المحتجون في السودان يأملون أن يدفع اعتصامهم الجيش لتسليم السلطة للمدنيين
الخرطوم (رويترز) – على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية وأعمارهم وانتماءاتهم السياسية، يشترك آلاف المحتجين المعتصمين أمام وزارة الدفاع السودانية في شيء واحد.. القناعة بأنهم إذا استطاعوا مجرد البقاء هناك لوقت كاف فسوف تتحقق الديمقراطية.
ودفع اعتصامهم بالفعل الجيش للإطاحة بعمر حسن البشير الذي حكم السودان 30 عاما. والآن يعتقدون بأن اعتصامهم السلمي يمكن أن يدفع نفس القادة العسكريين لتسليم السلطة سريعا للمدنيين.
تناقش امرأة منتقبة مزايا الديمقراطية بينما ينصت لها رجل يدخن الماريجوانا. يبيع بائع متجول الذرة بخصم مما يجلب له مالا وفيرا. ويصعد رجل وامرأة المنصة من أجل عقد قرانهما.
يؤدي مغن للراب أغنية ”نحن أسود الغاب أبناء الحروب“ ليتراقص المستمعون على إيقاعاتها.
وعلى الرغم من كل ما بينهم من تباينات واختلافات لم يتطلب الأمر من المحتجين الذين كان يصل عددهم في أجواء المساء الباردة إلى مئات الآلاف سوى خمسة أيام لإسقاط البشير الذي احتجزه الجيش يوم 11 أبريل نيسان مما أدخل السرور على نفوس الملايين.
والآن يريد هؤلاء المحتجون الذين ينتشرون على مساحة تقارب كيلومترين مربعين في وسط الخرطوم أن يقدم المجلس العسكري الانتقالي موعد الانتخابات التي وعد بإجرائها في غضون عامين.
وربما تتبادل جماعات المعارضة والجيش التهديدات بشأن الفترة الانتقالية، لكن ذلك لم يفت في عضد المحتجين أو ينال من عزمهم الصلب.
يفوق عدد النساء الرجال في الحشد الذي يضم مزيجا من المراهقين وكبار السن والمحافظين والليبراليين والأطباء والمحامين والفنانين.
يسخر المصممون مهاراتهم لصنع اللافتات واللوحات.
قال خالد إيهاب (24 عاما)، المتخصص في صنع اللافتات ”الدافع هو أن نبعث برسالة إلى الناس بأن يدعموا الديمقراطية“.
يجلس صبي صغير على كتفي رجل ويغني أغنية تندد بالإسلاميين الذين مثلوا قاعدة الدعم الرئيسية للبشير. ويقذف فتية جسرا بالأحجار تضامنا مع دعوات مطالبة بالديمقراطية ويلقون المياه على المارة
* طعام في الشارع وحرية التعبير
وبعض المحتجين أكثر جدية من هؤلاء، إذ يمسكون بصور لمدنيين وجنود تثور مزاعم بأنهم تعرضوا للتعذيب والقتل في سجون البشير.
اعتاد قصي عوض (22 عاما) على بيع كوز الذرة في كشكه الخشبي المتهالك مقابل 15 جنيها سودانيا، لكنه خفض السعر إلى عشرة بدافع تحمسه للثورة.
وقد راج عمله. فهو يبيع 500 كوز في اليوم مقابل 170 قبل الاعتصام الذي لم يبرحه منذ يوم الإطاحة بالبشير.
وينام مثل كثيرين على الرصيف الذي يتراكم عليه التراب. وسئل عن نوع الزعيم الذي يود أن يراه حاكما للسودان فقال ”ليس لدي مرشح، فأنا هنا فقط لأبيع الذرة وأدعم الشعب“.
وفي حين يرغب جميع المحتجين في التخلص من الحرس القديم من القادة العسكريين، يحرص كثيرون على الحصول على دعم الضباط الشبان ويتجسد ذلك في ترديد أغنية عسكرية تقليدية بصوت ينافس صوت شخصية معارضة تحاول إلهاب حماس الحشود بوعود بمستقبل أفضل .
ويرغب المحتجون في بسط قدر من السيطرة على الاعتصام بتفتيش أي شخص يحاول دخوله للتأكد من عدم حيازته أسلحة.
وعرض القادة العسكريون بعض التنازلات، فعزلوا بعض المسؤولين وأعلنوا القبض على آخرين، بمن فيهم شقيقان للبشير.
لكنهم يصرون على أنه رغم استعدادهم للقبول بحكومة انتقالية مدنية، فإن السلطة المطلقة ستظل في يدهم لحين إجراء انتخابات.
تقول وجد محمد طالبة الطب المنتقبة ”الديمقراطية ستجلب الرخاء الاقتصادي“ لتجذب بذلك اهتمام شقيقتيها الصغيرتين اللتين ترسمان العلم السوداني على وجهيهما أكثر من رجل قريب يدخن التبغ.
وفي مشهد لم يكن متصورا في عهد البشير، يقف عضو بجماعة متمردة قاتلت قواته في إقليم دارفور الصحراوي على منصة مؤقتة مجاهرا بكل ما يدور في ذهنه ويجول في خاطره.
وقال ”النظام السابق أخذ كل أموالنا وجعلنا فقراء… ينبغي للسودان أن يكون أمة واحدة“.