ثقافة وفنموضوعات رئيسية
لعبة الرغبة والطموح في رواية “لعنة القصر” لأحمد الأميري/ عبدالله المتقي
بإصداره ل” أكذوبة جميلة ” و ” حرب باردة ” و” لعنة القصر” ، يؤكد الروائي الإماراتي أحمد الأميري ، علاقته الوطيدة بالكتابة الروائية التي تمتلك بصمتها الخاصة ، وتسعى إلى بلورة تضاريسها على مستوى الموضوعات والشخوص والفضاءات .
وتأتي رواية ” لعنة القصر ” ّالصادرة عن دار للنشر والتوزيع في حلة قشيبة ، لتطل علينا بنص سردي جميل ومثير ، يوفر متعة القراءة والتشويق على امتداد صفحة ومن خلال فصل جاءت عناوينها كالتالي : الجزيرة – القصر ، فالانتيا – رحلة التسوق الأخيرة -لادييغو – اللؤلؤ يسقط – عودتي للقصر ، لعنة – الصفقة – صوفيا ، أم ناتاليا ، هل قبلت الصفقة ياناتاليا ؟ ، ناتاليا مصابة بالسكري ، باريس نحن غي الطريق ،أهلا أنا سامويل ، حان وقت المضي وحدك ،اسمي باولا يا حضرة المحقق، خاتمة طموحي خلف القضبان ، أهلا بك أنا كارولينا ، باولا مهمتك تنظيف الحمامات ، باولا كارولينا أنتما بريئتان البدايات الجديدة .
واضح من العناوين الآنفة ، أنها مفردة وجمل اسمية ، وفي جميع الحالات تبقى وافدة من بلد أجنبي ، كما تجدر الإشارة إلى أن عناوين هذه الفصول ، جاءت مرفقة بمناصصات ثقافية لبعض الأدباء والشعراء والفلاسفة كمصطفى لطفي المنفلوطي ، ومحمود درويش ،و الفونس دي لامارتين ، والكسندر بوب ، وجان جاك روسو ، مما يدل على أن أحمد الأميري لم ينزل أرض الرواية من عل وبمظلة ، بل يكتب انطلاقا من خلفية ثقافية ومن حس روائي إبداعي .
وتبعا لما سبق ، اختار أحمد الاميري لبناء نصه ” لعنة القصر ” ، مجموعة من الشخصيات بصيغة المذكر والمؤنث ، وعلى رغم التباين بينها في القناعات والاختيارات ، فإن ما يجمع بينها هو علاقتها بالقصر بشكل مباشر ومن الداخل ، أو من خارجه بشكل غير مباشر ، ويمكن تصنيفها إلى نمطين :
– شخصيات مساعدة : ” فالانتيا ” شقيقة ” صوفيا ” ، الاثيوبية ” ناتاليا ” رئيسة خادمات القصر، بائع المجوهرات ” دييجو” ،
– شخصيات معيقة : “الأميرة ” سامانثا ” ، الأمير ” ألونسو” ،
هذا التعارض بين شخوص الرواية وما يمثله من ثنائيات ـ، هو الذي يحدد ويشكل الصراع بين الأصوات ، ويبرر طموح الأميرة ” صوفيا ” التي تتبوأ مركز البؤرة ، هو ما أضفى على الوضع الروائي بعدا تشويقيا برصده لتحولات الشخوص تحت تأثير فضاءات القصر .
وعلى هذا الأساس ، تعيش ّ صوفيا” مفصومة بين عالمين ، عالم القصر الذي يشتمل على الحصار والتضييق ، وكبح طموحاتها واختياراتها ” لأنها لا تعد نفسها من العائلة الملكية ، وتفضل أن تكون مواطنة من عامة الشعب ، تبني نفسها بنفسها ، ومستقبلها الجهول من وجهة نظرها ” ص17 ، وعالم الرغبة والطموح والانفلات من عقال القصر ، وتحقيق ميولاتها وحريتها ، إنه الانتماء إلى الحلم وتجاوز كل المعيقات التي من شأنها إطفاء وإحباط رغبتها في بإكمال دراستها في إحدى الجامعات التي تقع في “إيبيزا”
وفي نهاية المحكي الروائي ، تضعنا الرواية في عمق تحقيق ّ صوفيا لرغبتها وأحلامها التي طالما راودتها ، درجة تحملها لكل المخاطر وحتى أسور السجن :” ” سجن النساء – باريس ، الساعة تشر إلى 00:11 صباحا ، لا أرى سوى الضباب أمامي ، أشعر بالتعب ” ص145
إن ّ لعنة القصر ” ، هي بمعنى ما ، رواية الطموح ، ولا شك أن الأميرة ” صوفيا ” قد استطاعت في النهاية الإمساك بأحلامها : ” حان الوقت لأحمل شهادتي ، وأجول في شوارع باريس ، ممتنة لصفقة ” دييجو” ، ممتنة لتوبيخات ، ومناوشات والدتي ” سامانثا” ، ممتنة لفقدان ” ناتاليا الذي جعلني أشعر بالاستقلالية في أبسط أمو حياتي ” ص 175
وبقي أن نشير إلى أن أحمد الأميري حرص على التركيز في رواية “لعنة القصرة”، على لغة سردية فصيحة ومتوترة مقاربة للواقع والأشياء ، ولغة حوارية نجحت في تقديم صورة شديدة الواقعية لمواقف ونفسيات شخوص الرواية مما أنقذ بنية السرد الروائي من الترهل والاستغراق في التفاصيل المملة .
ومجمل القول ، عالم هذه الرواية ،إن كان لا بد من الاختصار ، هو عالم طريف ،رحلة متفائلة مكتظة بالصراع والشجون ، وتحقيق ما يمكن أن نسميه لعبة الرغبة والطموح .
المصدر