قصة مريضة: من داخل الحجر الصحي/إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا
محاولة تبييض لمحتوى صوتي صاعق لسيدة مسنة مصابة بفيروس كورونا طول التسجيل يزيد على خمس دقائق، وصلني عبر الواتساب تروي فيه بداية حجزها كمريضة. كانت المرأة تتحدث لأحد مقربيها متماسكة راضية بقضاء الله ولم تخل إشاراتها من ثقافة صحية، وإيجابية في المعالجة. وقد نقلت هنا تسجيلها تضامنا معها وإنارة لمن يهمهم الأمر، لما لمست في سردها من تحرّ للصدق وإيجابية في الرواية وفصاحة في المطلب، ولما أوردت من تفاصيل خادشة نعلم جميعا أنها حاصلة.
وأخيرا لأن ما لاقت من موجبات الاكتئاب واعظ ومؤلم وقد يلقاه أي مصاب محجوز قد يكون أحدنا غدا -من يدري؟- لا قدر الله إن لم تتصرف الجهات الوصية بإلحاح.
التكفل بالمصابين هو رزنامة من المسؤولية والحيطة والبذل تراعي جوانب نفسية وصحية وأخلاقية وإنسانية متكاملة، خاصة وأننا في عصر المعلومة السريعة حيث تستبد بنا التفاصيل في غمضة عين.
صحيح أن موجة الإصابات الأخيرة مفاجئة مع ما يعني ذلك من مفردات الرحيل وبعثرة التفاصيل، لكن رفع الجاهزية وتحمل المسؤولية أكثر وتحسين الأداء ممكن في بضع دقائق.
وهذا نص حديثها مع بعض الاختصار والحذف:
<< مرحبا، لتعلم أن مايسمى الحجر الصحي ليس اسما على مسمى وأخشى أن تكون نسبته للمرَضي أولى من وصفه بالصحي، كفى الله المسلمين بأسه. حملوني في الحافلة وكنت في حالة وهن وبعد توقف في الجامعة دام نصف ساعة دون أي طارق؛ سألني أحدهم عن سوابقي الصحية وعمري؛ ثم أمر بالعودة بي إلى مكان الحجز (مستشفى التخصصات) وبعد ساعة زمانية خرجت إلينا ممرضة شابة وبعد أن شاهدتها لدقائق في جيئة وذهاب، طُلب مني أن أنزل ثم رافقتها ويتعقبني رجل يرش المعقمات إثري، أدخلتني الممرضة في غرفة رثة بها سرير خلا للتو من نزيل، ولم تبدل الممرضة شراشفه ولا أغطيته، فلما طالبتها بذلك أجابتني بضرورة أن أفعل ذلك بنفسي. وكنت قد ارتديت جوارب صحية قبل مقدمي ، فقبلت وأخرجت ملحفة من حقيبتي وحولتها إلى غطاء للسرير، ثم مالبثت الممرضة نفسها أن عادت إلي تحمل رداء أخضر صغيرا رقيقا يشبه تلك التي يضعها الأطباء كأحزمة.
واختفى الكل لفترة ثم سرعانما مر بي ذلك المعقم الذي تعقبني بالرش عند مقدمي فناديته وطالبته باستقدام طبيب أو ممرض يجس نبضي لأن الشعور بالوهن تملكني؛ فلم يجبني فاستسلمت لقدري وبدأت المناجاة واللجوء لله بعد أن استبد بي العجز. حتى صلاة الصبح تحسنت حالتي وتصبب مني العرق بفضل الله. ودارت عقارب الساعة حتى وصلت الثامنة صباحا دون أن يطرق بابي أحد، ناديت الممرضة الشابة التي أودعتني الغرفة قبل اثنتي عشرة ساعة، فجلبت لي على تمام الساعة التاسعة مظروفا ورقيا يحتوي على إفطار ووضعته بالباب ونهرتني مطالبة إياي بالخروج لتسلمه، فرفضت ثم دار بيننا حديث مفاده أنها وزملاءها لايستطيعون التصرف في شيء ما لم يأت الطبيب المعالج وانصرفت.
وتفتق ضوء الصباح على ديكور الغرفة ومحيطها حيث استودعوني، مرحاض مشترك وأرضيته قذرة ومليئة بآثار العابرين و رائحته نتنة، لا حمام به، ونوافذه لم تثبت بها شبابيك رادة للبعوض القادم في جحافل من مقاطعة السبخة المجاورة، لا أغطية ولا مكنسة ولا صابون ولا سائل تعقيم، مما قد يزيد العليل علة.
أعلم أن الدولة لم تأل جهدا ولكن الطاقم المستقبل فقير في الخبرة وفقير في الوسائل، ولو كانوا تركونا في منازلنا وجلبوا لنا الدواء لكان خيرا لنا وأخف عليهم.
وإن لم يجعل الوزير معاونيه يزدجرون وراقب الوضع عن كثب بمعدل زيارة لكل ربع ساعة على الأقل فإن كل شيء متعطل، فحتى زر الطوارئ في الغرفة الذي خبرته ذات مرة في تونس ضغطت عليه في إحدى نوبات الغثيان التي تطوف بي وكان مشلولا.
على المواطنين جميعا أن يهتموا بالوضع وينبهوا الوزير الذي يملك إرادة العمل بحثه على الرقابة والعناية بالوافدين والتكثيف من زيارتهم بشكل موقوت منتظم والسؤال عن أحوالهم واحتياجاتهم سواء كان انخفاض السكري او الضغط أو ماشاكلهما، ورغم ذلك أسال الله لنا و للوزير وطاقمه والفريق المداوم التوفيق فالكل لم يبخل لكن حالهم متواضع (امسيكينين) >>
شفاها الله ورفاقها
إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا
من صفحته على الفيسبوك