“الرامي الأسود” موسى: ساعدنا بعض “البيظان” وتعقبنا البعض.. كان أعوان معاوية يخافون ” هلايبة” ويستفردون بـ “فولبي إدييري”
تلخيص كتاب”الدوائر السبع، ملحمة سوداء” (15 من 17) بقلم الدهماء
……………………………كان بإمكاني البقاء في السنغال الى أن تهدأ الأوضاع لكني شخص مصمم بطبعي، وعلى يقين بأن الأعمار بيد الله، ولا نتيجة ترجى مع الخوف، كانت الحدود مغلقة، العبور ممنوع، ودوريات الجنود تجوب المنطقة، يطلقون النار على الضفتين، حذَّرني الجميع، أجبتهم أن ثقتي بالله عالية.
بعثتُ برسالة الى القرية، وحضر أخي الأصغر “همَّت”، كان مضطربًا جدا لرؤيتي ويبكي بحرقة. وضع الشيخ “منتقى تال” حافلة صغيرة تحت تصرُّفنا لتنقلنا الى “دودَلْ” ” Dodel” قبالة “بوكَي”، ثم عبرنا بالزوارق الى جزيرة ” المُرْفي” ومنها الى ” دَمَتْ”، استرحنا عند أقارب لنا هناك الوقت الكافي ليعثر أخي “هَمَتْ” على شخص مستعد لحملنا للضفة المقابلة.
كان الأمر صعبا فالقوارب الأخيرة التي حاولت العبور بالأشخاص أطلقت عليها النار، كان علينا أن نمنح المستعد لحملنا الكثير من المال، ، و أرادت مشيئة الله أن تحجبنا عن حراس الحدود، أن نصل بسلام ويعود صاحب الزورق دون مشاكل. سرنا طويلا في الظلام حذرين من إصدار صوت حتى وصلنا إلى قريتي “سايي”، الظلام والصمت يسودان المكان السكان محاصرون، لم ألحظ ولا شمعة موقدة.
فاجأ مقدمي الكل حتى الذين كانوا على دراية به، التقيتُ أخي الأكبر “آمادو” وأخواتي، ونساء وأطفالا ولدوا أثناء غيابي لم أكن قد رأيتهم،.. تقدم بنا العمر جميعا لكن فعل الزَّمن لن يحول بيننا والتَّعرف على بعضنا،.. انفطر قلبي حين علمتُ منهم بوفاة والِدِيَّ، وما سبَّبَ غيابي لهم من ألم.
تطرقنا للأحداث التي تقْلبُ البلد رأسًا على عقب، ووصفَ لي أخوتي بشاعة الجرائم المرتكبة في المنطقة.
الأسرة قلقة على مصير “مامادو” شقيقي الذي يليني، و الذي يُمارس تجارة المواشي بين موريتانيا والسنغال واختفتْ أخباره تماما،… لكن الآلام المشتركة خلقت جوًّا من التَّضامن بين أسر “هلايبه”، و وحَّدت ” الفوتيين” من أبناء الضفتين اليمنى واليسرى.
بالتأكيد كانت هناك بعض “الخِراف الجُرب” التي تستغل الفوضى لتضرَّ بالآخرين بالاعتراف عليهم لدى السلطات بأنهم سنغاليون حتى ولو لم يكونوا كذلك ، وذلك في سعي منهم للاستحواذ على ممتلكاتهم،.. لكن على العموم يمكننا الاعتماد على اخوتنا في العرق والوثوق في مساعدتهم لِ “مامادو” يحث ما وُجد.
انقسم “البيظان” إلى قسمين ، قسم يساعدنا و قسم يتعقَّبُنا، جيراننا من أصحاب الإبل افتضِحوا بفرط عنفهم اتجاهنا في نفس الوقت الذي كانت بيننا قرابة الرضاعة،… الكثير من “البيظان” أخفَى لديه أصدقاء من السّود ليجنبهم النَّفي أو ما هو أشنع، الوضع كان مشوَّشا.
كان أصحاب “معاوية” يتجنَّبون المواجهات مع ” هلايبة” في المدن والقرى الكبيرة، ويستفردون بأبناء عمومتنا من ” فولبي إدييري” المشتَّتين في البوادي بدون دفاع… كانوا يقْتفون آثارهم ويُحرقون مُخيَّماتهم، ويَسرِقون قطعان بقرهم.
يُهاجمون أيضا القرى المعزولة، يُصادرون المنازل ويمنحون الأراضي الزراعية لعبيدهم السابقين، كانوا يتصرفون كالعصابات.
أخذوا الكثير من السّود بهذه الطريقة في “فوتا” وكذلك في العديد من المدن الموريتانية، واستمروا على هذا الحال طيلة سنتين بعد عودتي، ينتزعون الناس من منازلهم ومن أعمالهم، يحتجزونهم في مكان ما وفي الأغلب يعذبوهم ويرسلوهم للسنغال.
في الاتجاه الآخر، حين يلاحظون وجود أشخاص يحاولون العبور الى موريتانيا يقتلونهم أو يرجعوهم دون محاولة للفهم.
الكل حذر من الكل، فالجواسيس ينشطون لإخبار السلطات كلَّما ما لمحوا شخصا يقترب من الماء.
في يومي الأول وبعد طلوع الشمس ذهبتُ الى حافة القرية أزور قبر والدتي. من هناك رأيتُ كيف تشوَّه وجه “فوتا” لم أتعرَّف على ملامحها، اختفى الغطاء النباتي، تحوَّلت الغابة لصحراء جرداء، والأرض عارية، والجانب الأكبر من حقولنا لم يكن مزروعا.
في اليوم الثاني زرتُ قبر والدي في “بوكَي” وقرَّرتُ الذهاب لمفوضية الشرطة لإعلان عودتي والمطالبة بالاستفادة من حقوقي كمواطن.
قررتُ التقدم بنفسي بدلا من انتظار وشاية أحدهم بي، أسرة من تسعة أشخاص، لا يمكن اخفاؤها.
حاول إخوتي منعي قائلين:« سيبعدوك الى السنغال، مُفوَّض الشرطة “بيظاني”، وسيئ، وستوقعنا في مشاكل، خصوصا أنك لا تمتلك وثائق ثبوتية موريتانية..».
ذهبت إلى “بوكي” مع أخي “هَمَّت”، وابن الرقيب-أول “جيكيلي واني” الذي كان رئيسي في كيفه وتشاجرت معه، وكان الشاب صديقا للمفوض، ذكرتُ للمفوض أني قادم من نيجيريا، ولا أملك بطاقة تعريف، فأجاب أنت إذن غير موريتاني، فقلت:« إن نفيك لا يغير من واقع الأمر، ولا ينفي موريتانيتي وعليك مساعدتي! »، .. بعد جدَلٍ وتنصُّلٍ وطردٍ طلب مني المفوض التَّوجه الى نواكشوط ومقابلة المدير الوطني للأمن.
توجهتُ الى نواكشوط وأقمت عند قريب لي يدعى “زكريا يال” ، “زكريا” تم فصله عن عمله في الإدارة كالكثير من السود، كان مُحْرجًا من استقبالي إذ يُقيم في غرفتين ولم يُعد له نفوذ ولا علاقات في الإدارة يمكن أن تفيد في حالتي.
“معاوية” وأعوانه أرادوا التخلص من السّود وابعادهم خصوصا “الهلايبه”،.. فقد احتضنت “بوكَي” أحسن مدرسة في عهد الفرنسيين، غذَّت الإدارة بالعديد من الأطر العليا، حتى الجيش، في الحقيقة كانوا مُسيطرين.
“يال زكريا” كاد أن يقتل في اليوم السابق!
…………………
يتواصل بإذن الله تعالى
…………………
ملخص من كتاب ” Les sept cercles, Une odyssée noire “، ” الدوائر السبع، ملحمة سوداء”، رؤية أحد ” الرماة السود” من مجتمع ” الهالبولار” الموريتاني لواقع استعمار موريتانيا، صدر سنة (2015م)، بالتعاون مع خبيرة الأنثروبولوجيا ” Sophie Caratini ” ، نشرته مطابع ” Thierry Marchaisse “، بفرنسا.
312 تعليقات