واحة الحسينية.. حدائق معلقة في موريتانيا
تشتهر موريتانيا بواحاتها الصحراوية الجميلة. ومن بينها واحة الحسينية المعلقة بين فكي جبل. وتعتمد الواحة في ري النخيل علي ينبوع يجري من تحت صخرة، لكنها عكسا للواحات الصحراوية الأخري تحاصرها المياه ستة أشهر مع بداية كل موسم أمطار.
وتشتهر الحسينية بنقوشها الصخرية التي يؤولها العجائز تأويلا دينيا.
تبدو واحة الحسينية حدائق معلقة.. تشعر وأنت تنظر إليها من أسفل، أنها تهبط إليك من قمة الجبل.
وقال لي مرافقي: كن صبورا إذا كنت مصرا علي الصعود إلي القمة، اذ ان الصعود إلي آخر نخلة في الواحة يشكل مشقة، لكنه في الوقت ذاته متعة نادرة.
تصعد عبر الممرات الضيقة بين حدائق النخيل، وبرغم أن درجة الحرارة (صيفا) تفوق في الخارج الأربعين، فإن الجو معتدل في الداخل، يميل إلي البرودة بفضل ظلال النخيل الوارفة، والينابيع الرقراقة الجارية المنكبة كنخيل الواحة من صخور الجبل.
أنت هنا علي موعد مع خيال صحراوي واسع، يترجم لك نقوشا علي الصخر، في شكل لا يعكس حقيقة تاريخية، لكنه يمثل في بساطته تعلقا بقيم وبشخوص. فالنقوش في المخيلة الشعبية هنا دليل علي أن النبي محمدا وصل إلي واحة الحسينية في إحدي غزواته.
يشير العجوز إسلمو ولد بلال إلي نقش علي الصخر يشبه جلد الخروف تحفه نقوش تشبه حوافر الخيل، ويقول “هذا أثر فراش الرسول، وهذه آثار خيول أصحابه” . وغير بعيد حز في الصخر يقول ولد بلال إن عليا بن أبي طالب وضعه بسيفه. هو لا يعرف قصد علي منه، لكنه يرجح أن تكون “إشارة ذات معني خاص وضعت للجيش”.
تغريك الآثار، ومنظر الوادي تحتك، وألوان عراجين البلح بالبقاء طويلا علي القمة، لكن العطش يدعوك إلي الهبوط، فلن تحدث معك المعجزة التي يقول ولد بلال إنها كانت سبب انفجار ينبوع الحسينية: يقول العجوز إن جيش النبي “كاد يهلك عطشا هنا، فأمر عليا بأن يضرب بسيفه الصخر فانفجر الماء زلالا إلي اليوم”.
في الواحة إمكانيات سياحية كبيرة. ورغم عدم وجود منشآت علي الأرض فإن فصول السنة لا تخلو من سياح. ولعل أهم ما يجذبهم هو ماء الينبوع.
ويستخدم السكان الينبوع في ري حدائق النخيل بالتناوب: يقود هذا الماء إلي حديقته حتي تأخذ ما تحتاج إليه،. ثم يقوم آخر بالشيئ نفسه. ومن الينبوع يحملون ماء الشرب علي ظهور الحمير، ومنه تشرب مواشيهم.
غير أن للينبوع استخدامات طبية، فهو “عين مباركة، يأتي إليها المرضي من مناطق مختلفة، وخصوصا مرضي التليف الكبدي”. كما يقول ولد بلال. ويلاحظ زائر الحسينية صيفا أن ماءها يكون باردا . ويقول السكان إنه يكون ساخنا في الشتاء.
وتمور الحسينية مثل مائها في عيون الملاك. يقول سيدي محمد ولد معطلة إن نخل الحسينية متميز وتمره “يشفي المرضي الذين يتوافدون إلي الواحة في موسم البلح”.
يعيش سكان الواحة الواقعة في الجانب الغربي من تكانت (وسط موريتانيا) علي زراعة القمح والشعير، إضافة إلي النخيل كما يقول محمد ولد ميني أحد وجوه البلدة. وهم في موسم التمور يضطرون إلي استخدام الجمال والحمير في تسويق البلح، وهذا ما يعرضه لأن يفسد كما يقولون.
عند مصب الوادي يقيم ملاك الحسينية قريتهم التي يمحوها الماء أحيانا في مواسم المطر حينما ينهار سد يقيمونه بينهم وفي الوادي.
ويشكون من عزلة تضرب عليهم شهورا حينما تغمر المياه وادي “براكه” المحيط بهم لمدة شهور كل عام. ويقول السكان إنهم طلبوا الدعم من الدولة علي الدوام، وما زالوا ينتظرون.
243 تعليقات