قصة قصيرة: عودة / أحمد باب عبد الجليل
استلقى على جنبه الايمن واضعاذراعه تحت رأسه تقية لليونة المخدة الجارحة ،أحس ببقايا برودة العصير المخلوط في حلقه ، تمطي قليلا في سريره الوثير ثم شد اللحاف على أذنيه هروبا من سيل أنباء التغطية الممل حد الإجهاد.
بين قرنية عينيه المغمضتين وجفنه تسلل النور هاربا غيربقايا مشعة، وأقبل الظلام زاحفا كملاءة ظل سوداء مخدرة..
في تلك اللحظة التي تشعر فيها ببقايا إدراك مشوش أن النوم يستولي علي قدراتك وانك تعجز عن تحريك رجلك رغم إرادتك ..في تلك اللحظة بالذات رأي أغرب شيء رآه وشعر بأغرب شيء عاشه..
بقايا شعاع النور المحجوز تحت جفنيه استطال نحو السقف ،اتسع كنهر من نور بلون أزرق مضيء ، النهر تجاوز السقف، النهر تصعد في السماء والأمواج تتحدي الجاذبية علوا نحو الآفاق،فمه المفتوح تفوح منه روائح وجبة دسمة وبقايا نشوة عصير بارد …ولكن لا حراك ..
امام عينيه المغمضتين راي راسه يفتح نصفين متناظرين وراي غيمة بيضاء في سواد تخرج من تلافيف مخه وهو يتبعها بعينيه يتشبث بها بقلبه، بعقله، بمخه، برغبته بحركة يريدها برجليه ويدبه ولكنه عاجز بين اليقظة المدبرة والنوم الآتي كظل ملاء سوداء كثيفة..
صعودا علي بساط من يسر سلكت الغيمة مسار النهر ارتفاعا بعد ارتفاع غابت في أثير من نور …
تثاقلت عيناه، تباطأ نبضه، صارت أطرافه قطعا من طين لازب ثم غاب النهر والغيمة ومساحات السماء الشاسعة..
…
شعاع النور الواهن يرفع جفنه الأيمن ثم الأيسر وينير حدقتيه المظلمتين،وملاءات الليل المظلمة تنزاح في هدوء غير مبال ،رأسه المفتوح نصفين يتجه بقحفه إلي السماء والسقف المفتوح يتسرب منه رذاذخفيف يحف غيمة بيضاء مشوبة بحمرة ،تقترب من مخه المكشوف ..
الصلاة خير من النوم: منبه لم يكن معتادا لديه أيقظه
بسهولة لم يعتدها ..
وقف بخفة ونشاط ، تثاءب واضعا كفه علي فمه وعجب لرائحة الزيتون تنبعث مع أنفاسه مصحوبة برائحة بارود منعشة…
ساك فمه واغتسل فراي علي ذراعيه بقايا دم مضيئة وجرحا في طور التندب وبقت رائحة الزيتون الممزوجة بالبارود تحفه من كل جانب..
أحس في أعماق نفسه أن هذه الرائحة أصيلة في جسده وأنه افتقدها منذ طفولته وشبابه، بل أقسم في سره أنه لم يكن يوما إلا هي.
شد لثامه علي رأسه وانفه واتجه نحو مسجد لم يعرف له طريقا من قبل ، غير ان رائحة البارود المخلوطة بالزيتون قادته لبوابته دون عناء فتوضأ وصلي ..ثم بكي طويلا
وسبح مع المسبحين.
د.أحمد باب عبد الجليل