شوجل مايغا للأناضول: باريس ما تزال تسعى للهيمنة على إفريقيا وتحاول من خلال ممثليها في جميع المؤسسات الدولية عرقلة المشاريع التنموية في مالي
باماكو- الأناضول- من / فاطمة أسماء أرسلان و بلال دينتش
اتهم رئيس وزراء مالي، شوجويل كوكالا مايغا، فرنسا بمساعدة جماعات انفصالية في شمال البلاد، وتحريض دول الاتحاد الأوروبي ضد باماكو.
وفي مقابلة مع الأناضول تناول فيها علاقات بلاده المتوترة مع فرنسا والدنمارك والتعاون مع روسيا، قال مايغا إن فرنسا ومن خلال ممثليها في جميع المؤسسات الدولية، تحاول عرقلة المشاريع التنموية في مالي.
وأشار مايغا إلى أن فرنسا لها تأثير على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وأنها تضغط على المجموعة من أجل إصدار عقوبات ضد باماكو.
وأضاف: “مالي تعتقد أن فرنسا تمتلك كافة المعلومات حول القرارات التي ستتخذ في قمم دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وقادرة على التأثير على تلك القرارات وتوجيهها”.
وأوضح أن فرنسا أعلنت موعد انعقاد قمة الإيكواس في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، والعقوبات التي ستفرض فيها على مالي، قبل نحو شهر من انعقاد القمة.
كما اتهم فرنسا بانتهاك اتفاقيات التعاون العسكري، وذكر أنها قررت مغادرة القاعدة العسكرية في شمال البلاد دون إخطار الحكومة، ما دفع الأخيرة لمراجعة اتفاقية التعاون التي سمحت لفرنسا بإنشاء قاعدة عسكرية.
وأفاد مايغا أنهم فوجئوا باتخاذ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قرارات بشأن مالي بناءً على المعلومات الواردة في وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية، ودون فتح أي قنوات للحوار مع باماكو.
وقال إن الحكومة الحالية في مالي حللت الوضع من خلال استخلاص الدروس من التاريخ، في ضوء التطورات التي شهدها العالم خلال العشرين أو الثلاثين سنة الماضية، مشيرًا إلى أن باريس ما تزال تسعى للهيمنة على القارة الأفريقية.
** فرنسا تدعم جماعات انفصالية في مالي بالسلاح والذخيرة
ولفت إلى أن الوضع الأمني يزداد سوءًا على الرغم من استمرار عملية “برخان” العسكرية التي أطلقتها فرنسا سنة 2014 للقضاء على الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي والجهود التي تبذلها بعثة “مينوسما” التابعة للأمم المتحدة وفريق عمل تاكوبا الأوروبي.
وأعتبر مايغا أن المشكلة الأمنية في مالي هي أشبه بمرض يجري علاجه لسنوات بناءً على تشخيص خاطئ، وقال: “أُعطي المريض دواءً ووصفة طبية، وقيل له إنه سيتعافى في غضون شهرين، لكن المرض الذي أصاب جزءًا واحدًا فقط من جسده في ذلك الوقت، انتشر إلى 80 في المائة من جسده خلال السنوات الثمانية الماضية”.
وأضاف أن الحكومة الحالية في مالي أجرت تحليلًا دقيقًا للمشكلة سواء من ناحية التشخيص أو العلاج أو الطبيب، في إطار نظرة شاملة للحرب الحالية ضد الإرهاب.
وأكد أن الجماعات الانفصالية التي جاءت إلى المنطقة (مالي) من ليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، كانت مدعومة من فرنسا، إذ أنها تلقت دعمًا مباشرًا من الأخيرة بالسلاح والذخيرة.
وتابع: “قطعت باريس وعدًا للانفصاليين باحتلال شمال مالي وتقسيمه وإقامة دولة مستقلة لهم. هذا ما يقوله قادة المجموعات الانفصالية الذين يتلقون دعمًا علنيًا من السياسيين الفرنسيين”.
** الإرهاب بدأ في الشمال وامتد إلى 80 بالمئة من أراضي مالي
وأشار مايغا إلى أن الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد انقلاب 2013 في مالي، طلبت المساعدة من فرنسا التي بدورها استجابت لذلك.
وذكر أن “باريس أطلقت عام 2012 عملية عسكرية لهزيمة المليشيا الإسلامية المتمردة” في شمال مالي، وذلك استجابة لطلب من قبل الحكومة الانتقالية التي تصفها باريس اليوم بأنها “حكومة غير شرعية”.
وأردف: “كان من المفترض أن تساعدنا فرنسا في مكافحة الإرهاب، لكنها وبخلاف ذلك، أوجدت الظروف التي أدت إلى انقسام في مالي وتعزيز مواقع الحركات الانفصالية. وخلال السنوات التسعة الماضية، تفشت مشكلة الإرهاب في البلاد، وبدأت بالتمدد من الشمال نحو 80 بالمئة من أراضي مالي”.
الى جانب ما سبق، اتهم مايغا فرنسا بالتأثير على قرارات المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، من أجل فرض عقوبات على مالي، والدعوة إلى استصدار قرار ينص على إرسال 2000 جندي إضافي إلى مالي في إطار بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد (مينوسما).
وقال: “لا يمكننا اتخاذ قرار بشأن وصول مثل هذه الوحدة العسكرية إلى أراضينا دون معرفة الغرض منها وجنسيات القوات المشاركة”.
وحول إرسال جنود دنماركيين إلى مالي كجزء من فرقة عمل تاكوبا، أكد مايغا إن فرقة عمل تاكوبا موجودة على أراضينا منذ حوالي عامين، ولكنها لا تضطلع بدور في الحرب ضد الإرهاب.
وفرقة عمل تاكوبا، هي فرقة عمل عسكرية أوروبية تقدم المشورة والمساعدة والمرافقة للقوات المسلحة المالية، جرى إطلاقها رسميًا من قبل فرنسا عام 2019.
وقال مايغا: “يجب على جميع الدول التي ترسل قوات إلى بلادنا، التوقيع على اتفاقية رسمية مع مالي، تنص بوضوح على دور تلك القوات وعددها”.
وأضاف: “لا نفهم السبب الذي دفع بعض الدول الأوروبية للقدوم إلى مالي دون التوقيع على مثل هذه الاتفاقية. هذا بالضبط ما حدث بيننا وبين الدنمارك. جاء الدنماركيون إلى بلادنا بدون أن يأخذوا إذن الحكومة الشرعية في مالي، وهذا هو جوهر خلافنا مع كوبنهاغن”.
وأوضح أن فرنسا وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد، لتحقيق الاستقرار في مالي، دأبتا مؤخرًا على استخدام المجال الجوي المالي بشكل غير قانوني.
واستطرد: “نحن على دراية بجميع الدسائس التي حاكتها فرنسا ضد بلدنا خلال السنوات التسعة الماضية. رأينا مؤخرًا الضغوط التي مارستها باريس ضد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من أجل استصدار قرارات غير عادلة وغير قانونية وغير مشروعة ضد مالي. قرارات المجموعة ضدنا ليس لها أساس قانوني وتهدد جهود التعاون بين دول غرب أفريقيا”.
وبيّن أن الطائرات العسكرية الفرنسية، التي تقلع من إحدى دول الإيكواس، تتعمد استخدام المجال الجوي لمالي بشكل غير قانوني ودون الحصول على التصريحات الرسمية المعمول بها أصولًا.
وأكمل: “تقلع بعض الطائرات العسكرية الفرنسية من إحدى دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وتتعمد الدخول في المجال الجوي لمالي، وتغلق أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة وتقطع الاتصال مع أبراج الطيران في مالي، قبل أن تهبط على أرضنا وتترك موادا لا نملك معلومات عنها. وكذلك تفعل طائرات البعثة الأممية. لقد طلبنا من فرنسا والبعثة الأممية عدم استخدام مجالنا الجوي دون الحصول على التصريحات الرسمية”.
** لا ينبغي لفرنسا تطويع دول الاتحاد الأوروبي لخدمة أجندتها في مالي
وذكر مايغا أنهم أرسلوا طلبًا إلى الدنمارك من أجل سحب قواتها من مالي، وأن فرنسا قابلت هذه المطالب المحقّة بتوجيه اتهامات قاسية متعمدةً إهانة الحكومة الشرعية في باماكو.
وأضاف: “لا ينبغي لفرنسا أن تطوع دول الاتحاد الأوروبي لخدمة أجندتها الخاصة في مالي. أود أن أذكركم بأن مالي كانت دولة مستقلة منذ عام 1960. لا تستطيع باريس أن تدير علاقات مالي مع الاتحاد الأوروبي بالوكالة. يجب أن تتعلم التصرف كشريك يريد أن تكون له علاقات طبيعية مع مالي.
وفي إشارة إلى حكومة إبراهيم بوبكر كيتا الذي شغل منصب رئيس الوزراء ورئيس جمهورية مالي في الفترة ما بين 2013 – 2020، تساءل مايغا: “أين كانت فرنسا عندما كانت حكومة بوبكر كيتا تقتل الأبرياء في المساجد؟ وهذا ما أكدته تقارير الأمم المتحدة”.
وأضاف: “فرنسا اليوم تتعمد قصف المدنيين في مالي، وهذه الأفعال موثقة أيضًا من قبل الأمم المتحدة والمنظمات ذات الصلة. فيما تتعمد باريس إخفاء الحقائق وطمسها حيال الهجمات التي تشنها قواتها ضد المدنيين في مالي”.
** يريدون التضحية بمالي على مذبح الصراع بين الغرب وروسيا
وحول اتفاقية التعاون في مجال الدفاع التي جرى التوقيع عليها مؤخّرًا بين روسيا ومالي، أكد مايغا أن مالي مستعدة للعمل مع أي دولة تسعى لدعمها، مشددًا أن السيادة الوطنية وكرامة الشعب خط أحمر لا يمكن التفاوض عليهما.
وتابع: “نحن لا نعمل فقط مع الجانب الروسي، ولكن نعمل أيضًا مع شركاء آخرين. هناك مساعٍ لتحويل مالي إلى ضحية على مذبح الحرب الجيوسياسية والاستراتيجية بين روسيا والغرب، وهذا ما نرفضه تمامًا”.
وأردف قائلا: “الجيش المالي يبذل جهودًا مهمة مع شركاء آخرين لتعزيز جميع الجبهات في إطار الحرب على الإرهاب. بدأنا بجني ثمار الجهود خلال الفترة الماضية. إذ تمكن الجيش في أقل من شهر، من تحييد عدد كبير من الإرهابيين مجهضًا جهود باريس الرامية لاستخدام الإرهاب السياسي والدبلوماسي للإطاحة بحكومة مالي”.
وحول دور مليشيات “فاغنر” الروسية في دعم القوات المسلحة في دولة مالي، قال مايغا: “نحن على دراية بالخطوات الواجب اتخاذها لحماية الأمن في بلادنا. أولوية حكومتنا في هذه المرحلة هي حماية أمن الشعب في مالي. إن هذه السياسية الوطنية التي انتهجناها جعلتنا عرضة لأنشطة البروباغندا والشيطنة في الإعلام”.
وختم حديثه قائلا: “السلطات الفرنسية تستخدم الإرهاب السياسي والدبلوماسي، بما في ذلك وسائل الإعلام، للإطاحة بالحكومة الشرعية في مالي وجلب شخصيات مقربة من باريس إلى السلطة”.