قصة الضابط الألماني الذي انتحل شحصية لاجئ سوري من أجل تنفيذ هجوم
برلين (رويترز) -من توماس اسكريت وسابين زيبولد- في يناير كانون الثاني عام 2014 رفض قائد أكاديمية عسكرية فرنسية رسالة الماجستير التي تقدم بها ضابط من قوات النخبة في الجيش الألماني يعمل تحت إمرته بسبب تطرف ما جاء فيها من أن حقوق الانسان قد تؤدي إلى إبادة الأجناس الغربية.
وقال القائد لقادة الضابط الألماني الشاب “لو كان مشاركا فرنسيا في الدورة لكنا استبعدناه”.
وقال أكاديمي اختير لمراجعة رسالة الماجستير لكبار الضباط في الجيش الألماني إن الرسالة تتضمن محتوى عنصريا وقوميا متطرفا لكنهم اختاروا ألا يخضعوا الضابط الشاب لإجراءات تأديبية رسمية لأنهم لا يريدون تعريض الحياة المهنية لضابط طموح للخطر.
كان هذا التساهل مخالفة للقواعد الألمانية التي تقضي بضرورة قيام المخابرات العسكرية بالتحقيق في أي بلاغ عن تطرف في صفوف الجنود على الفور.
والآن أصبح الضابط الشاب الذي يشار إليه باسم فرانكو إيه رهن الاعتقال في انتظار توجيه اتهامات له بانتحال شخصية مزيفة لشخص يطلب اللجوء. ويتحرى المحققون ما إذا كان قد خطط لشن هجوم يبدو أنه كان يأمل إلقاء مسؤوليته على طالبي اللجوء.
وقالت أورسولا فون در ليين وزيرة الدفاع في مقابلة تلفزيونية وهي تصف السيناريو المروع “كان هجوم سيقع. وكان سلاح سيوجد في الموقع وعليه بصمات. وكنا سنفحص البصمات الموجودة في النظام وكنا سنجد بصمات تضاهيها للاجئ سوري.”
وتفجر الأمر ليصبح فضيحة متكاملة الأركان عن تطرف يميني في صفوف الجيش أدى إلى تفتيش كل ثكنات الجيش الألماني بحثا عن الرموز التذكارية النازية.
وفرضت تلك القضية ضغطا على حكومة المستشارة أنجيلا ميركل قبل خمسة أشهر من الانتخابات إذ واجهت حليفتها وزيرة الدفاع انتقادات لإخفاقها في ترتيب الوضع في الجيش الألماني.
وبعد تجاهل تحذيرات القائد الفرنسي لم يكتشف أمر فرانكو إلا من خلال بلاغ من الشرطة النمساوية عندما ضبطته يحاول استعادة سلاح محشو خبأه في دورة المياه بمطار فيينا بعد حفل للضباط.
واكتشفت السلطات الألمانية بعد ذلك حصوله بوسائل احتيالية على ألف طلقة من الذخيرة الحية من مخزونات الجيش وتخبئتها لدى شريك له عمره 24 عاما. وأسفر التفتيش في ثكناته بفرنسا عن العثور على صلبان معقوفة وتذكارات أخرى تخص الجيش أيام الحرب العالمية الثانية.
ويعكف مدعون على فحص سجلات الدردشة والملفات الموجودة على هاتفه المحمول وجهاز الكمبيوتر الخاص به بحثا عن أدلة على وجود شركاء آخرين له. ولم تستطع رويترز، التي تحتفظ بالاسم الكامل للضابط الألماني ولا تستطيع الكشف عنه بسبب قوانين الخصوصية الألمانية، التوصل إلى ما يشير إلى وجود ظاهر له على وسائل التواصل الاجتماعي.
* اجتثاث المتطرفين
عندما أعيد تأسيس القوات المسلحة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية تبرأت من أي صلة تربطها بفترة الحرب والتي شارك فيها الجيش في كثير من الفظائع النازية. وكان الغرض من تأسيس الجيش الجديد في عام 1955 أن يكون ديمقراطيا مؤلفا من جنود مواطنين لديهم الاستقلال والثقة لرفض الأوامر غير الأخلاقية.
غير أن الالتزام المدني طغى عليه فيما يبدو في حالة فرانكو، الاستثمار المسبق في جندي تدل الشواهد على أنه نموذجي اختير مع عدد قليل من المجندين الواعدين للدراسة في أكاديمية عسكرية مرموقة في فرنسا.
وقالت وزيرة الدفاع في خطبة ألقتها أمام كبار الضباط الألمان الأسبوع الماضي “عندما تقول رسالة الماجستير التي أعدها أن الهجرة تؤدي إلى الإبادة الجينية للشعوب الغربية فيجب أن يكون واضحا للجميع أننا نتعامل مع أفكار نازية”.
ولم يصدر قرار بعزل فرانكو بل تم توجيه تحذير شفهي له وسمح له بإعادة كتابة الرسالة. وبعد حصوله على الماجستير عين في اللواء الفرنسي الألماني في إيلكيرش وهو وحدة مرموقة ترمز للتقارب بين البلدين بعد عدائهما في الحرب العالمية.
وفي الوقت نفسه سجل اسمه بهوية مزيفة كطالب للجوء باسم ديفيد بنجامين وقدم نفسه لسلطات الهجرة على أنه لاجيء يتعرض للاضطهاد ويتكلم بالفرنسية ويعرف بعض كلمات اللغة الألمانية.
وكان ينتقل بوسائل المواصلات من القاعدة في فرنسا لحضور جلسات اللجوء التي كان يتحدث فيها من خلال مترجم.
وقد واجهت جيوش كثيرة مشاكل في اجتثاث المتطرفين اليمينيين من صفوفهم. لكن الماضي يجعل هذا الأمر ذا حساسية بالغة بالنسبة للجيش الألماني.
ومنذ الحرب العالمية الثانية اعتبرت الحكومات الألمانية المتعاقبة الالتزام بحقوق الإنسان ومعارضة التطرف عنصرين أساسيين في التكفير عن جرائم ألمانيا النازية وإعادة بناء ثقة الحلفاء.
وتم ذلك بسهولة في وقت كان الجيش الألماني نادرا ما يقوم فيه بمهام خارجية وكان أغلبها المشاركة في مهام حفظ السلام. غير أنه يتعين البت في اختيارات صعبة في ضوء مطالبة الحلفاء الآن أن تتحمل ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا قدرا أكبر من العبء الأمني في القارة.
* صلبان معقوفة وتذكارات نازية
برفض الماضي الموصوم يحرم الجيش الألماني نفسه من البعد التاريخي الذي يتيح لجيوش أخرى محاربة أن تستخدمه في خلق روح الجماعة. وبالنسبة لزملاء فرانكو من الضباط كانت الصور المعلقة على الحائط في قاعة الطعام لجنود يرتدون ملابس قتالية، تدرك العين الخبيرة أنها من أيام جيش الحرب، إقرارا مسموحا به بالتقاليد.
غير أن القواعد الألمانية تقضي بغير ذلك وقد حصلت وزيرة الدفاع على دعم من أطراف من بينها ميركل لما تعهدت به من الوصول إلى الحقائق فيما حدث من إخفاق وأدى إلى التغاضي عن تطرف فرانكو.
وفي العطلة الأسبوعية أمر مدعون بتفتيش كل ثكنات الجيش الألماني بحثا عن رموز مماثلة. وذكرت وسائل إعلام رسمية أن غرفة فرانكو كانت تزدان بنذر رهيبة من بينها صلبان معقوفة.
وقال فولكر فيكر قائد القوات المسلحة الألمانية في مقابلة تلفزيونية “صورتنا لحق بها ضرر من هذه الوقائع”.
وبعد أن تعرضت وزيرة الدفاع في البداية لانتقادات بسبب الإدانة الشاملة للقوات المسلحة للتساهل مع التطرف اعتذرت الوزيرة وأشادت بأعمال أغلبية رجال القوات المسلحة البالغ عددهم 250 ألفا.
وقد وجد الجيش تعاطفا من أطراف غير متوقعة. فقد قال توبياس فلوجر نائب رئيس حزب اليسار الداعي للسلم إن الجنود يطلب منهم المستحيل بأداء دور أوروبي أنشط وفي الوقت نفسه رفض الماضي العسكري لألمانيا.
وأضاف “إذا أرسلت الآن دبابات ألمانية إلى الحدود مع روسيا في ليتوانيا فلا يمكنك أن تنسى التاريخ” مشيرا إلى دعوات تطالب حلف شمال الأطلسي بحماية دول البلطيق الحليفة من روسيا.
وقال “فالدبابات الألمانية كانت هناك من قبل وفعلت شيئا هناك. ثمة مسؤولية تاريخية وعلى ألمانيا أن تتوخى الحذر بشدة