الجماعات المسلحة في إفريقيا
خلال الست سنوات منذ اندلاع التمرد الانفصالي في شمال مالي في يناير 2012، نمت الجماعات المسلحة في منطقة الساحل في غرب أفريقيا من حيث العدد وزادت علاقاتها المتغيرة باستمرار تعقيداً.
وعلى الرغم من أن بعض الجماعات المسلحة في مالي قد وقعت على اتفاق سلام عام 2015، إلا أن تنفيذ أحكامه كان بطيئاً جداً في وقت يستمر فيه انعدام الأمن – لاسيما في المنطقة الوسطى – في التدهور مع ظهور عناصر جهادية جديدة تنشط أيضاً بالقرب من الحدود في كل من بوركينا فاسو والنيجر.
في الوقت نفسه، لا تزال جماعة بوكو حرام تعيث فساداً في نيجيريا وبعض الدول المجاورة بعد عقد تقريباً على بدء تمردها.
وفيما يلي لمحة موجزة عن الجهات الفاعلة من غير الدول في المنطقة:
مجلس تنسيق حركات أزواد
وهو تحالف فضفاض من حركات التمرد السابقة ذات المصالح المشتركة كتقرير المصير (لم يعد الاستقلال الكامل مدرجاً على أجندهم الرسمية). وأزواد هو الاسم الذي أطلقته الحركة الوطنية لتحرير أزواد على الدولة التي لم تدم طويلاً ولم يتم الاعتراف بها في شمال مالي في 2012. ويضم مجلس تنسيق حركات أزواد الحركة العربية لأزواد والمجلس الأعلى لوحدة أزواد.
ائتلاف الجماعات المسلحة
يتألف من مجموعة متنوعة من الجماعات الموالية للحكومة التي تزعم بأنها تدافع عن السيادة الإقليمية لمالي، وتقاتل في بعض الأحيان إلی جانب الجیش النظامي. ولدى هذه الجماعات أيضاً مصالحها الخاصة.
ويضم الائتلاف جماعة طوارق إمغاد للدفاع عن النفس وحلفائهم، وهي فرع من الحركة العربية لأزواد ومجلس تنسيق الحركات وجبهة المقاومة الوطنية.
وقد اندلعت اشتباكات بين المعسكرين منذ توقيع اتفاق السلام، مما أدى إلى تأخير تنفيذ الاتفاق وتفاقم محنة المدنيين، الأمر الذي صب في مصلحة الجماعات الجهادية.
وفي عام 2016، تورط أعضاء مجلس تنسيق حركات أزواد وائتلاف الجماعات المسلحة في 174 حالة إساءة بحق المدنيين، و72 حالة إساءة أخرى في الربع الأول من عام 2017، وفقاً لقسم حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي.
لكن حدة التوترات تراجعت إلى حد ما بين معسكرين بعد أن وقعا اتفاقاً لوقف إطلاق النار في سبتمبر 2017.
غير الموقعين على الاتفاق والمنشقون
قام المتمردون السابقون الذين لم يكونوا راضين عن الطريقة التي يدير بها مجلس تنسيق حركات أزواد عملية السلام وخاصة تركيزه على منطقة كيدال وتحالف إفوغاس لعشائر الطوارق، بتشكيل عدة كيانات جديدة قائمة على الاعتبارات الجغرافية والمجتمعية.
ويثير استبعاد هذه المجموعات الجديدة من بعض آليات عملية السلام، على الرغم من قوتها العسكرية والجزء الذي تمثله من السكان، الشكوك حول أهميتها، في ضوء تغير السياق الذي تم خلاله التوقيع على الاتفاق بصورة كبيرة.
في مطلع فبراير 2018، قالت جماعة طوارق إمغاد للدفاع عن النفس وحلفائهم أنه من المستحيل أن تتمكن شروط اتفاق السلام من حل أزمة مالي في شكلها الحالي، ودعت إلى حوار شامل لمناقشة جميع أوجه القصور في الاتفاق.
جماعة نصرة الإسلام والمسلمين
في مارس 2017 أعلنت الجماعات الجهادية الرئيسية في منطقة الساحل وهي أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا وتنظيم “المرابطون” وجناح الصحراء التابع لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أنها شكلت تحالفاً تحت لواء هذا الكيان الجديد.
وتعلن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نفسها على أنها الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في مالي. وعلى هذا النحو، تعزز وجودها في منطقة الساحل وتضع اللاعبين في منطقة الساحل، وخاصة جماعة أنصار الدين، على الخريطة الجهادية العالمية. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس آخر تحديث له لمجلس الأمن في 26 ديسمبر أنه منذ تشكيل التحالف “يبدو أن الجماعات الإرهابية [في مالي] قد حسنت قدرتها على تنفيذ العمليات ووسعت نطاقها مما تسبب في ارتفاع عدد الضحايا جراء الهجمات الإرهابية”.
وقال عبد المالك دروكدال، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في وثيقة تم العثور عليها بعد أن نجحت القوات الفرنسية في طرد الجهاديين من تمبكتو عام 2013 أن “الهدف من بناء هذه الجسور هو وضع حد لعزلة مجاهدينا عن المجتمع، ودمجهم مع الفصائل المختلفة، بما في ذلك القبائل الكبرى وحركة التمرد الرئيسية وزعماء القبائل.
وقد أدت ندرة الأجانب في شمال مالي هذه الأيام إلى انخفاض دخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من عمليات الاختطاف مقابل الفدية. ولكن لا تزال هذه المنطقة الخارجة عن طائلة القانون توفر فرصاً كبيرة لكسب المال من جميع أنواع الاتجار، بما في ذلك الاتجار بالبشر والمخدرات.
أنصار الدين
في الماضي، كان ينظر إلى الطوارق في مالي على أنهم درع واق ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتطرف الإسلامي في الشمال. لكن جماعة أنصار الدين التي تأسست عام 2012 دليل على أن تلك الأيام قد ولت. فقد كان زعيمها، إياد اغ غالي، من العناصر الرئيسية في تمرد الطوارق في تسعينات القرن الماضي ولكنه تبنى بعد ذلك أفكاراً متطرفة وتولت جماعته قيادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في عام 2017.
وعلى الرغم من تزايد عدد الضحايا المدنيين الذي سقطوا جراء الهجمات التي نفذتها جماعة أنصار الدين، أوصى “مؤتمر التفاهم الوطني” الذي عقد العام الماضي بإجراء مفاوضات مع إياد أغ غالي (وغيره من الإسلاميين). ولكن لم تجر أي محادثات من هذا القبيل حتى الآن. من جانبها، رفضت فرنسا اجراء مثل هذه المحادثات مع “إرهابيين”، كما قامت عملية برخان التي تقوم بها في المنطقة بالهجوم على قاعدة أنصار الدين في منتصف فبراير، مما أدى إلى مقتل أحد المقربين من زعيم الجماعة.
تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى
تم تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى عام 2015 من قبل المتحدث باسم حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا التي لم يعد لها وجود حالياً وحظيت في العام التالي على اعتراف تنظيم الدولة الإسلامية كفرعه الرسمي في منطقة الساحل.
تنشط هذه الجماعة في المنطقة التي تجتمع فيها حدود كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وقد حاربت القوات الدولية وبعض الجماعات المسلحة المحلية، لكنها اكتسبت شهرة كبيرة بعد الهجوم الذي شنته في أكتوبر 2017 على وحدة من القوات الخاصة الأمريكية والنيجيرية تسبب في مقتل خمسة نيجيريين وأربعة أمريكيين.
بوكو حرام
تأسست جماعة بوكو حرام (الاسم الكامل: جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد) في شمال نيجيريا عام 2002 وتطورت إلى تمرد عنيف عام 2009. وبالإضافة إلى نيجيريا، تنشط بوكو حرام أيضاً في شمال الكاميرون والنيجر وتشاد. وقد أدت عمليات التمرد التي قامت بها إلى مصرع ما لا يقل عن 25,000 شخص وأجبرت أكثر من 2.5 مليون غيرهم على ترك منازلهم.
وعلى الرغم من قيام الجيش النيجيري بطرد بوكو حرام من الكثير من الأراضي التي زعمت أنها أراضي الخلافة في عام 2014، تواصل الجماعة شن هجمات ضد المدنيين والمسؤولين الحكوميين والجنود.
في عام 2015، تعهد زعيم جماعة بوكو حرام أبو بكر شيكاو بالولاء لرئيس ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي. ولكن بعد ذلك بعام، قام تنظيم الدولة الإسلامية بتعين أبو مصعب البرناوي – نجل محمد يوسف، مؤسس بوكو حرام – بوصفه زعيم “إقليم غرب أفريقيا”. وقد انتقد البرناوي موقف شيكاو الذي يعتبر أتباع بوكو حرام هم المسلمون الحقيقيون، وبالتالي يضفي الشرعية على الهجمات على المدنيين. وقد أدى الانقسام إلى الاقتتال بين الفصيلين. كما لحق الضعف ببوكو حرام بسبب أزمة الغذاء في شمال شرق البلاد التي ساعدت على توليدها، لكنها لا تزال بعيدة عن الهزيمة، على الرغم من الهجمات العسكرية الأخيرة على معاقلها في منطقتي بحيرة تشاد وغابة سامبيسا.
أنصار الإسلام
برزت هذه المجموعة من المقاتلين الجهاديين في بوركينا فاسو في ديسمبر 2016 عندما أعلنت مسؤوليتها عن هجوم على قاعدة عسكرية في إقليم سوم شمال شرق البلاد أسفر عن مقتل 12 عضواً في وحدة مكافحة الإرهاب. ومنذ ذلك الحين نسب إلى الجماعة أو أعلنت عن مسؤوليتها عن عشرات الهجمات على المدنيين وموظفي الدولة والعسكريين. ويقال أن زعيم أنصار الإسلام إبراهيم ديكو قاتل في وقت سابق في صفوف جماعة جهادية في مالي المجاورة هي حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا (انظر أعلاه). وعلى الرغم من اسمها، إلا أن الجماعة تعد “انتفاضة اجتماعية بالإضافة إلى كونها حركة دينية”، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن المجموعة الدولية للأزمات حول بوركينا فاسو.
عدم وضوح الخطوط الفاصلة
بالإضافة إلى الجهاد المتشدد، تتضمن ديناميكيات الصراع في المنطقة منافسات قديمة وتتسم بالعنف في أغلب الأحيان وعمليات اتجار وأنشطة دفاع عن النفس. وتضم الجماعات الجهادية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، في صفوفها العديد من أعضاء قبيلة الفولاني النيجيرية، التي ظلت منذ فترة طويلة في صراع مع الطوارق في مالي.
وقالت المجموعة الدولية للأزمات بعد هجوم أكتوبر في النيجر أن “العنف الجهادي يتداخل في الكثير من الأحيان مع التوترات بين المجتمعات المحلية المتعلقة بالمنافسة على الموارد الطبيعية وعمليات الاتجار، مما يجعل من الصعب التمييز بين الطبيعة والدوافع الحقيقية للعديد من الحوادث”.
ويبدو أن التنافس بين تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في أماكن أخرى من العالم غائب عن منطقة الساحل، فوفقاً لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة تعمل كل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى بشكل متوازي وربما يتعاونان مع بعضهما البعض.
علاوة على ذلك، لا تتسم الخطوط الفاصلة بين المتمردين الانفصاليين السابقين والجماعات الجهادية بالوضوح. ففي نهاية العام الماضيٍ، تحدث رئيس وحدة مالي التابعة لقوة تدخل برخان الفرنسية في المنطقة عن “التواطؤ” بين بعض أعضاء الجماعات التي وقعت على اتفاق السلام لعام 2015 مع “الجماعات الإرهابية المسلحة”.
وبعد أن طردت العملية العسكرية الفرنسية سيرفال الجماعات الجهادية من المدن الشمالية في مالي، عاد العديد من أعضاء الجماعات إلى الظهور في أشكال جديدة: فقد انضم بعض أعضاء جماعة أنصار الدين إلى المجلس الأعلى لوحدة أزواد الوليد، الذي أصبح الآن لاعباً مهماً في الائتلاف. كما أن بعض أعضاء حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا انضموا إلى صفوف الحركة العربية لأزواد.
ويكتسب اللبس بين الجهات الفاعلة غير الحكومية التي يفترض أنها جماعات منفصلة عن بعضها البعض أهمية إضافية عند النظر في المعونة التي قدمتها فرنسا إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد للمساعدة في القتال ضد الجماعات الجهادية.
مع ذلك، ما يزال العداء الدموي سائداً في الوقت الذي يدفع فيه المتمردون السابقون ثمن الدخول في عملية السلام مع تعرض الكثيرين منهم للاغتيال. وفي 18 يناير 2017، قتل العشرات في هجوم انتحاري تبناه تنظيم “المرابطون” وسط غاو. وقد وقع الهجوم داخل معسكر يضم كلا من الجنود الحكوميين وأعضاء الجماعات المسلحة الموقعة التي تعمل معاً تحت آلية تنسيق العمليات التي أنشأها اتفاق السلام.
فابيان أوفنر / موقع إيرين نيوز
93 تعليقات