رويترز: “رجل فيالأخبار”.. عمر حسن البشير
الخرطوم (رويترز) – أعلن الجيش السوداني يوم الخميس عزل الرئيس عمر حسن البشير، الذي تغلب على العديد من حركات التمرد المسلحة والأزمات الاقتصادية ومحاولات الغرب لإضعافه، بعد احتجاجات شعبية.
وأدلى وزير الدفاع السوداني ببيان أذاعه التلفزيون الرسمي أعلن فيه ”اقتلاع النظام“ والتحفظ على البشير ”في مكان آمن“.
وصرحت مصادر سودانية بأن البشير، الذي استولى على السلطة في انقلاب أبيض عام 1989 موجود في قصر الرئاسة تحت حراسة مشددة. ورقص عشرات الآلاف احتفالا ورددوا هتافات مناهضة للبشير في شوارع الخرطوم.
وعلى مدى فترة حكمة التي استمرت 30 عاما كان البشير بارعا في استغلال التنافس بين الأجهزة الأمنية والجيش والإسلاميين والقبائل المسلحة. لكنه أخطأ في تقدير غضب الشبان السودانيين الذين يطالبون بوضع نهاية للصعوبات الاقتصادية.
وواجه البشير تحديا شبه يومي في بلدات ومدن في مختلف أرجاء السودان رغم حملة شنتها قوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع، والذخيرة الحية في بعض الأحيان، وقتل فيها عشرات الأشخاص.
وفي يناير كانون الثاني حذر البشير في كلمة وجهها لجنوده من وصفهم بالفئران بأن عليهم العودة إلى جحورهم وقال إنه لن يتنحى سوى لأحد ضباط الجيش أو من خلال صندوق الانتخاب.
وقال البشير، مرتديا الزي العسكري لجنوده في قاعدة عطبرة المدينة الواقعة في شمال السودان التي بدأت فيها الاحتجاجات، إن المحتجين طالبوا بأن يتولى الجيش السلطة وإنه لا يمانع في تسليم السلطة في بلاده إلى الجيش إذا جاء إلى السلطة ”واحد لابس كاكى“، في إشارة إلى الزي العسكري.
وفي وقت لاحق في يناير كانون الثاني أعلن البشير حالة الطوارئ في البلاد مما وسع سلطات الشرطة وحظر التجمعات العامة غير المصرح بها. وطلب من البرلمان تأجيل، وليس إلغاء، تعديلات دستورية كان من شأنها أن تمكنه من الحصول على فترة ولاية أخرى.
والبشير (75 عاما) شخصية خلافية منذ مدة طويلة.
فمنذ توليه السلطة في السودان، الذي كان حينذاك أكبر دول أفريقيا مساحة، خاض حربا أهلية طويلة مع متمردين في جنوب البلاد انتهت بانفصال جنوب السودان عام 2011 وفقدان أكثر من 70 في المئة من نفط السودان.
وعانى السودان فترات طويلة من العزلة منذ العام 1993 عندما أضافت الولايات المتحدة حكومته إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب لإيوائها متشددين إسلاميين. وأعقب ذلك فرض واشنطن عقوبات على السودان بعد أربع سنوات.
وجاءت الاحتجاجات في السودان بعد نجاح احتجاجات مشابهة، وإن كانت أكبر حجما، في الجزائر في إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التنحي.
وفي الأشهر التي سبقت بدء الاحتجاجات كان السودانيون يواجهون صعوبات في المواءمة بين دخولهم واحتياجاتهم.
كانت الحكومة تأمل أن تجد دعما ماليا سريعا من حلفائها في منطقة الخليج بعد أن أرسل البشير قوات إلى اليمن في إطار التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة متمردين متحالفين مع إيران لكن المساعدات تأخرت.
وكانت الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات هي محاولة الحكومة طرح خبز غير مدعوم مما سمح للمخابز ببيع الخبز بأسعار أعلى. وسرعان ما تحولت المظاهرات إلى احتجاجات سياسية استهدفت مقار الحزب الحاكم وطالبت بسقوط البشير.
* بدايات متواضعة
ولد البشير في الأول من يناير كانون الثاني عام 1944 لأسرة فقيرة تعمل بالزراعة في قرية حوش بانقا الصغيرة المؤلفة من بيوت طينية وشوارع ترابية تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل على مسافة 150 كيلومترا شمالي العاصمة الخرطوم.
وفي كثير من الأحيان كان البشير يضخم بداياته المتواضعة. ففي وقت سابق من الشهر الجاري كرر قصة رواها عام 2013 عن كسر أحد أسنانه أثناء نقل الخرسانة إلى موقع بناء كان يعمل فيه وهو طالب لسداد نفقات تعليمه.
وقال البشير إنه رفض زرع سن من الفضة له عندما التحق بالقوات المسلحة لأنه أراد أن يتذكر ذلك الحادث كلما نظر في المرآة.
وانضم وهو ضابط صغير في قوات المظلات إلى الجناح المسلح للحركة الإسلامية التي انفصلت عن جماعة الإخوان المسلمين وحكمت السودان منذ تولى البشير منصبه.
وقام البشير رئيس المجلس العسكري الذي استولى على السلطة عام 1989 بحل المجلس عام 1993 وحكم البلاد منذ ذلك الوقت بقبضة من حديد واتهمته جماعات حقوقية باللجوء للعنف والتعذيب للتخلص من خصومه السياسيين.
غير أن أبرز ما اتسم به حكم البشير هو رده على التمرد في إقليم دارفور الغربي.
وفي مواجهة الأمر بالقبض عليه الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بسبب مقتل عدد يقدر بنحو 300 ألف شخص في دارفور، ركز البشير على بقائه وتشبث بالسلطة كدرع يحميه من محاكمة تشبه محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش.
وتحدى البشير المحكمة الدولية وواصل زياراته للدول الأجنبية الصديقة محاولا إظهار أنه لم يذعن للأمر الدولي بالقبض عليه الذي أصدرته المحكمة.
وسعى البشير للعب على الخلافات الإقليمية والدولية في تحسين وضع السودان. ففي عام 2013 استضاف الرئيس الإيراني حينذاك محمود أحمدي نجاد في الخرطوم.
وبعد عامين انضم البشير للتحالف الذي تدخل بقيادة السعودية في الحرب الأهلية اليمنية وذلك في إطار استراتيجية لاحتواء النفوذ الإيراني المتزايد.
كما سعى البشير للتودد إلى تركيا وروسيا في الوقت الذي صعدت فيه الخرطوم تعاونها الأمني مع واشنطن على أمل التعجيل برفع العقوبات المفروضة على البلاد. وقد رفعت العقوبات عام 2017.
وفي مواجهة أخطر تحد لحكمه عول البشير على الدعم المتواصل من المؤسسة الأمنية التي رعاها على مدى 30 عاما في الخروج من الأزمة.
وخاطب الشباب هذا الشهر وهو يرتدي جلبابه الأبيض ويلوح بعصاه التي اشتهر بها فقال ”هذه البلاد ملككم والمستقبل ملككم. وبلدنا إذا حصل فيها ما حصل في بلاد أخرى إلى أين سنذهب؟ سنصبح لاجئين؟ … لا سنموت هنا وندفن هنا“.