شيم البروق/ ادي ولد آدبه
يندرج شيم البروق هو الآخر ضمن مشمولات مفهوم الأرض أو الوطن، تصديقا لإرتباط الكائن الصحراوي بوطن يوجد في السماء أكثر مماهو في الأرض، حيث يتقاطع، في شيم البروق موضوعا الانتجاع من جهة، وطلل المحبوبة من جهة أخرى، وقد يكون تقاطعهما تقاطع توافق حين يلوح البرق على أطلال المحبوبة، واعدا برجوع المياه إلى مجاريها الطبيعية، واستعادة الأرض لزخرفها وخصبها، وقد يكون تقاطع تناقض، حين تلوح البروق على مواطن أخرى غريبة، تقتضي دوافع الانتجاع ارتيادها ولو على حساب نوازع الألفة لأطلال المحبوبة الأصلية.
ومن الأمثلة الجاهلية لشيم البروق قول امرئ القيس:
أصاح ترى برقا أريك وميضه * كلمع اليدين في حبيٍّ مكلل
قعدت له وصحبتي بين ضـارج * وبين العذيب بعد ما متأمل
علا قطناً بالشيم أيمن صوبــه * وأيسره فوق الستار فيذبل
ومثال شيم البروق في الشعر الحساني قول سيد محمد بن القصري:
نكرَ تشبـــــاشِ يالمــــجيــد * وراح ا خلاڤ من فڤــد جــديد
شوف ابرڤ يخفڤ تل ابعيد* بت الاّ نرعــاه بلبصــــــار
ونميز فوڤ آش من ابليــد * وان ڤاعد لُ فوڤ ازبـــــار
الوكحَ من ڤـَـــــدّْ امْ اقــــريدْ * إلين اعرفتْ انُّ فوڤْ ادِيار
العينْ و كفّـــَلْ وانواشيــــــدْ * واڤـلابْ وتمرَ وانفَــــــــارْ
مزالْ افذاكْ من اجريحـــاتْ * لمسايلْ يتڤطّـَــع لخظــــارْ
ومزالْ يڤصْ الاّ وطـــيــاتْ * تزرڤيقْ المَ من لحجــــــارْ
فهنا يلاحظ توافق عجيب بين الشاعرين في الطقوس الخارجية والنفسية لشيم البرق قديما وحديثا، حيث هناك قعدة واستشراف لمواقع المطر على أطلال معينة مألوفة،وهناك طيٌ للمكان الشاسع ما بين موقع الرصد الجوي لدى الشاعر، وموقع سقوط المطر المفترض، حتى لكأن الشاعر الراصد يرى بأم عينيه خرير المياه وجريان الغدران، مختزلا للزمان والمكان، حيث ينفذ ببصيرته بدل باصرته إلى المستقبل في المكان البعيد، حتى ليرى في الوقت نفسه الأرض بعد نزول المطر قد تشربته، فأخذت زخرفها وازّينت واهتزت وربتْ، بعد المحل والجدب، مع ما يرافق ذلك من احتمال عودة الأهالي إلى الأطلال التي كانت مهجورة تحت وطأة الجفاف.
(قبس من” تقاطعات الشعر الجاهلي والحساني”، المنشور 2009م)