نواكشوط أيام “الزمن الجميل”
كانت مدينة نواكشوط في بداية الثمانينات مدينة صغيرة…تفصل بين بعض مقاطعاتها مناطق خالية…وكان الوقت فيها يمر بشكل بطئ..والإحساس به كبير.. في تلك الفترة كان للعطل والأعياد قدر كبير من الأهمية….لم تكن حدائق الألعاب “باركات ” أو الملاعب ” سيتات ” ..أو خيام باعة المشوي بين كثبان “صكوك” أو ” شارع عزيز ” أو ” شارع مسعود “…قد ظهرت وكان أغلب تلك المناطق….مناطق معزولة ومهجورة…ويستحيل الوصول إليها….بيد أنه كان للنواكشوطيين أنذاك أماكن كثيرة يقصدونها كان من أهمها :
1 ) : #شاطئ_البحر______________
كان شاطئ البحر حتي تلك الأيام مايزال بكرا…محتفظا ببيئته الطبيعية…كانت بمحاذاته سلاسل من الكثبان الرملية المرتفعة تعرف ب ” أزبار ” تنتشر بها أنواع كثيرة من النباتات منها ” الطرفة ” و ” العكاية “….. وبعض الحيوانات منها ” الذئاب ” و ” الثعابين “…كانت تلك الكثبان الرملية المرتفعة تمثل حاجزا طبيعيا بين البحر والمدينة ووسط بيئي له خصوصيته وأهميته…غير أن ذلك الحاجز الرملي تلاشي …هو و تلك البيئة الطبيعية بسبب النشاط الكثيف لشاحنات نقل الرمال ” وتات اتراب ” …مما أضطر السلطات إلي منعه بعيد ذلك بسنوات وإن بعد فوات الأوان …
كان هذا الشاطئ يحظى بإقبال كبير علي الدوام….من الموريتانيين والأجانب ( من جنسيات عربية وأفريقية وأوربية …) حيث كانت أحياء كثيرة من أنواكشوط تلك الفترة أغلب قاطنيها من الأجانب (النصارى) مثل حي “K” و ” V ” و ” M “… تناقصت أعدادهم بعدذلك…… مازالت علي الشاطئ حتي الآن بقايا شاهدة علي تلك الفترة …بقايا إستراحات (بيوت وأكواخ..) ..شمال فندق صباح…..وجنوب هذا الفندق كان يوجد تجمع لقوارب الصيد وبعض الحوانيت والأكواخ وكانت المنطقة تعرف ب ” كج” لكثرة تلك المادة فيها ذات الرائحة القوية.. ..أصبحت لاحقا ” سوق السمك ” أو شاطئ الصيادين…بإمتداد هذا الشاطئ جنوبا كانت توجد ” تيميريس ” بجوار فندق الأحمدي الذي كان في أوج نشاطه تلك الفترة حيث أحتضن خلال الثمانينات قمة “المجموعة الإقتصاديةلدول غرب افريقيا” …كانت ” تيميريس”
ملهي ومرقص غالبية رواده من الأجانب..ظلت بقايا من غرفه قائمة حتى سنوات قريبة..وأختفت تماما الآن…. شهدت ” تيميريس ” هذه أزهى أيامها نهاية السبعينات وبداية الثمانينات أيام وجود شركة ” #مندز_جينيور ” البرازيلية التي كان عمالها الأجانب زبائن دائمين ل ” تيميريس ” … وغير بعيد منه أقامت هذه الشركة قاعدة كبيرة لها… بها حي سكني ومكاتب وآليات كثيرة..في الطرف الجنوبي من مقاطعة الميناء علي الطريق المتجه إلي الميناء القديم (أصبحت الآن قاعدة للبحرية الوطنيةبعد مغادرة الشركة للبلاد إثر إكتمال المقطع الذي كانت تقوم بإنجازه من ” طريق الأمل “) …وقد عرفت هذه المنطقة حتى وقت قريب ب ” كبة مندز ” … جنوب شركة ” مندز ” كانت توجد بركة ماء كبيرة كان الأطفال يسمونها أنذاك ” ماريكو Marigot ” ..كان الأطفال يكتفون بالسباحة فيها بدلا من البحر أحيانا….وإن كانت مياهها شديدة الملوحة..
كانت المنطقة الجنوبية من الشاطئ هي الأكثر جذبا للموريتانيين..حيث الميناء القديم و” صالته ” الممتدة في البحر ذات الظلال الوارفة…..مكانا مناسبا للمقيل كانت تفضله الأسر…..وعلي بعد أقل من كيلومتر منها كانت توجد ” السفينة المحروكة ” وهي سفينة كبيرة جنحت إلي الشاطئ بداية الثمانينات بعيد إشتعال النيران بها حيث أحترقت بشكل كامل.. كانت حمولتها مكونة أساسا من السكرحسب ماشاع بين الناس تلك الأيام…شكل هيكل تلك السفينة مزارا دائما لمرتادي الشاطئ…حيث كان التجول بين غرفها…والقفز منها في البحر من الأمور المثيرة لأبناء ذلك الجيل..ظلت تلك السفينة تقاوم عاديات الزمن حتى نهاية التسعينات حيث كانت نهايتها علي أيدي جامعي خردة الحديد ” الكولابة “… وبإختفاءها أختفى معلم من معالم الشاطئ لفترة طويلة….
للوصول للشاطئ كانت هناك محطتان للنقل …محطة ” الوقفة ” وبها ” أشباه ” سيارات من نوع ” بيجو 404 فاميليال ” …ومحطة ” الطب لكببر ” وبها سيارات قديمة متهالكة من ” 404 كاميونت ” ونادرا ماسلكنا طريق هذه المحطات…لضيق ذات اليد فقد كنا نمر عليها مرور الكرام…سيرا علي الاقدام ..في تلك الأيام كان منا من يجيد السباحة فيصل لما كنا نسميه ” ديزييم فاز ” وهي مرتبة في التمكن من السباحة لايدركها المبتدؤون …ومن هو دون ذلك ممن يكتفي بالتبطح في مكان إنكسار الأمواج..وغالبا مايكون محل سخرية وتندر من طرف الجميع….. ولم تخلوا تلك الأيام أحيانا من أوقات عصيبة ..! فكم من مرة أوشكت الأمواج علي العودة بأحد منا من حيث أتت….بحلول المساء..كنانتوافد علي مكان رسو ” قوارب الصيد ” العائدة من رحلات الصيد الوفيرة تلك الأيام…كان دفع القارب إلي الشاطئ يتم من طرف الجميع وغالبا مايحصل أصحابه علي بضعة أسماك جرت العادة تلك الأيام علي أن يمنحها الصيادون لكل من يشترك معهم في دفع القارب إلي اليابسة حتى وإن كان هذا الدفع ” ضره أكثر من نفعه ” ..كان البحر تلك الأيام مايزال كثير الخيرات …كانت تلك الأسماك القليلة ” وجبة سريعة ” شبه دائمة لنا..كنا نقوم بشيها علي قطع خشبية نجدها متناثرة في ذلك المكان..ولم تكن تلك ” الوجبة السريعة ” تخلوا دائما من روائح زيوت ووقود محركات القوارب…وهو ماكنا نتجاهله غالبا ونادرا مانعيره كبير إهتمام….ثم نحمل ملابسنا المبللة بمياه البحر …ونبدأ طريق العودة الذي كنا نترصد فيه أغلب الأحيان شاحنات نقل الرمال ” وتات اتراب “.. التي كنا نحظى بعطف سائقيها بعض الأحيان ..حيث كنا نجلس علي كومة الرمل في مؤخرة الشاحنة بين العمال..وفي طريق عودتنا كان التخلص من بقايا الملوحة على أجسادنا أمر من الأهمية بمكان خوفا من الأهل الذين لاتحظى تلك الرحلات دائما برضاهم.
2 ) :#دور_السينما__________________
شكلت السينما أحد أقدم الوسائط السمعية البصرية التي عرفتها موريتاتيا…فخلال السنوات الأخيرة من الحقبة الإستعمارية عرفت مناطق مختلفة من البلاد عروضا سينمائية كانت تتم من طرف بعثات فرنسية..بواسطة شاشة محمولة في سيارة …نظر لها الموريتانيون أنذاك بتوجس وإستغراب وإستنكار …يعضده نظرة المجتمع المحافظ المتوجسة من ” الصورة ” …لاسيما تلك التي مصدرها ” النصاري”… فأطلقوا على هذه السيارة ” وَتْ أهَلْ لَخْلً “…ظلت تلك النظرة هي السائدة حتي بعد الإستقلال مع ظهور دور سينما علي يد الفرنسي ” غوميز ” الذي أقام لفترة طويلة في نواكشوط..فكان أغلب رواد هذه الدور من الأجانب…بعيد ذلك بسنوات كانت السينما في موريتانيا علي موعد مع عصرها الذهبي الذي سيستمر بعد ذلك حوالي العقدين..علي يد المرحوم ” همام افال ” الذي أشترى الدور السينمائية التي كانت بحوزة الفرنسي ” غوميز ” وعرف بعضها بإسمه لفترة من الزمن..وقام ” همام افال ” بإفتتاح دور أخرى للسينما وإنتاج بعض ” الأفلام ” خلال السبعينات منها ” فيلم تيرجيت ” و ” فيلم ميمونة “و فيلم بدوي في الحضر ” … وبدأت هذه الدور السينمائية بإستقطاب روادها من مختلف فئات المجتمع …ومع حلول عقد الثمانينات بلغ عدد هذه الدور 11دارا سينمائية في مناطق متفرقة من أنواكشوط هي… سينما ” #الواحة ” و ” #المنى ” و ” #الأنصار ” في وسط العاصمة ( كابيتال) ..” #الأجواد ” و ” #الصحراء ” في لكصر…” #الأخوة ” في تيارت ..” #الفتح ” و ” #السلام ” و ” #ميناء_الفن ” في الميناء ..”#السعادة ” في السبخة ..و سينما ” #بوحديدة ” …كان ماتعرضه هذه الدور من الأفلام مقتصرا علي بعض الأفلام ” الهندية ” و ” الأمريكية ” و ” الفرنسية “…ونادرا ماتعرض أفلاما عربية…وكانت لها ملصقات إشهارية كبيرة للأفلام ” آفيشات ” معلقةأمام بواباتها وفي أماكن متفرقة من المدينة…قرب دار البريد..وكارفور BMD…
خلال عقد الثمانينات كانت تذكرة دخول هذه الدور تتراوح غالبا بين 50أوقية للدرجة الثانية (كانت تسمي ” التحت “)..و100 أوقية للدرجة الأولي (كانت تسمي ” الفوك “)…وغالبية هذه الدور كانت لها فترة نهارية تبدأ من الساعة 14 زوالا…وحتى 18مساءً ( كانت تسمي Matinée ) .. وفترة ليلية من الساعة 21 ليلا ..وحتى حدود 01صباحا ( وكانت تسمي Soirée )….
وكان من نجوم أفلام تلك الفترة ..” آميتاباشاه “.. ” جيتاندرا ” ..” أمجد خان “… أيمامالين”…” سلفستر ستالون “… ” فاندام “…” بريسلى “…
كانت هذه الدور السينمائية أيام العطل والأعياد.. أماكن تواجد للأطفال والشباب غالبا …والأسرأحيانا قليلة حيث كانت تشهد إزدحاما شديدا تلك الأيام……كغيرنا من أطفال ذلك الجيل كان من بيننا من أدمن زيارتها…وحدثنا بإستمرار عن أحداث أفلامها…وغنى لنا بعض أغانيها..مما أثار لدى البعض منا شغف كبير لإرتيادها..كنت من بينهم …..في يوم من تلك الأيام ذهبت إلي ” سينما المنى ” وسط العاصمة أنذاك .. . كانت توجد بجانب ” المركز الثقافي الليبي “… ويقابلها مطعم لبناني قديم يسمى ” فينيسيا” …أما الآن فقد حلت محلها ” وراقات” و مكاتب خدمات “… بجانب “عمارة الخيمة “.. كان الوقت بعيد الظهر بقليل ..قطعت تذكرة من الدرجة الثانية (التحت) أظنها كانت ب 50أوقية أو 60أوقية حسب ماأتذكر…دلفت من الباب الخارجي إلي الداخل بصعوبة…كان أغلب حراس بوابات السينما تلك الأيام من مرتاديها القدامى..واجهتني عاصفة من دخان السجائر..وأصوات صاخبة… عبرت الباب الداخلي في ظلام دامس…وصلت للقاعة الكبيرة..كانت شاشة السينما عبارة عن جدار أسمنتي كبير مطلي باللون الأبيض ..تقابله صفوف من المقاعد الاسمنتية…أتجهت إلي الصفوف الخلفية..كانت المعارك علي الشاشة علي أشدها ..وأصوات الإنفجارات المنبعثة من مكبرات الصوت بجوانب القاعة تصم الأذان..كنت مشدوها ومتوترا للغاية…ترددت للحظات هل أجلس أم أعود أدراجي..! ..بين الفينة والأخري كان الصياح والصفير يعم القاعة…ماكدت أجلس علي تلك المقاعد الأسمنتية حتي أنطلقت “خربشات ” من مكبرات الصوت وتسارعت الصورة علي الشاشة عندها صاح الجميع….Encadrer….Encadrer………وكانوا يبغون من وراء ذلك إعادة الصورة إلي حالتها الطبيعية…بعدها عادت الصورة إلي طبيعتها…وهو مصطلح من بين مصطلحات كثيرة درج رواد السينما تلك الفترة علي إستخدامها ..كانت بمثابة ” لغة خاصة ” متداولة في قاعاتها…كان التفاعل مع أحداث ذلك الفيلم كبيرا..كان فيلما من سلسلة أفلام Rambo للممثل الأمريكي ” سلفستر ستالون ” الشهيرة تلك الأيام ..كانت تلك الأفلام تحوي الكثير من العنف والمعارك …وهو ماكان يلقى قبولا كبيرا من رواد دور السينما أنذاك…بل ان مقياسهم لجودة الأفلام يرتبط غالبا بعدد المعارك بها..وغالبا ماكانت نهاية تلك النوعية من الأفلام ..معركة حامية الوطيس..كان يطلق عليها ” ديكت افيه ” أي معركة النهاية والتي لايمكن أن تنتهي -في نظرهم- إلا بإنتصار البطل ” أكتير”…كانت ماكينات بث الأفلام تلك الفترة قد أصبحت قديمة.. و تعاني من أعطال كثيرة ..وهو ماينجم عنه مواقف كثيرة…تتابعت أحداث ذلك الفيلم..ثم فجأة أنقطعت ثم أستأنفت فصاح الجميع..voleur….voleur…لظنهم أن المشرف علي العرض أقتطع أجزاءً منه..ونظر الجميع بإتجاه فتحة البث في القاعة العلوية..لم يلبث أن برز منها رجل كانوا يسمونه ” Opérateur ” .. موجها كلامه للحاضرين في الأسفل بلغة لم تكن ” شديدة الدبلوماسية”…ولم ينتقي الكثير من كلماتها من ” المعجم “….كان لكلام الرجل ” شديد الصراحة ” مفعول سريع ..حيث عاد كل إلي مكانه..وأضاءت الشاشة من جديد ..وتتابعت أحداث الفيلم …التي لم تخلوا بعد ذلك من إنقطاعات متكررة تصحبها أصوات مزعجة من مكبرات الصوت..كان يصيح علي أثرها البعض ..مَاص.ْ ..مَاص.ْ.. وهو ماكان يؤدي بالبعض خصوصا من ” الرواد الجدد ” إلي الهرولة بإتجاه الباب إعتقادا منهم أن تماسا كهربائيا قد حدث الشيء الذي كان يستغله بعض ” الرواد القدامى ” في شغل أماكنهم أو الإستيلاء علي بعض متعلقاتهم……………..
في نهاية الثمانينات بدأت هذه الدور السينمائية تتحول تدريجيا إلي بيئات حاضنة للمنحرفين والمجرمين (الذين حمل بعضهم القاب بعض أبطال أفلامها مثل ” سان بيتيي Sans pitié ” وهو أحد مشاهير رواد السينما تلك الفترة ويقال أنه كان شرسا شديد الفتك بخصومه.. وقد شاع حوله الكثير من الشائعات… ) من خلال أفلامها الهابطة التي دأبت على عرضها….وإنتشار مختلف أشكال الإنحراف فيها…فأصبحت تمثل خطرا كبيرا على مرتاديها وعلى المجتمع بشكل عام…..ومنذ ذلك الوقت و هذه الدور في تراجع مستمر ساعد فيه ظهور جمعيات ثقافية كثيرة…أتخذت من دور الشباب مقرات لها …و إنتشار أجهزة الفيديو تلك الفترة…و ظهور البث الفضائي أواسط التسعينات الذي كانت بدايته بث متقطع لقناة MBC كان يقوم به “السفير الفلسطيني ” من منزله في “تفرغ زينه “…أنتشرت بعده الأطباق اللاقطة كالنار في الهشيم في أنواكشوط …وكان ذلك بمثابة دقٍ لآخر مسمار في نعش تلك الدور السينمائية… أغلقت بعده كلها… وتحول أغلبها اليوم إلي مخازن وأسواق.
3 ): #المعرض“حديقة الحيوانات”_______
بعد أن تم تثبيت أركان الدولة في العشرية الأولى مابعد الإستقلال كانت سنوات السبعينات ..سنوات تشييد وبناء لمعالم دولة أرادها ذالك ” الجيل المؤسس” أن تكون دولة عصرية تلك الإرادة التي ترجمها على أرض الواقع في منشآت وبنى تحتية ..تنبؤ عن حجم طموح ذلك الجيل في فترة كانت الإمكانيات محدودة للغاية….من تلك المنشآت التي مثلت معلما بارزا من معالم مدينة نواكشوط ومزارا دائما للكثير من ساكنيها أيام الأعياد والعطل
#المعرض_الوطني الذي بني في الطرف الجنوبي من العاصمة على بعد أمتار من مركز الشرطة (المعروف ببيت بوليس)..كان هذا المعرض يتوسط حيين شعبيين…الشمالي يعرف ب #كبة_الصنادره وكان يمتد من المعرض بمحاذاة طريق ” أنواكشوط- روصو ” ..ملتفا حول حول محطة توليد الكهرباء المعروفة ب ” ليزين الخظره “.. حتى ملتقى الطرق المعروف حاليا ب ” كارفور مدريد ” وعُرفت المنطقة بعد ترحيل الحي الشعبي منها ب ” بغداد “…
وجنوب هذا ” المعرض الوطني ” كان يوجد حي شعبي آخر عرف تلك الفترة ب “#كبة_الخنازير بسبب وجود حظيرة للخنازير به كانت تتم فيها تربيتهم وذبحهم لصالح إحدى المجازر العصرية الكبيرة وسط العاصمة لفترة من الزمن ثم تم إغلاقها في بداية الثمانينات ( حسب ماسمعت عند بعض سكان ذلك الحي تلك الفترة)…
في هذا المعرض كان يوجد قسمين …..
#الأول معرض دائم للصناعات التقليدية عبارة عن صفوف من الحوانيت الصغيرة والمنظمة بشكل جيد..يوجد بها أفضل ماأبدعته يد الصانع التقليدي الموريتاني من مصوغات و أدوات..وتحف… وكان هذا الجانب من المعرض الوطني يحظي بإقبال كبير من المواطنين و السواح والوفود الأجنبية التي تزور البلد…وقد أصبح الآن شبه مهجور وحوانيته الصغيرة في وضعية يرثى لها…غير بعيد من هذه الحوانيت كانت توجد قاعة المعرض الكبيرة وكانت تحفة معمارية بمقاييس تلك الأيام وكثيرا ماشهدت الكثير من النشاطات والعروض …أذكر منها ..معارض لمنتوجات بعض البلدان….وأياما تربوية لبعض المدارس الإبتدائية …
#الثاني: حديقة حيوانات
في الطرف الشمالي الشرقي من هذا ” المعرض ” ……كانت بها أقفاص كثيرة حوت أنواعا متعددة من الحيوانات ..أسود…..تماسيح….ضباع….قردة………..سلاحف..طيور…غزلان…وكانت تحظى بإقبال كبير من سكان أنواكشوط..حيث كانت ممراتها تزدحم بالزائرين…زرتها مرارا مع بعض أصدقائي…كانت تذكرة دخول هذه الحديقة في حدود40 أوقية أو 50 أوقية – إن لم تخني الذاكرة- ..وهو مبلغ لم يكن من اليسير على الأطفال الحصول عليه تلك الأيام.. وهو مايحدوا بنا بعض الأحيان إلى الرضا بالجلوس على حائطها ومشاهدة مابداخلها من بعيد …تلك الجلسة التي لم نكن نهنأ بها طويلا…بسبب الحراس
كانت بعض أحياء أنواكشوط غير البعيدة من هذه الحديقة تسمع بوضوح زئير أسود تلك الحديقة… وهي في أقفاصها خصوصا أوقات الصباح…وكان من المتداول بين زوار هذه الحديقة تلك الأيام أن البعض من حيواناتها – كالأسود وكانت أنذاك ثلاثة- هي هدايا شخصية من رؤساء بعض الدول الإفريقية للرئيس ” المختار ولد داداه ” رحمه الله لم يحتفظ بها لنفسه… وإنما أحالها إلي الأملاك العامة ” الدولة ” ..وهو ماليس بالمستغرب .
ظلت هذه الحديقة مفتوحة من السبعينات..حتى نهاية التسعينات حيث كان للظروف الإقتصادية الصعبة …دور كبير في تردي حالة هذه الحديقة حيث تراجع الإهتمام بها من ناحية الرعاية الصحية والغذائية.. مما أدى إلى هلاك معظم حيواناتها وتسرب الباقي بطرق مختلفة…الشيء الذي أدي في نهاية المطاف إلي غلق أبوابها بعد ذلك بفترة وجيزة….وبذلك فقد أنواكشوط معلما أساسيا من معالم المدن الحديثة تركه جيل الإستقلال ..
الزائر لهذا ” المعرض الوطني “هذه الأيام..والمتجول بين قاعاته المتهالكة….. وأقفاص حيواناته.. وساحته …وبقايا جدرانه…. لابد أن يتذكر أبيات ” النابغة الذبياني ” من معلقته المعروفة :
ﻭﻗــﻔــﺖُ ﻓــﻴــﻬــﺎ ﺃُﺻَــﻴــﻼً ﻛـﻲ ﺃُﺳــﺎﺋِﻠُـﻬﺎ
ﻋَــﻴَّــﺖْ ﺟَــﻮﺍﺑًــﺎ ﻭﻣــﺎ ﺑﺎﻟــﺮَّﺑﻊِ ﻣِــﻦ ﺃﺣَـﺪِ
ﺃﻣــﺴَــﺖْ ﺧَــﻼﺀً ﻭﺃﻣــﺴَﻰ ﺃﻫﻠُـﻬﺎ ﺍﺣْﺘــﻤَﻠُﻮﺍ
ﺃﺧْــﻨَــﻰ ﻋَــﻠــﻴــﻬــﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧْﻨَﻰ ﻋﻠﻰ ﻟُــﺒَﺪِ
ﻓــﻌَــﺪِّ ﻋَــﻤَّــﺎ ﺗــﺮَﻯ ﺇﺫْ ﻻ ﺍﺭﺗِــﺠــﺎﻉَ ﻟـــﻪُ
ﻭﺍﻧْــﻢِ ﺍﻟــﻘُــﺘُــﻮﺩَ ﻋــﻠــﻰ ﻋَــﻴْــﺮﺍﻧــﺔٍ ﺃُﺟُـﺪِ
#نواكشوطيات
من صفحة المدون
100 تعليقات