكمة على الراوي بإتمام الفصلين الناقصين ونشرهما على نفقته الخاصة ( ص (12) كحيلة تخييلية يدمجها الكاتب ليربط القارئ بين الروايتين ويجعله يتأرجح بين التكذيب والتصديق، بين الواقع والخيال ينضاف إلى ذلك العتبات الكثيرة الموالية التي تزخر بها الرواية عامة.
وتخلص المؤلفة في مقاربتها النقدية إن الكاتب بنى روايته بجزأيها بناء تجريبيا مركبا ذكيا ينتهك فيه كثيرا من الأعراف السردية، ويعيد تشكيلها بطريقته الخاصة، بدء بالعنوان الذي يتخذ صيغة مركبة من جملتين متمايزتين «سوق النساء » أو ص.ب /26 خوارم العشق السبعة (سوق النساء (2) مرورا بلوحة الغلافين لوحة تشكيلية لشبح امرأة على سرير بوجه في الوسط لا ملامح له ووجه خلفي فاغرا فاه مقهقها أو ساخرا، ووجه أمامي معلن مكشوف هو عبارة عن قناع، لعله يخفي الغدر والخيانة الذي يتهم بهما السارد معشوقته «لبانة» بينما هيكلها يبدو ثخينا بضا يغري بذراعين ممتلئتين لكن اليدين خفيتين، ولعل في ذلك رمزا للأثر البليغ الذي يخلفه ملمسهما دون أن يترك بصمات لذلك، وقد صرح في إحدى فقرات الرواية بأنه من خلالها أحب كل النساء البدينات البيضاوات القصيرات.”
إن شعرية هذه الرواية المبهرة وعملية التناص هذه تشي بالمقدرة الفائقة للمبدع على عجن ما ترسب في ذاكرته الموسوعية من مختلف المقروءات. لينسج لنا بها ومن خلالها رواية بديعة بقدر ما تدين لهذه الذاكرة تتصرف فيها بحذق الفنان المبدع، لما ترسب في ذاكرته، وإعادة تشكيل عوالم الرواية بلبنات أدبية وغير أدبية قديمة وحديثة، بعضها معروف وبعضها مجهول، لكنه يرصها رصا ويستدمجها استدماجا لتشكل بناء متماسكا جديدا يوحي بهذا التناسل المبطن لنصوص غائبة، قد تطفو وقد تختفي في تلابيب أسلوب الكاتب، ولكنها تتخلق من جديد لمقصدية مخالفة لأصلها في كثير من الأحيان، فنص الرواية يبدو فضاء مفتوحا يستقبل خطابات متعددة ومتباينة حيث تجد فيه اللغة الفصيحة واللغة العامية الأدب الشعبي الشفاهي والأدب الفصيح المكتوب، وأيضا الشعر وقد تداخل مع السرد، كما يندغم حديث القلب، مع حكمة العقل، ويتحاور العالم الاجتماعي مع العالم النفسي، ويتداخل الماضي مع الحاضر من خلال ذاكرة قوية، تدقق في التفاصيل، وتسجل أدنى الذبذبات، فتتجلى فيها دواخل شخوص الرواية، كأنا في مقابل الآخر.
لأن مؤلف الرواية هو في الأصل شاعر ، ولا يؤمن بالحدود بين الأجناس أو مقولة النقاء الجنسي، لذلك نجده يوظف كل الإمكانات الخطابية والأسلوبية التي تفي بالقصد، لإنتاج منجز شعري في عمقه، وسردي في ظاهره، وانصهار فريد لكل الخطابات بداخل متنه، بما في ذلك المسرح نفسه من خلال ما يشبه الإرشادات المسرحية التي نجدها متكررة في خوارم العشق السبعة، كما في هذا المقتطف الذي وضع بين قوسين: تنفعل الشخصية المتعطرة، وتعتبر الكاتب لم يوفق في الحديث عنها ، لذلك تقرر أن تتكلم هي بنفسها عن نفسها) (ص17 ج (2 ليتحول السرد إلى ضمير المتكلمة بعد ذلك، ويتكرر ذلك في نهاية الخرم الثاني(بناء على هذا التنامي غير المتوقع في الأحداث، يقترح عليكم السارد أن تتوقفوا عن القراءة، وأن تقرؤوا كتاب وصفة لقتل الحب لتركية صدوعي) (ص37 ج2)، ويضيف: يقترح عليكم السارد أن تتوقفوا الآن عن القراءة وتتحملوا عناء رش قطرات عطر، فالتعطر ينبغي أن يصير بدعة محمودة تليق بقراءة سيرة دماء صارت حبرا) (ص22 ج2)هذا بالإضافة إلى محاكاة الأسلوب التراثي في بعض الأحيان كما هو الأمر في 6 تحت عنوان تنبيه “بحثنا في عالم العشق والعشاق وأخبارهم وأيامهم وحروبهم الإمضاء: وزير الدولة في الصبابة والغرام وشؤون العشاق.”
وتختم الرواية بتنبيه من السارد مفاده عدم تسرع القارئ بإصدار أي حكم، أو إبداء أي تعاطف مع أي من الشخصيتين الرئيسيتين «عبد الرحيم «و»لبانة» قبل قراءة الفصلين الناقصين الرابع والسادس لترك القارئ مشدودا ومنتظرا لما سيأتي ولكون القصة تأبى أن تكتمل وكأن الكاتب أحكم وثاق القارئ وقبضه في شراك نصوصه المفخخة، ونحن وقد اكتملت لنا الرواية بمجيء جزئها الثاني ماذا نحن فاعلون ؟
ويبقى هم هذه الرواية ليس الحكاية في حد ذاتها وإنما الكيفية التي تحكي بها وبذلك تضع القارئ أمام احتمالات تأويلية متعددة رهانها هو نسبية الحقائق وعدم إطلاقيتها، وتلمس جماليتها وشعريتها في هذا الانبناء التلفظي الخاص الذي ينزاح بها عن السائد والمتعارف عليه في الجنس الحكائي”.
وتصل الكاتبة إلى التأكيد على أن شعرية هذه الرواية لا تلمس في خطابها الشعري وحواراتها الاعترافية ورسائلها الغنية بالدلالة والجمال، وتفتيت مشاعر الحب الممزوجة بمشاعر الخيبة والكراهية ومعاناة الهجر والفقد والموت البطيء، ولكن تلمس أيضا فيما نثره المؤلف داخلها من درر الكلم التي ترقى إلى صفة الحكم التي تلخص شعورا أو حقيقة حياة أو تجربة أو أمل إلى درجة يمكن اعتبار هذه الرواية رواية حكيمة وفي نفس الوقت هبي رواية العشق والتداعي وتكثيف البعد الإيحائي والاقتصاد في السرد وتوظيف اللغة الشعرية مع ميل واضح إلى خلخلة الزمن وتفجير نسق النص وبعثرته بالإضافة إلى تنويع الضمائر . وتعدد السراد . ونخلص إلى تقرير أن هذه الرواية رغم صغر حجمها، فقد حققت فرادتها وتميزها بما اتسمت به من كتابة عبر نوعية وبذخيرتها من نصوص غائبة استحضرتها ووظفتها لتخدم مقاصدها مع صياغة لغوية وفنية خاصة تؤكد تجريبية هذا النص وإضافته النوعية للكتابة الروائية المغربية الجديدة.”
- الحب والكتابة في رواية ” لم تكن صحراء” لحليمة زين العابدين