الشاي من الخضرة إلى السواد قبل أن يحمَرَّ في الكأس الموريتانية
غوانغ زو (الصين)- “مورينيوز”- من مصطفى ولد البو- لا يعرف الموريتانيون شايهم الذي أحبوه وأصبح جزءا من تقاليديهم منذ عرفوه في القرن الثامن عشر إلا في أسود جافا في علب ورقية.. ولا يعرفون كيف اكتشفه الإمبراطور ” شين نوغ ” حسب ما تروي الأسطورة الصينية:
تقول الأسطورة الصينية التي تعود بالزمن إلى 2700 قبل الميلاد، إن الإمبراطور ” شين نوغ ” كان ذات يوم يأخذ قسطا من الراحة تحت ظل شجرة، ثم قرر أن يغلي بعض الماء للشرب و فجأة سقطت في الإبريق أوراق خضراء فتناوله و تذوقه ليجد مذاقه منعشا. و من هنا بدأت رحلة العشق بين هذا الإمبراطور و شعبه من جهة و بينهم والشاي.
الإمبراطور شين نوغ مكتشف الشاي حسب التاريخ الصيني و الخبير في العلاج بالأعشاب
قبل اكتشاف الشاي كمشروب كان الصينيون يأكلون أوراقه باعتباره من الخضروات إلى جانب استخدامها في علاج بعض الأمراض، و كانوا يضيفون إليه الفلفل و الملح و الزنجبيل لصنع خلطة و تقديمها كوصفة طبية. في القرن الخامس تحولت أوراق الشاي إلى مشروب يستمتع به الجميع من أباطرة إلى عوام. كما كسب الشاي سمعة كبيرة بين أوساط البوذيين خصوصا الرهبان حيث كانوا يستعينون به لإبقائهم مستيقظين أثناء فترات التأمل الطويلة.
يعتبر الشاي الصيني رمزا ثقافيا للبلد ورغم منافسة تايوان و الهند و سريلانكا الشديدة إلا أنه بقي محافظا على الصدارة لما يتمتع به من عراقة و جودة، و تنتشر حقول الشاي على مساحات واسعة في في منطقة دابانغ التابعة لإقليم غوانغ دونغ و التي يفضل البعض تسميتها بمسقط رأس الشاي الصيني.
صورة من حقول الشاي في منطقة دابانغ التابعة لإقليم غوانغ دونغ
وفي موريتانيا يحظى الشاي بمكانة كبيرة و تقدير أكبر لا يقل عن نظيره الصيني، حيث يعتبر جزءا من الهوية الموريتانية و رمزا ثقافيا أصيلا، فلا يحلو الاجتماع و لا تحلو الدردشة إلا على كؤوسه المتتالية.
دخل الشاي موريتانيا حسب المؤرخين في القرن الثامن عشر و كان حكرا على الوجهاء القبليين و السياسيين بعد ذلك لكنه سرعان ما انتشر بين الجميع. تستورد موريتانيا الشاي من بلدان عدة على رأسها الصين و التي تستورد من بلدنا الصمغ العربي.
لا يعلم كثير من الموريتانيين أن الشاي أخضر في الأصل و السبب أنهم لم يروا هذه النبتة المحبوبة إلا و هي سوداء و جافة في علب ورقية، كما أنهم لا يعلمون أن الصينيين يصنعون من ورقة واحدة أربعة أنواع من الشاي و هي الأخضر و الأصفر و الأبيض و الأسود الذي يتم تصديره إلى موريتانيا و سأشرح طريقة تصنيعه.
تتم زراعة نبتة الشاي غالبا في المناطق الجبلية و التي تتميز بجو رطب و مشمس حيث تساعد الأشعة فوق البنفسجية على تحفيز نمو نبتة الشاي إلى جانب جعلها غنية بالأحماض الأمينية و البروتين.
تقوم مجموعة من المختصين في زراعة الشاي بالنزول إلى الحقل و اختيار أوراق الشاي شديدة الخضرة و اليانعة جدا و بعد الانتهاء من قطفها تبدأ عملية فرز شديدة التركيز لتجميع أكبر قدر ممكن من الأوراق الكبيرة و الخالية من أي شوائب.
فرز أوراق الشاي اليانعة استعدادا للمرحلة القادمة
تبدأ بعدها مرحلة التذبيل أو التيبيس حيث يتم نشر أوراق الشاي في مكان مفتوح حتى تذبل و هي مرحلة أساسية في صنع الشاي الأسود و تختلف من صانع إلى آخر ، حيث يفضل البعض تعريض الأوراق لأشعة الشمس بشكل مباشر بينما يفضل آخرون تعريضها لأشعة شمس أقل مع توفيرهم لمكان مظلل
الهدف من هذه المرحلة هو استخراج الماء من أوراق الشاي حتى تستطيع أن تأخذ الشكل النهائي و المتماسك للشاي الأسود و الذي يعتبر مستحيلا إذا ما بقيت يانعة فنسبة الماء في الأوراق الخضراء تمثل خمسة و سبعون بالمائة و تتم هذه المرحلة بخطوات تبدأ بعصر الأوراق لاستخراج ما بقي فيها من ماء استعدادا لمرحلة أخرى و مطولة من التجفيف، ثم يتم تمزيق خلايا الشاي إمّا عن طريق اللف أو “السحق والتمزيق والتجعيد” مما يُطلق الإنزيمات ويعرّضها للأكسجين. أو عن طريق لف الأوراق كي تأخذ الشكل المطلوب و أخيرا تتم قصقصة الأوراق، ومن ثم تمزيقها، وبعدها يصار إلى تجعيدها عبر سلسلة مؤلفّة من 3 قاطعات.
بعد التجفيف تبدأ أهم مرحلة من مراحل صنع الشاي الأسود و المسؤولة عن كون الموريتانيين مدمنين على هذا المشروب الساحر، المرحلة تسمى التخمير.
تقوم هذه المرحلة على أكسدة وتكثيف بوليفينولو التي يحويها الشاي طبيعياً، فتنتج عن ذلك تفاعلات كيميائية يتحول بعدها الشاي من اللون الأخضر إلى البنّي، مع الإشارة إلى أن عملية التخمير خاصة بصنع الشاي الأسود فقط.
يبدأ الشاي الأسود يأخذ شكله المشهور بعد هذه المرحلة و تبدأ بعدها عملية فصل الأوراق حسب رغبة كل بلد، فبعض البلدان يفضلون الأوراق الكبيرة و في موريتانيا يتم إرسال الشاي الأسود ذو الأوراق الصغيرة جدا.
طريقة تحضير الشاي الصيني بسيطة جدا و عبارة عن خطوة واحدة و هي صبّ الماء الساخن على أوراق الشاي الأخضر دون إضافة أي سكر. و تختلف بطبيعة الحال عن طريقة تحضير الشاي المخمّر و الذي يتم ” طبخه ” على نار هادئة حتى ينضج بعدها يضاف له السكر و النعناع في بعض البلدان من بينها موريتانيا.