رجل في الأخبار: السيسي المدني الذي يلبس البزة العسكرية للتذكير بالامن
من دومينيك إيفانز
القاهرة (رويترز) – عندما أعلن عبد الفتاح السيسي قبل أربع سنوات عزمه الترشح لرئاسة مصر قال إن ذلك هو آخر يوم له بالزي العسكري وهو التعهد الذي يرمز إلى تحوله من وزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة إلى رئيس للجمهورية.
لكن في الشهر الماضي ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية ظهر السيسي مرتديا الزي العسكري خلال زيارته لقاعدة عسكرية قرب نهاية فترة رئاسته الأولى التي تقول جماعات لحقوق الإنسان إنها شهدت حملة غير مسبوقة على المعارضين.
وكان السيسي يفتتح مقر قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب والمعنية بمكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، وأصدر أوامره في ذلك اليوم للجيش والشرطة باستخدام ”كل القوة الغاشمة“ لإلحاق الهزيمة بالمتشددين الذين يهددون الاستقرار الذي وعد بتحقيقه.
وكان الظهور النادر بالزي العسكري، والذي تكرر بضعة مرات منذ توليه الرئاسة، تذكرة ليس فقط بخلفيته العسكرية ولكن أيضا بالدور المركزي للجيش وقوات الأمن تحت قيادته.
وقال السيسي في احتفالية أقيمت هذا الشهر تحت عنوان (يوم الشهيد) ”قسما بالله والله يعلم ما في نفسي، أنا مستعد ألبس الأفارول (الزي العسكري) وأنزل أقاتل جنبا إلى جنب معكم“.
ويرى منتقدو السيسي، البالغ من العمر 63 عاما وكان يتولى يوما قيادة المخابرات الحربية، أنه قاد مصر إلى حقبة من الحكم السلطوي أشد حتى من فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أزاحته انتفاضة شعبية عام 2011 بعد حكم استمر ثلاثة عقود في ظل حالة الطوارئ.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن السيسي كمم أفواه المعارضين السياسيين والناشطين ووسائل الإعلام الناقدة بينما قضت المحاكم بأحكام إعدام ضد المئات من مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين منذ عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي للجماعة بعد احتجاجات حاشدة على حكمه عام 2013.
وأدت الإصلاحات الاقتصادية القاسية، المدعومة من صندوق النقد الدولي، إلى خفض قيمة الجنيه إلى النصف وعصفت بملايين من المصريين الفقراء.
ويقول مؤيدو السيسي إن الإجراءات ضرورية للحفاظ على استقرار البلاد مع تعافيها من الفوضى السياسية ومعالجة التحديات الاقتصادية الخطيرة وهجمات المتشددين.
وقبل الانتخابات المقررة على مدى ثلاثة أيام الأسبوع المقبل من 26 إلى 28 مارس آذار، حذر السيسي الشهر الماضي من أن الدولة ستتعامل بصرامة مع أي شخص يهدد استقرار مصر.
وقال ”اسمعوا اللي بقولكم عليه، اللي عايز يلعب في مصر ويضيعها لازم يخلص مني أنا الأول، لأني أنا لن أسمح“.
وأضاف ”احذروا، الكلام اللي كان اتعمل من سبع تمن سنين مش هيتكرر تاني في مصر“ وذلك في إشارة إلى انتفاضة 2011 التي أدت إلى تدخل الجيش والإطاحة بمبارك.
وتابع ”اللي منجحش ساعتها هتنجحوه دلوقتي؟ لا.. لا.. لا.. انتو باين عليكم متعرفونيش صحيح… أنا مش سياسي بتاع الكلام“.
* حكام عسكريون
والسيسي هو الأحدث في سلسلة حكام مصر القادمين من الجيش، وهي القاعدة التي كسرها مرسي لفترة وجيزة استمرت عاما واحدا قبل أن يعلن السيسي عزله.
ووعد السيسي بالعمل من أجل ”الأمن والاستقرار والتنمية“ بعد ثلاث سنوات من الاضطراب، وسعى إلى إظهار نمط جديد يتسم بالحيوية عندما تولى منصبه بعقد اجتماعات لمجلس الوزراء في الساعة السابعة صباحا والمشاركة في سباق دراجات في ختام أول أسبوع له كرئيس.
كانت الرسالة واضحة.. انتهى حكم مبارك المتجمد الذي استمر 30 عاماً والاضطرابات التي شهدتها رئاسة مرسي القصيرة. الرئيس الجديد سينجز الأمور.
وفي محاولة أخرى للنأي عن حكم مبارك، أبقى السيسي زوجته وأبناءه الأربعة بعيدا عن دائرة الضوء لتجنب أي تلميحات بأنه ربما تكون لديه طموحات لتوريث الحكم.
وتعهد باحترام الدستور فيما يتعلق بالحد الأقصى للرئاسة وهو فترتين متتاليتين، وإذا أوفى بهذا التعهد سيكون أول رئيس في تاريخ مصر الحديث يقوم بذلك. أما أسلافه الخمسة فإما أطيح بهم أو ماتوا وهم في المنصب أو اغتيلوا.
وقال السيسي في نوفمبر تشرين الثاني ”أنا باعتبر أن أي بناء لدولة بياخد من 16 إلى 20 سنة. أنا أحاول اخلص الموضوع في الثمانية وربنا يعينا على ده“.
* هدف السيسي
ولد السيسي في 19 نوفمبر تشرين الثاني 1954. وقال سكان في حي الجمالية الشعبي الذي نشأ فيه إن السيسي أظهر علامات على انضباط غير مألوف في صبي صغير. ففي حين كان الأولاد الآخرون يلعبون كرة القدم أو يدخنون، كان السيسي ورفاقه يرفعون الأثقال المصنوعة من المواسير المعدنية والكتل الخرسانية.
وقال عاطف الزعبلاوي، وهو عامل في مصنع للصباغة اعتاد أن يرى السيسي في الجمالية ”كان عبد الفتاح يبدو دائما أن لديه هدفا. لديه إرادة قوية“.
ويقول الجيران، إنه ينتمي لأسرة متماسكة متدينة. وقال فتحي السيسي ابن عمه الذي يملك متجرا للمشغولات اليدوية، إن السيسي يحفظ القرآن وإن والده شجعه على العمل في متجره كل يوم بعد الدراسة.
وكان السيسي يعيش في شقة صغيرة أعلى منزل مملوك للعائلة في الحي الشعبي بوسط القاهرة. وعلى الرغم من أنه كان ينتمي لعائلة ميسورة نسبيا فقد سعى السيسي للتأكيد على علاقته بكفاح عامة المصريين.
وقال في مؤتمر للشباب في شرم الشيخ منذ عامين ”أنا قعدت 10 سنين تلاجتي كان فيها مية (مياه) بس ومحدش سمع صوتي وأنا من أسرة غنية جدا“.
وكان هذا التعليق واحدا من عدة تعليقات سخر منها منتقدوه. ومن هذه التعليقات أيضا دعوته للناس للتبرع بجنيه واحد في اليوم لصندوق تنمية عبر هواتفهم المحمولة واقتراح بأن تحول البنوك ”الفكة“ أو الفئات النقدية الصغيرة المتبقية من المعاملات إلى الصندوق.
ولم يكن السيسي معروفا عندما كان يقود المخابرات الحربية في عهد مبارك. وأصبح أصغر عضو في المجلس العسكري الذي حكم مصر لمدة 18 شهرا بعد تخلي مبارك عن السلطة في فبراير شباط 2011.
وعينه مرسي وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة في أغسطس آب 2012، وهو ما اعتبره البعض سوء تقدير من الرئيس المعزول لتصوره أن الجيش سيسمح لجماعة الإخوان المسلمين بتنفيذ أجندتها الإسلامية طالما بقيت امتيازاته الراسخة في أمان.
ولم يكن يحظى باهتمام دولي كبير قبل ظهوره على شاشة التلفزيون في الثالث من يوليو تموز ليعلن عزل مرسي بعد مظاهرات حاشدة طالبت باستقالته وإجراء انتخابات رئاسية جديدة وهي الانتخابات التي اكتسحها السيسي بعد نحو عام من ذلك التاريخ.
ويفتقر السيسي للقدرات الخطابية التي كان يتمتع بها الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر وأنور السادات، لكنه يعتمد على الحديث الهادئ وأغلب أحاديثه تكون في مناسبات عامة.
وتملأ صور السيسي الشوارع في كل مكان في مصر. ولم يسع علنا للحد من سيل المديح الذي يكال له في وسائل الإعلام الرسمية.
وفي جزء لم ينشر من مقابلة مع صحيفة المصري اليوم سرب في تسجيل صوتي عبر الإنترنت قبل ولايته الأولى تحدث السيسي عن رؤيا تشير الى أن قدره أن يكون قائدا عظيما.
وقال السيسي ”شفت في المنام من سنين طويلة جدا.. من 35 سنة.. إن أنا رافع سيف مكتوب عليه (لا إله إلا الله) باللون الأحمر“.
وأضاف أنه التقى السادات في حلم آخر وقال له ”أنا عارف أني هابقي (سأكون) رئيس الجمهورية“.
إعداد محمود رضا مراد للنشرة العربية – تحرير أحمد حسن