“صحاري الجن”… شواء بروكسيل… والعام 2010
ودع الموريتانيون العام 2010 وفي أنوفهم مزيج من روائح “مائدة” بروكسيل الشهية، وبارود ” النعمة” و”حاسي سيدي”… ويدخلون العام الجديد وقد انكمشت بطونهم، وجفت حلوقهم بعد أن عز اللعاب لطول ما انسكب علي موائد ” موريتانيا الجديدة” في “مهرجانات التحدي” قبل العاصمة البلجيكية وبعدها.
لقد كان العام 2010 بارعا في أساليب التعذيب وكان سارقا لا يباريه في ” خفة اليد” إلا ( بعض) أعضاء حكومتنا التي من مهامها الأساسية محاربة الفساد…
أن تعرض جائعا لرائحة الشواء… بل تجعل أضلاع الخروف المشوية تلامس شفتيه وحينما تثور شهيته و يحاول التصرف لا يجد شيئا ، فذلك أبشع من الجلد بسياط يعرف رجال أمننا استخدامها في شكل ” رائع” أعني ” مريع”…..
ذلك أسلوب استخدمه العام الراحل مع الجياع الذين حُدثوا عن مليارات بروكسيل، والانحياز للفقراء، وتوفير لقمة العيش الكريم.
وهو سارق… لأنه اختلس القناعة من بعض رموز المعارضة …. أسمعهم صرير الماء وهم في قمة العطش؛ وحينما فتحوا أفواههم وتطلعت حلوقهم إلي قطرة ماء، تحول الصرير إلي صوت جاد وحازم صادر عن رجل علي قمة السلطة: “لا… لن تشربوا… هي لي وحدي”.
وفي العام 2010 امتلأ الموريتانيون فخرا ببسط جيشهم السلطة علي ” مواطن الجن” في الصحاري المحرمة – منذ كانت موريتانيا- علي جيشها… وامتلئوا فخرا أيضا من تحديد معابر في كل المناطق الحدودية تنهي حال الأرض المفتوحة المستباحة، لكن رمال “صحاري الجن” اختلطت ببارود “النعمة” و ” حاسي سيدي” فامتلأت صدورهم ” ربوا”.
عام يرحل، وأخر يأتي… مسألة عادية، فنحن قوم رحل، وعشنا رحيل كثيرين حلوا ضيوفا، واستبشرنا بقدومهم مثلما نفرح بمقدم كل عام جديد عله يكون أكثر حنوا من سابقه…
والفرق الوحيد أنه في لعبة الزمن لا يستطيع العام أن يكون إلا عاما، وعليه أن يرحل من تلقاء نفسه.
أما في لعبة الحكم الموريتاني فالقادم جالس علي نحورنا ما لم يلطمه قادم جديد علي مؤخرة الرأس فيهوي إلي القاع تاركا ” قناع الإله” لصاحب ” اللطمة”.
يترك ضيوفنا الراحلون بعد أن تدفع بهم إلي الهاوية يد قوية من داخل البلاط جروحا في أرواح كثيرين وفي أجسادهم… يتركون دمارا… وقططا سمينة ربوها بالسحت، وأثرياء من حاشيتهم وقواديهم ، ومن أبناء العمومة والخؤولة… و يتركون(…..).
فماذا ترك العام الراحل؟
ترك لي شخصيا خطوط شيب جديدة وبعض التجاعيد، وحنينا رومانسيا إلي 365 يوما انقضت من عمري، ليست الأفضل، لكنها عزيزة علي لأنها مخصومة من هذه الرحلة القصيرة اللذيذة التي اسمها الحياة.
وترك للموريتانيين “دوارا” في العاصمة نواكشوط قرب فرقة التدخل السريع ، وشوارع وسعت في العاصمة أيضا، وعددا مهما من الكيلومترات المسفلتة في عاصمة ظلت مهملة طيلة أعوام ” الرخاء” الذي رحل هو الآخر.
ومن إنجازات العام الراحل أيضا ما حوله الإعلام الرسمي وخطب المسئولين إلي مسرحية هزلية هو تنظيم الأحياء الشعبية في نواكشوط ، وشق الشوارع والطرق فيها، وتوفير المرافق الضرورية في معظمها.
هذه أهم إنجازاتك أيها العام الراحل… وربما أنجزت أكثر، لكن الخوض في تفاصيل ذلك قد يقود إلي الحديث عن سلبيات تلك الانجازات، ولا وقت لذلك الآن…
ولأن الأعوام ليست مثل الرؤساء الموريتانيين، فهي ترحل في هدوء، وتتبادل النصح، ولا يحمل الخلف منها علي السلف ، أنا واثق من أن العام 2010 قال لخلفه : ” لا تكرر أخطائي، ولست ملزما بطريقتي في الحرب علي القاعدة”.
الشيخ بكاي
31/12/2010